منذ الجزء الرابع “Black Flag” ابتعدت سلسلة “Assassin’s Creed” شيئًا فشيئًا عن جوهرها.. لتبدأ بعد ذلك تحوّلًا يمتد الى العوالم المفتوحة وتجربة “تقمص أدوار” أكثر جرأة، بعيدًا عن أسلوب التسلل المعتاد عليه! وبعد أن أطالت الانتقادات اللّاذعة التوجّه الحديث للسلسلة، أقرّت Ubisoft عن نيّتها بالعودة الى جذورها مع عنوانها الجديد Assassin’s Creed: Mirage.
فهل تمكنت “يوبيسوفت” أن تفي بوعودها في عودة تستقطب الجمهور القديم للسلسلة؟ هذا ما سوف نجيب عنه من خلال هذه المراجعة..
تاريخ الإطلاق: 5-أكتوبر-2023. سعر الإطلاق: 49.99$ زمن اللعب: ~12 ساعة. نسخة المراجعة: (PS5).
| نبذة تعريفية |
“Assassin’s Creed: Mirage” هي حلقة مكملة للجزء السابق من “Valhalla”، تستطرد فيها ماضي شخصية تدعى “باسم بن إسحاق” بعد ظهورها المفاجئ وخطفها الأضواء سريعا في أحداث الجزء الماضي.
| القصة |
اكتملت قصة “إيفور” بطل الجزء السابق من “Valhalla” مُخلفة من وراءها نهايةً “مُبهمة”. طرحت من خلالها العديد من التساؤلات التي لم تُجب عنها.. وذلك بعد ظهور شخصية “باسم” وخطفها الأضواء سريعا بلا أن تقدم نهاية واضحة لما سيحدث في الفصل الأخير من القصة.
كان من المقرر بعد ذلك أن يتم إطلاق عدة “إضافات” متتالية تستكمل أحداث قصة “باسم”.. وتغلق “الفجوة” التي خلّفتها في القصة السابقة. ضمن عدة توسعات رئيسية تحت عنوان “Dawn of Ragnarok” و “Mirage”، وذلك قبل أن يتم تحويل اضافة “Mirage” الى عنوان كامل واصدارها على حِدة!
فجوة قصصية ⏳
تسلط أحداث “Mirage” الضوء على ماضي “باسم بن إسحاق” وبدايته البسيطة ك “لص” شوارع يقتات على السرقة.. وذلك قبل أن ينضم الى عقيدة “الأساسن” أو “Hidden Ones” ويصبح احدى أبرز الشخصيات في تاريخ السلسلة!
تم تقديم شخصية “باسم” بطريقة مشابهة لشخصية “إدوارد كينواي”، بطل الجزء الرابع “Black Flag”. في كونه بدأ ك مجرد “قرصان” بمبادئ معاكسة لعقيدة “الأساسن”، قبل أن يتغيّر حاله تماما بعد الانضمام إليهم. كما تحمل شخصية “باسم” كذلك بعض السّمات المشابهة من شخصية “الطائر بن لا أحد” في كونهما ينحدران من أصول عربية مسلمة.
وبالرغم من ذلك، تمتلك شخصية “باسم” خلفيّتها الخاصة التي تميّزها عن جميع الشخصيات السابقة، وتقارب في أوجه الشبه بينها وبين شخصية “إيفور” من جزء “Valhalla” لما يمتلكان من صفات عديدة تربط بينهما. وذلك بعد أن تقاطعت بهم الطرق في الأحداث السابقة، قبل أن يتخذ كلا منهما طريقه الخاص في نهاية المطاف. ويكون لشخصية “باسم” الحظ الأوفر في الاستمرار بطريقه على عكس “إيفور”!
وبدلًا من أن يتم استكمال النقطة التي توقفت عندها الأحداث في الجزء الماضي “Valhalla”.. نجد بأن أحداث “Mirage” بالكاد قد عملت على الربط بينهما، ولم تُجب عن العديد من التساؤلات التي تم طرحها سابقًا! في المقابل، خلّفت قصتها “فجوة قصصية” جديدة بين أحداث السلسلة. جعلت من قصتها تبدوا غير مدروسة تمامًا، وبالكاد قد أحرزت أي تقدم!
جوهر القصة 💎
لنعد قليلا الى الوراء، ونستعرض “حجر الأساس” الذي تم بناء قصة “Assassin’s Creed” عليها. لمعرفة النقطة التي تنتهي أحداث “Mirage” إليها..
بدايةً تم تعريفنا في الأجزاء الأولى من السلسلة بكيان يدعى بـ “ISU”. وهو كيان يمثل “الآلهة” تمتلك قدرات خارقة تجعل منها مخلوقات “فائقة”! والتي قامت بفرض سيطرتها وجبروتها على كوكب الأرض، وذلك قبل أن تقرر فيما بعد صنع نوع من المخلوقات التي ستعمل على خدمتها وهي “البشرية”..
وبعد الموافقة على قرار صنع “البشرية” من قبل أفراد الـ “High Council”، وهي أعلى رتبة في كيان الـ “ISU” وتعمل على رئاستهم.. حصل في المقابل مجتمع الـ “ISU” على مستوى أعلى من الرفاهية في كوكب الأرض بعد استعبادهم “البشرية” وتوكيلهم للمهام الشاقة.
لتُعلن “البشرية” بعد ذلك تمرّدها.. وتنجح في قبع جماح الـ “ISU” وإزاحتهم بعيدًا عن كوكب الأرض! ومن ثم تحاربت عدة فصائل من البشرية للحصول على ما تبقى من مُخلفاتها، والتي سميت بـ قِطع “Eden”! تتميّز كل قطعة منها بقدرات خارقة وفريدة تمنحها لمستخدميها. ونتيجة لذلك، نشأت عقيدة “الأساسن” للوقوف ضد من يحاول استعمالها في مصالحه الفاسدة.
لم تتطرق الأجزاء الأولى من السلسلة عميقا في تاريخ نشأة الـ”ISU” عدى عن بعض المقتطفات التي افتقرت الى الكثير من السياق.. وذلك على عكس ثلاثية الـ “RPG” بدءًا من “Origins”. التي وبالرغم من النقد التي حصلت عليه، كانت من أهم أجزاء السلسلة على الإطلاق!
ففي حين نجد من “Origins” سلطت الضوء على نشأة “الأساسن” عن طريق “Bayek” وزوجته.. نجد من “Odyssey” في المقابل تعرض مقابلة لشخصيات الـ “High Council” التي صنعت البشرية لأول مرة في السلسلة! الى “Valhalla” التي قدمت أولى نماذج التجسيد البشري لكيان الـ”ISU”!
ومع الاستمرار في كشف حقيقة القصة مع ثلاثية الـ”RPG”.. نجد بأن “Mirage” وعلى النقيض تماما، لم تضف أي شيء يُذكر الى “جوهر القصة” عدى عن تطرق بسيط يوضح حقيقة شخصية “باسم”! ما يجعل من “Assassin’s Creed: Mirage” غير جديرة بأن تُقاس في كونها أكثر من مجرد “اضافة” تم اقتطاعها من الجزء السابق..
جشع تجاري؟ 💰
قدمت “يوبي سوفت” نموذجًا حديثًا في “طرح” قصتها ابتدأت بمشواره منذ جزء “Odyssey”، والتي قدمت فيه قصة “غير مكتملة”. تضطرك الى دفع المزيد لشراء التكملة من خلال “الإضافات” التي يتم إطلاقها فيما بعد! وهو ما تسبب في انتقاد لاذع لقصة “Odyssey” التي بدت سطحية بعض الشيء..
الا أنه وببساطة فلم تكن الا “استراتيجية” تمثلت في “اقتطاع” جزء كبير من القصة لتخصيصه لاحقا ضمن محتوى “الإضافات” مقابل ربح اضافي! وذلك على الرغم من تقديمها واحدة من أفضل “التوسعات” على الإطلاق، تحت عنوان “Fate of Atlantis”.. الا أن ذلك لا يشفع لها سياسة اقتطاعها من القصة الرئيسية، نظرا لكونها تحمل سياقًا ضروريًا لفهم القصة الرئيسية وليست مجرد محتوى “إختياري”!
امتد جشع “يوبي سوفت” كذلك الى عنوان “Valhalla”.. والتي قامت باقتطاع جزء كبير من قصتها الرئيسية وتجزئته الى ثلاث أقسام، تمت توزعتها بين “اللعبة الأساسية” وإضافة “Dawn of Ragnarok” الى الأخيرة “Mirage”.. قبل أن يتم توسعتها واطلاقها على حِدة كعنوان رئيسي. وهو ما يفسر تسعيرتها المنخفضة مقارنة ببقية العناوين!
قدمت “Mirage” ما يقارب “12 ساعة” من محتوى اللعب، وهو ما لا يقارع حتى اضافة “Fate of Atlantis”. التي صدرت لعنوان “Odyssey” ضمن تذكرة “Season Pass” الخاصة بها.. وبمحتوى أساسي يزيد عن “15 ساعة” ومجموعة متنوعة من الخرائط الجديدة. ما يجعل من تسعيرة “Assassin’s Creed: Mirage” تبدوا غير مبررة، وذلك رغم قيمتها المنخفضة..
| أسلوب اللعب |
تألقت “Mirage” بعودتها الى نمط “التخفي والتسلل” بعد أن ابتعدت عنه مؤخرًا. وأعادت تقديمه بقواعد جديدة عملت على نقله الى مرحلة غير مسبوقة عما تم العمل عليه سابقا..
فبجانب “النصل الخفي” المعتاد للأساسن، يستعمل “باسم” مهارات أخرى متنوعة ك “سكاكين الرمي” للقتل على المدى البعيد. الى قدرة تمكنه من قتل حشد من الأعداء في آن واحد تحت مسمى “تركيز الأساسن”. جعلت من أسلوب “التخفي والتسلل” يتخذ نهجًا أكثر حدة ويعطيك الأفضلية القتالية على المواجهات المباشرة.
أحرزت “يوبي سوفت” كذلك تقدمًا ملحوظًا في الجانب “التقني” عبر تضمينها للمشاهد السنيمائية بشكل سلس مع أسلوب اللعب بلا أن يتم الفصل بينهما من شاشات التحميل. فضلا على صقلها الرائع لـ “فيزيائية” الحركة التي أبرزت أسلوب “الباركور” بدقة تامة عند القفز والتسلق السريع!
لص بغداد 🥷
تتميّز شخصية “باسم” بخفة اليد عندما يتعلق الأمر بالسرقة ونهب المقتنيات.. وعند انضمامه الى عقيدة الـ “Assassin” ستجده يعمل على صقلها مع تعاليم “الأساسن” بشكل أفضل، لينجح بالوصول الى مستوى عالٍ من الخبرة في وقت قياسي..
لذلك ستجد من “السرقة” تلعب دورا هامًا في إنجاز المهمات الرئيسية. والتي ستعود إليك بفوائد عديدة عند استخدامها في “نهب” مقتنيات الناس داخل المدن.. فمثلا، يحمل العديد منهم أنواع مختلفة من العملات القيّمة التي يمكنك سرقتها، ومن ثم مقايضتها مع التجار أو رشوة بعض الشخصيات لتقدم لك يد العون في مهمتك القادمة.
وفيما يخص “المهمات”، لم تقدم “Mirage” أي تطوّر يُذكر عن الأجزاء السابقة التي تبنّت نهجًا جديدا في “نظام التقدم” لديها.. ليصبح أكثر تركيزًا على عمليات الاغتيال السياسية. ضمن شبكة محددة من الشخصيات التي تكشف لك شيئا فشيئا عن زعيم المنظمة. وما أن تكتمل سلسة الاغتيالات لتجد بأن القصة قد شارفت على نهايتها!
يواجه “نظام التقدم” الجديد الذي اتبعته سلسلة “Assassin’s Creed” مؤخرًا، مشكلة تكمن في تقديم حبكات لا ترتكز بشكل حصري حول بطل الرواية! عوضا عن ذلك تقدم حبكات حول شخصيات “سياسية” ومؤامرات فساد لا تمت بصلة للقصة الرئيسية.. وهو ما يعمل في المقابل على “تهميش” دور البطل حتى الوصول الى الفصل الأخير ليستكمل أخيرًا قصته!
| العالم |
استثمرت “يوبي سوفت” جهودا كبيرة في تصوير مدينة “بغداد” بالعصر الذهبي من القرن التاسع.. والتي بدت مذهلة بجميع تفاصيلها التي تجسّد حضارتها داخل المدن وشوارعها مع توظيفها بامتياز، لتشمل العديد من منصات القفز والتسلّق للحصول على أفضل تجربة “باركور” قدمتها السلسلة منذ الجزء الأول!
وتنضم كذلك الى “Origins” و “Odyssey” ك واحدة من أكثر عناوين السلسلة إتقانًا في تصوير الحضارات القديمة. وذلك على عكس “Valhalla” التي لم تفلح بالمقابل في تصوير عصر “الفايكنج” بدقة، والذي كان سطحيًا الى حد كبير ولم يعمل على إبراز حضارتها بالشكل الصحيح..
لذا حاولت “Assassin’s Creed: Mirage” أن تتجنب تكرار الإخفاق الذي أحدثته “Valhalla”. وكرّست جهدًا إضافيا في تقديم “بغداد” بجودة تضاهي تقديم “Odyssey” للحضارة اليونانية! أو حتى “Origins” مع الحضارة الفرعونية.. ومع ذلك، فلم تستغل المهمات الرئيسية الإمكانيات الكاملة لعالمها في تقديم تنوع أكبر من مجرد عمليات اغتيال مكررة!
الثقافة العربية 🕌
اعتزمت “يوبي يسوفت” على تقديم الحضارة “العربية” بجودة استثنائية داحل مدينة “بغداد”. مع تحري الدقة في سرد تاريخها وتصويره باحترافية كبيرة. والتي ستلامسها عند مشاهدتك للهندسة المعمارية الرائعة داخل المدينة أو عند الاستماع الى صوت “الآذان” أثناء التجوّل في شوارعها..
ستجد كذلك العديد من المخطوطات الأثرية والتاريخية التي تسرد جانبًا من الثقافة العربية والإسلامية متناثرة في أنحاء عالمها! وكان من المدهش حقًا قراءة الكم الهائل من المعلومات التي تشرح بعض الثقافات في تلك الحقبة الزمنية، وتعكس مدى جماليّتها.
كما كان للآداء الصوتي دورًا هام في تصوير الثقافة العربية بشكل جيد. وهو ما تمكنت “Mirage” من تقديمه بجودة رائعة واختيارات متميزة لمؤديين الدبلجة “العربية”.. وذلك بالرغم من كونها تحمل ترجمة “حرفية” بعض الشيء، جعلت من بعض السّياقات تبدوا مضطربة عند مزامنتها مع سياق اللغة “العربية”!
هذه المراجعة مبنية على: 100% من معدل إكمال المهمات الرئيسية مع العديد من الاستكشاف والمهام الجانبية المُنجزة.
جيدة جدًا – 8.5
8.5
جيدة جدًا
نجحت “Assassin’s Creed Mirage” بالعودة الى جذور السلسلة مع تجسيد رائع لعصر بغداد الذهبي، وتصويرها للثقافة العربية بأفضل شكل ممكن! إلّا أن قصّتها في المقابل لم تستطع أن تغلق “الفجوة” التي أحدثتها في الجزء السابق، وتركت العديد من التساؤلات غير مُجاب عنها!