لطالما كان الوصول إلى المريخ أمرًا مثيرًا لاهتمام الكثيرين؛ إذ يعتقد بعض الباحثين أن بإمكان البشر العيش على هذا الكوكب يومًا ما، ويؤكد كثيرون أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور حاسم في تحقيق هذا الهدف. لكن ما أبرز التحديات التي تحول دون وصول البشر إلى هذا الكوكب والعيش عليه؟ وكيف سيساعد الذكاء الاصطناعي في انتقال البشر إلى المريخ؟
أولًا: أبرز العوائق التي تحول دون العيش على كوكب المريخ:
حتى الآن لم يذهب البشر بَعد إلى كوكب المريخ، مع أن وكالة ناسا تأمل في إرسال رواد فضاء إلى هناك بحلول ثلاثينيات القرن الحالي. من ناحية أخرى، سيكون إيصال أشخاص إلى كوكب المريخ إنجاز عظيم خاصة إذا لم يكونوا متخصصين في رحلات الفضاء، لكن هناك الكثير من العوائق التي تحول دون تحقيق هذا الإنجاز، ومنها:
1- بُعد المسافة:
إن المسافة الهائلة بين كوكبي الأرض والمريخ من أهم العوامل التي تُصعّب الوصول إلى المريخ، فحتى عندما تكون المسافة بين الأرض والمريخ أقصر ما يمكن وهي عندما يكون الكوكبان على الجانب نفسه من الشمس، فإن المسافة تزيد على 34 مليون ميل ولا يمكن أن تحدث هذه الحال إلا كل عامين. وتسعى مجموعات مختلفة من العلماء إلى جعل الرحلة تتم بأكبر قدر ممكن من الكفاءة، وتشير تقديراتهم إلى أن الأمر سيستغرق من 6 إلى 9 أشهر.
نظرًا إلى اهتمام العلماء بالوصول إلى المريخ لمدة طويلة، فإن موضوع بُعد المسافة دُرس بنحو متكرر، ويمكن للباحثين تطبيق الذكاء الاصطناعي لتحليل الأوراق البحثية لمعرفة الطرق التي قد تكون ذات جدوى، ومن الممكن أن تؤدي هذه الجهود إلى تقصير الوقت اللازم للوصول إلى المريخ.
2- صعوبة تأمين مقومات الحياة:
حتى لو وصل البشر إلى المريخ، فستظهر مشكلة تأمين ما يكفي من الغذاء والماء للبقاء على قيد الحياة، لكن يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في تحديد مصادر ما يحتاج إليه الناس للعيش على هذا الكوكب؛ إذ تتمتع بعض المركبات الجوّالة على المريخ بمزايا الذكاء الاصطناعي التي توسّع ما نعرفه عن الكوكب، على سبيل المثال: تسمح بعض هذه المزايا بتحديد المعالم الجيولوجية على الكوكب دون تدخل بشري، ويمكن أن تساعد مثل هذه المزايا المركبات الفضائية في العثور على مصادر المياه، وإبلاغ الأشخاص على الأرض بالتفاصيل، ومن ناحية أخرى، يساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا المركبات الجوّالة في التحرك على طول التضاريس؛ مما يجعل عملية البحث أكثر إنتاجية.
بالإضافة إلى ذلك، يدرس مجموعة من العلماء في خمس جامعات أسترالية كيفية توفير مصادر غذائية موثوقة للبشر الذين يذهبون إلى المريخ أو يعيشون عليه، ويعتمد هذا المشروع على ما يسمى بالروبوتات الزراعية، وهي عبارة عن روبوتات تزرع الخضروات الورقية ليأكلها الناس في الفضاء، وتحلل الخوارزميات تعابير وجوه الأشخاص واستجاباتهم الفسيولوجية للأطعمة.
3- احتمال حدوث أضرار جسدية:
تشير بعض الأبحاث إلى أن الرحلات إلى المريخ قد تعرض المشاركين فيها لمخاطر عديدة، ولعل الإشعاع الفضائي من أبرز هذه المخاطر.
من ناحية أخرى، هناك مخاطر أوسع نطاقًا مرتبطة بمدى اختلاف الحياة على كوكب المريخ عن الحياة على الأرض، فكتلة المريخ أصغر نسبيًا؛ لذا فإن جاذبيته أقل من جاذبية الأرض، وقد درس العلماء حال أدمغة 30 رائد فضاء قبل ذهابهم إلى الفضاء وبعد عودتهم لاكتشاف تأثير هذه الفروق عليهم، وأشارت النتائج إلى أن قضاء الوقت بعيدًا عن الأرض أدى إلى توسيع البطينين – وهي التجاويف المليئة بالسوائل الموجودة داخل الدماغ – وأشار البحث إلى أن التوسع كان كبيرًا لدى أولئك الذين أكملوا مهمات استمرت لأكثر من 6 أشهر، وحتى مع حدوث انقباض في البطينين بعد عودة رواد الفضاء إلى الأرض، فقد احتاجوا إلى أخذ أوقات راحة لمدة قدرها 3 سنوات للتعافي الكامل.
بحثت دراسة أخرى في كيفية تأثير الجاذبية الصغرى – التي تجعل الناس يبدون عديمي الوزن – على الرواد الذين سيقضون عدة أشهر في السفر من المريخ وإليه وحاول الباحثون محاكاة تأثيرات الجاذبية الصغرى من خلال جعل المشاركين يقضون 60 يومًا في السرير بزاوية محددة، وأشارت النتائج إلى أن هذه التجربة أثّرت في نسبة قدرها 91% من التعبير الجيني للمشاركين؛ مما أثر في كل وظائف الجسم بدءًا من وظيفة العضلات وحتى الجهاز المناعي.
ومع ذلك، من خلال الخوارزميات المتقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد العلماء في تحديد الآثار الصحية الضارة المحتملة والحد منها، ومعالجتها وتقليل الضرر على الناس.
ثانيًا: كيف ساهم الذكاء الاصطناعي في استكشاف المريخ؟
إن انتقال البشر إلى كوكب المريخ ليس بالأمر السهل، لكن الذكاء الاصطناعي قد مكّن بالفعل من تحقيق بعض الإنجازات الواعدة، وأبرزها:
1- المساعدة في البحث عن علامات الحياة:
يعتقد الكثيرون أن أفضل الطرق لتحديد إذا كان المريخ آمنًا للعيش أم لا تعرّف الكائنات التي عاشت هناك بالفعل، بعدها يمكن للعلماء استخدام تلك البيانات المجمعة لتحديد مدى إمكانية ذهاب البشر إلى هذا الكوكب.
وقد طوّرت مجموعة من الباحثين نظام ذكاء اصطناعي لتحديد إذا كانت العينات المأخوذة من المريخ قد نشأت من كائنات حية أم لا، وهذا يمكن أن يساعد الباحثين في تقدير فرص بقاء الكائنات الحية على قيد الحياة على هذا الكوكب، ويمكن لهذه الاستنتاجات الإجابة عن أسئلة مهمة حول سلامة الإنسان، وقابلية تأمين احتياجاته الضرورية.
2- معرفة المناطق التي تدعم الحياة:
بعد أن يعرف العلماء الكائنات التي يمكن أن تعيش على المريخ، يجب عليهم أيضًا تحديد المناطق الملائمة للعيش عليه، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يجيب عن هذا السؤال أيضًا؛ إذ تعاونت مجموعة من العلماء من جامعة أكسفورد مع علماء من مؤسسات أخرى لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للعثور على المناطق الأقدر على الحفاظ على الحياة.
واختبرت المجموعة نهجها في صحراء أمريكا الجنوبية، باستخدام صور جوية من طائرات بدون طيار كمصدر للمادة، ويعتقد الباحثون أن بإمكانهم تطبيق هذا الحل لمساعدة مركبات المريخ في العثور على المناطق المناسبة للعيش، ثم إنشاء قاعدة بيانات لمؤشرات الحياة وإمكانية العيش هناك.
3- توسيع ما يعرفه البشر:
بعد أن تتحرك المركبات الجوالة حول المريخ وتقدم البيانات إلى الباحثين على الأرض، السؤال هو: ماذا يجب أن يحدث قبل أن يهبط البشر على الكوكب؟
يختبر علماء ناسا روبوتًا يشبه البشر يبلغ طوله 6 أقدام يعتقدون أنه سيؤدي العديد من المهام نفسها التي يمكن للبشر القيام بها في الفضاء، ويأمل أولئك العلماء أن يجري الروبوت إصلاحات في أثناء المهام الفضائية، وإذا سارت الأمور بنحو جيد، فيمكنهم استخدامه لجمع بيانات تتجاوز ما قدمته المركبات الجوّالة، وكلما عرفوا المزيد عن كوكب المريخ قبل إرسال البشر إليه؛ كانت الظروف أكثر أمانًا وإنتاجية للجميع. ومع أن وضع روبوت شبيه بالبشر على سطح المريخ لا يشبه بأي حال من الأحوال قيام شخص برحلة إلى هناك، فإن ذلك يمكن أن يقلل من المفاجآت المرتبطة بالوصول إلى هناك.
4- العثور على مصادر الأكسجين:
يحتوي المريخ على الأكسجين، لكنه لا يكفي للإنسان للبقاء على قيد الحياة، والحصول على الأكسجين باستمرار في أثناء العيش على المريخ يحتاج إلى بحث ودراسة.
وجدت مجموعة بحث صينية حلولًا باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ إذ بحث العلماء في جدوى استخدام محفزات إنتاج الأكسجين oxygen evolution reaction (OER) لإنتاج غاز الأكسجين من خلال التحليل الكهربائي للماء، واستخدموا الذكاء الاصطناعي في الكيمياء لإيجاد أكثر الطرق فعالية لتصنيع محفزات إنتاج الأكسجين (OER) باستخدام المواد الموجودة على المريخ بدلًا من الحاجة إلى نقلها من الأرض.
ومع أنه ما يزال هناك الكثير للقيام به قبل اكتشاف أنسب الطرق لتوفير الأكسجين للأشخاص الذين يذهبون في مهمات إلى المريخ، فإن هذا الإنجاز يُعدّ خطوة مهمة نحو تحقيق هدف العيش على المريخ.
الخاتمة:
مع أن انتقال البشر إلى كوكب المريخ لن يكون قريبًا، فإن العلماء يحرزون تقدمًا مثيرًا للإعجاب؛ إذ يستكشفون ضرورات الوصول إلى هناك والحصول على تجربة آمنة قدر الإمكان، وسيكون للذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في مساعدة الباحثين في تحقيق ذلك.