في عالم الألعاب، لم تكن لحظة انفصال هيديو كوجيما عن شركة كونامي حدثاً عابراً بل كانت أشبه بصفحة تأريخية مليئة بالرموز والإشارات المبطّنة، حيث ترك المبدع الياباني رسالة صامتة داخل لعبته الأخيرة Metal Gear Solid V، وكأنه يهمس للاعبين بما لم يستطع قوله علناً كأنها رسالة مشفرة للاعبين المخلصين، لم يكتب كوجيما بياناً جافاً أو يلق خطاباً رسمياً بل أختار أن يترك وداعه في قلب لعبته الأخيرة Metal Gear Solid 5 وهذا لا يكتفي أن يضعه في موقع المتحكم بل يجعله شاهداً على قصة أكبر من اللعبة ذاتها.
إشارات خفية وسط الظلام
حين يسلط اللاعب الضوء على شعارات الأجزاء التي صنعها كوجيما من سلسلة Metal Gear فإنها تختفي فجأة وكأنها تتلاشى في العدم، أما إذا وجه الضوء نحو شعارات الأجزاء التي لم يشارك في صناعتها فإنها تبقى ثابتة لا تتأثر بشيء مع رسالة تقول “لا يوجد شيء مميز هناك”.
هذه التفصيلة الصغيرة لا تبدو مجرد صدفة بل تحمل رسالة مبطنة أثر التوتر الذي عاشه كوجيما آنذاك مع شركته الأم حيث بدا وكأنه يعلن بطريقته الخاصة أن إرثه مهدد بالمحو وأن كونامي بدأت بالفعل تمحو حضوره من تأريخ السلسلة التي صنعها بيديه، لقد أراد كوجيما أن يقول بلا كلمات إن أسمه يُزال وتأريخه يوشك أن يختفي من السلسلة التي منحها عمره.
الفن في مواجهة البيروقراطية
وربما أجمل ما تحمله هذه الرسالة هو كونها تجسيداً للصراع الأبدي بين المبدع والمؤسسة، فعندما تختفي جميع شعارات كوجيما فإن الرسالة تتضح ليس كل ما يُمحى من الورق يُمحى من الذاكرة، حيث تظهر رسالة تقول:
“لقد فعلتها، لقد محوت كل الشعارات لكن كل واحد منهم سيظل دائماً رفيقك، يبدو أنك من عشاق ألعاب هيديو كوجيما، شكراً من القلب على كل دعمك قد تتمكن من محو الشعارات لكن الذكريات ستظل خالدة فيك إلى الأبد.”
معرفة مسبقة أم إحساس داخلي؟
هل كان كوجيما يعلم أن كونامي تريد أن تتخلص منه؟ الإجابة تتجلى في تلك اللحظة الصامتة، لم يكن بحاجة إلى أن يقف أمام الكاميرات ليشكو أو يعلن ظلمه بل فعل ما يجيده دائماً وهو التحدث بلغة الرموز تاركاً رسالته هناك، في لعبة ستبقى على أقراص اللاعبين وفي ذاكرتهم لتصبح وداعاً خالداً لا يُمحى، اختفاء الشعارات هو وداعه الصامت حيث لا يُخاطب العقول فقط بل يلامس القلوب، إنّه يهمس إلى جمهوره “قد يطمسون أسمي لكنكم أنتم الشهود على ما قدمت.”
انتهى..
عشر سنوات مرت منذ أن ودّع كوجيما كونامي عبر Metal Gear Solid V: The Phantom Pain، وما زالت اللعبة شاهدة على عبقريته وإبداعه وعلى الجرح العميق الذي أحدثه انفصاله عن السلسلة. اليوم، ومع عودة كونامي إلى الواجهة عبر Metal Gear Solid Δ: Snake Eater، يقف كوجيما على الضفة الأخرى رافضًا النظر إلى الماضي، ومصممًا على رسم مستقبله الخاص بمشاريع جديدة كليًا. هل سيكون هذا القطيعة النهائية بين المبدع وبصمته اللامعة؟ أم أن التاريخ سيجد طريقه للالتقاء مرة أخرى؟
اقرأ المقال الكامل لتتعرف على القصة الكاملة خلف هذه اللحظة المفصلية في تاريخ الألعاب.