لم تعد فكرة التواصل مع الراحلين مجرد مشهد من مسلسلات الخيال العلمي؛ فالتطور المتسارع في الذكاء الاصطناعي يفتح الباب أمام جيل جديد من التطبيقات يُعرف باسم “تقنية الحداد Grief Tech”، يَعِد مستخدميه بفرصة إعادة محادثة أحبائهم بعد وفاتهم عبر نسخ رقمية تتحدث وتفكر مثلهم.
وتعتمد هذه التطبيقات على وسائل متعددة مثل المكالمات الصوتية والمرئية أو الرسائل النصية وروبوتات المحادثات الافتراضية.
وفي الولايات المتحدة، تطوّر شركة StoryFile روبوتات محادثة تستند إلى تسجيلات فيديو سابقة لأشخاص يجيبون عن أسئلة أقاربهم، مما يسمح بمحادثات “حية” حتى بعد الوفاة. وأما تطبيق HereAfter AI فيستخدم مقابلات طويلة مع الأشخاص قبل رحيلهم لتوليد ردود صوتية شبيهة بهم.
وتذهب شركات أخرى أبعد من ذلك، مثل You, Only Virtual، التي تستعين بسجلات رقمية كالرسائل النصية والبريد الإلكتروني والمكالمات الصوتية لبناء نسخة رقمية تُحاكي طريقة تفكير الشخص المتوفى وصوته.
وتثير هذه التقنية، مع ما قد تقدمه من مواساة، جدلًا أخلاقيًا واسعًا. فهناك تساؤلات عن ملكية البيانات وإمكانية سرقتها، وإذا كان ينبغي للأحياء أن يقرروا رفض “استنساخهم الرقمي” بعد وفاتهم، إضافة إلى مخاطر إنشاء نسخ افتراضية لأشخاص أحياء دون موافقتهم.
ومن الناحية الاقتصادية، يرى خبراء أن حجم الإنفاق على الصحة النفسية قد يشكّل مؤشرًا لحجم السوق المحتمل، إذ ينفق الأمريكيون وحدهم نحو 300 مليار دولار سنويًا على خدمات الصحة النفسية، بحسب شركة Bourne Partners للاستشارات المالية في الرعاية الصحية.
ويطرح ذلك تساؤلات حول نموذج الدفع: هل ستكون الخدمة باشتراكات شهرية كما في ChatGPT؟ أم بنظام الساعة كما يفعل المعالجون النفسيون؟
يُذكر أن الملياردير إيلون ماسك قدّر سعر الروبوت البشري Optimus من تسلا بنحو 70 ألف دولار، في مقارنة يرى بعض المراقبين أنها قد تعكس تكلفة “رفيق رقمي” مماثل.
ومع تزايد تقبّل المستخدمين للتفاعل مع روبوتات المحادثة مثل ChatGPT و Gemini، يبدو أن السوق العالمية لـ “تقنية الحزن” مرشحة للنمو، ليتحوّل التواصل مع الراحلين من مجرد فكرة في مسلسلات الخيال العلمي إلى واقع تجاري آخذ في التبلور.