في زمن أصبحت فيه الألعاب الإلكترونية فناً متكاملاً يتجاوز الترفيه، برزت أسماء قليلة استطاعت أن تترك بصمتها الفريدة، وكان جوزيف فارس أحد أولئك القلائل الذين كسروا الحواجز بين الفن التفاعلي والمشاعر الإنسانية، لكن كيف بدأ هذا المخرج الغريب الأطوار والمحب للدراما رحلته من لبنان إلى هوليوود الألعاب؟ وما الذي يجعل ألعابه مختلفة إلى هذا الحد؟ هذا ما ستتم الإجابة عنه في سلسلتنا، حضر فنجانك وأهلاً بك في سلسلة “حكاية مطور“.
الأجزاء السابقة من حكاية مطور:
جوزيف فارس: من شغف السينما إلى ثورة الألعاب
- البدايات في بيروت.
- الرحيل إلى السويد.
- من السينما الى الألعاب.
- تأسيس Hazelight.
- EA و الصفقة الذهبية.
- من A Way Out إلى It Takes Twoوالإبداع يستمر.
- الشخصية المثيرة للجدل.
- التحديات والرسالة.
1 | البدايات في بيروت
في 19 سبتمبر من عام 1977 وُلد جوزيف فارس في بيروت – لبنان خلال واحدة من أكثر فترات البلاد اضطراباً خلال سنوات الحرب الأهلية، طفولته لم تكن عادية، أصوات الانفجارات والرصاص كانت خلفية يومية لحياته، يروي فارس أن والده كان يحاول دائماً تهوين الأمر عليهم بينما كانت والدته تبحث عن طرق لزرع الأمان في قلب أبنائها.
كان جوزيف طفلاً مبدعاً بطبعه يعشق الحكايات والخيال ويروي قصصاً لإخوته وكأنه مخرج صغير لكن وسط الحرب لم يكن هناك مجال واسع للأحلام حتى جاء القرار المصيري للانتقال والهروب من الوطن، في إحدى المقابلات وصف فارس هذا الانتقال بأنه لحظة حاسمة شكلت شخصيته وقال:
“كنا نلعب ونصنع القصص ونحن نركض بين الأشجار… حتى في الفوضى كنا نحلم.”
لم يكن يعلم أن تلك الأحلام ستأخذه لاحقاً إلى عالم آخر… إلى السينما.
2 | الرحيل إلى السويد
عام 1987، قررت عائلة فارس ترك لبنان نهائياً والذهاب إلى السويد، هناك واجه جوزيف تحديات جديدة، فهو لم يكن يتقن السويدية مما جعله منغلقاً في البداية، كما أنه واجه نوعاً من التهميش كطفل مهاجر حيث عاش صراعاً بين جذوره العربية وحياته الأوروبية الجديدة، لكن كل هذه التحديات صقلت شخصيته، فقد بدأ يرسم ويكتب ويشاهد الأفلام بشغف، كان يرى السينما منفذاً لفهم العالم والتعبير عن ذاته.
في شبابه التحق فارس بمعهد Dramatiska Institutet في ستوكهولم لدراسة الإخراج السينمائي وسرعان ما أثبت موهبته فقدم أفلاماً قصيرة لفتت الأنظار، بينما أبرز أفلامه الطويلة كانت:
- Jalla! Jalla! (2000): فيلم كوميديا ناقش قضايا المهاجرين في أوروبا.
- Kopps (2003): فيلم كوميدي ساخر عن رجال الشرطة.
- ZOZO (2005): فيلم شبه سيرة ذاتية يحكي قصة طفل لبناني يهاجر إلى السويد بسبب الحرب.
- LEO (2007): فيلم يتكلم عن شخص يدعى ليو يحتفل بعيد ميلاده الثلاثين بتقديم نخب للمستقبل لكن عندما تنتهي الحفلة ويعود ليو إلى المنزل يحدث شيء سيغير حياته إلى الأبد.
- Balls (2010): فيلم عن قصة مؤثرة عن أب محبوب يحاول التكيف مع الصراعات الثقافية، الفقدان والبحث عن الحب في المجتمع السويدي العادي.
أعماله كانت معروفة بأسلوبها الحي وروحها الإنسانية وهو ما جعله محط أنظار النقاد لكن على الرغم من هذا النجاح كان شيء ما مفقوداً في السينما بالنسبة له كانت مقيدة بالزوايا والتكرار بينما الألعاب كانت حرية.
3 | من السينما إلى الألعاب
في أوائل 2010 بدأ فارس يزور أصدقاء يعملون في استوديوهات ألعاب سويدية مثل Starbreeze Studios وهناك اكتشف كيف يمكن للألعاب أن تمزج بين القصة والتفاعل بشكل لم تستطع السينما أن تمنحه، وفي عام 2013 أطلق أول لعبة له Brothers: A Tale of Two Sons اللعبة كانت بسيطة في تقنياتها لكنها مبتكرة في فكرتها، حيث يتحكم اللاعب في شقيقين في الوقت ذاته ويعيش معهما مغامرة عن الحب، الخسارة، والتضحية، اللعبة حصلت على إشادة نقدية كبيرة وجعلت فارس يفكر “هذا هو المكان الذي أنتمي إليه.”
4 | تأسيس Hazelight
في عام 2014 أسس فارس أستوديو Hazelight Studios في ستوكهولم – السويد بمساعدة الفريق الأساسي الذي عمل معه سابقاً، هدفه كان واضحاً وهو إنشاء ألعاب تركز على القصص العاطفية والتجارب التعاونية.
5 | EA و الصفقة الذهبية
بعد النجاح الذي حققته Brothers: A Tale of Two Sons جذب فارس انتباه Patrick Söderlund نائب الرئيس التنفيذي في EA خلال عرض استعراض داخلي، آنذاك حيث أعجب Söderlund برؤية فارس وجرأته، وقرر دعم مشروعه الجديد حيث تم الإعلان عن الشراكة في معرض Game Awards من عام 2014، حيث قدمت EA دعماً مالياً قدره 3.7 مليون دولار لتطوير أول لعبة مع منح الاستوديو تحكماً إبداعياً كاملاً ، وكانت هذه سابقة نادرة في صناعة الألعاب حيث اشتهرت EA بالتدخل في تفاصيل المشاريع، فارس نفسه قال لاحقاً:
“الناس يحبون كره EA ولا أعرف لماذا، لديهم احترام كبير لما نقوم به ولا يتدخلون في عملنا“
6 | من A Way Out إلى It Takes Two والإبداع يستمر
بعد الصفقة الرابحة مع EA كانت أولى ثمارها الغنية عن التعريف A Way Out فهي لا تُلعب إلا بشكل تعاوني وتحكي قصة سجينَين يهربان معاً، كانت مختلفة كلياً وباعت ملايين النسخ وأثبتت أن فارس ليس صدفة عابرة.
قدم فارس أجمل جواهره It Takes Two وهي تحفة فنية عن زوجين يواجهان انهيار زواجهما بطريقة سحرية، اللعبة امتلأت بأفكار ميكانيكية متنوعة بأكثر من 40 ميكانيكية لعب فلم تسمح بالملل لحظة واحدة بالإضافة الى أنها فازت بجائزة لعبة العام لتضع فارس في قمة الصناعة.
في مارس 2025 أصدر الأستوديو لعبته الثالث Split Fiction التي حققت نجاحاً كبيراً حيث باعت أكثر من 4 ملايين نسخة في غضون شهرين، اللعبة تميزت بتجربة تعاونية مبتكرة كعادة ألعابه.
7 | الشخصية المثيرة للجدل
جوزيف فارس معروف بتصريحاته الصريحة أبرزها في معرض The Game Awards من عام 2018 عندما صرخ:
“F*** the Oscars!”
ليؤكد أن الألعاب ليست أقل شأناً من السينما بل قد تتفوق عليها، هذه اللحظة حولته إلى شخصية عالمية نصفها مجنون ونصفها عبقري.
8 | التحديات والرسالة
كطفل مهاجر عانى فارس من الاغتراب وكفنان رفض أن يُحاصر أما كمطور فقد غامر بأسلوب جديد تماماً للألعاب التعاونية، واليوم جوزيف فارس ليس مجرد مطور ألعاب بل راوي يحمل بداخله رؤية فنية تُصر على أن الفن يجب أن يكون صادقاً.
من شوارع بيروت المليئة بالرصاص إلى مسارح الجوائز العالمية قصة فارس تُلهمنا أن القيود تصنع الإبداع والتحديات تولد الأساطير، جوزيف فارس ليس مجرد مخرج ألعاب إنه راويٍ عنيد يؤمن أن اللعبة ليست مجرد تحدٍ بصري بل تجربة عاطفية، بأسلوبه المجنون وحديثه الصريح ورؤيته الجريئة أعاد تعريف ما تعنيه الألعاب التعاونية وما يمكن أن تكون عليه الألعاب كفنّ إنساني عميق.