في سباق عالمي نحو مستقبل أكثر استدامة، تتبوأ دبي مكانة رائدة في مجال النقل المبتكر. فمع انطلاق فعاليات معرض دبي للطيران 2025، شهدت الإمارة حدثًا تاريخيًا يؤكد طموحاتها في إحداث ثورة في التنقل الحضري: أول رحلة مأهولة لـ التاكسي الجوي الكهربائي للإقلاع والهبوط العمودي (eVTOL). هذا الإنجاز ليس مجرد خطوة تكنولوجية، بل هو تجسيد لرؤية دبي كمدينة عالمية ذكية ومستدامة، وخطوة حاسمة نحو تشغيل الخدمة التجارية المتوقع في عام 2026.
دبي تقود ثورة النقل الجوي: رحلة تاريخية نحو المستقبل
لم تكتفِ دبي بوضع خطط طموحة لمواجهة تحديات الازدحام المروري، بل بدأت في ترجمة هذه الخطط إلى واقع ملموس. بالتعاون مع شركة (جوبي أفييشن) Joby Aviation، نفذت هيئة الطرق والمواصلات (RTA) بنجاح أول رحلة تجريبية لـ التاكسي الجوي، انطلاقًا من موقع اختبارات (جوبي) في مرغم وصولًا إلى مطار آل مكتوم الدولي. استغرقت الرحلة 17 دقيقة فقط، مما يبرز الإمكانات الهائلة لهذه التقنية في تقليل وقت التنقل بشكل كبير.
هذه الخطوة تؤكد جاهزية المركبة وقدرتها على العمل بسلامة وكفاءة ضمن المجال الجوي لدبي، مع الالتزام الكامل بجميع المعايير التنظيمية والبيئية. إنها رسالة واضحة للعالم بأن دبي ليست مجرد متتبعة للابتكار، بل هي صانعة له.
البنية التحتية الداعمة لـ التاكسي الجوي: استثمار في المستقبل
لا يقتصر الأمر على تطوير المركبة نفسها، بل يمتد ليشمل بناء بنية تحتية متكاملة تدعم تشغيل التاكسي الجوي على نطاق واسع. وقد أعلنت هيئة الطرق والمواصلات عن إنجاز 60% من أعمال إنشاء أول محطة للإقلاع والهبوط العمودي في الإمارة، بالقرب من مطار دبي الدولي (DXB).
محطة الإقلاع والهبوط العمودي: نموذج عالمي
تُعد هذه المحطة، التي تنفذها شركة (سكاي بورتس إنفراستركتشر) البريطانية، الأولى من نوعها عالميًا، حيث تتميز بطاقة استيعابية هائلة تصل إلى 42 ألف عملية هبوط سنويًا، وخدمة ما يقرب من 170 ألف راكب. تمتد المحطة على مساحة 3100 متر مربع، وتضم طابقين لمواقف المركبات ومدرجين للإقلاع والهبوط، مما يضمن سلاسة العمليات وكفاءة التشغيل.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل هيئة الطرق والمواصلات على إنشاء ثلاثة مهابط عمودية إضافية، بالتعاون مع كبرى شركات التطوير العقاري في دبي، مثل إعمار العقارية، وأتلانتس ذا رويال، ومجموعة وصل لإدارة الأصول. هذا التعاون يضمن تأسيس شبكة هبوط متعددة النقاط، وهو عنصر أساسي لأي منظومة نقل جوي حضري ناجحة.
جوبي S4: هندسة متطورة لخدمة التاكسي الجوي
يعتمد مشروع التاكسي الجوي في دبي على طائرة (جوبي S4) الكهربائية، التي تمثل قفزة نوعية في تكنولوجيا الطيران. تتميز هذه الطائرة بقدرتها على الإقلاع والهبوط العمودي (VTOL)، مما يلغي الحاجة إلى مدارج تقليدية، ويجعلها مثالية للتنقل داخل المدن المزدحمة.
تعتمد (جوبي S4) على الطاقة الكهربائية النظيفة، مما يضمن انعدام الانبعاثات الضارة بالبيئة. بفضل تصميمها المبتكر، الذي يضم 6 مراوح وأربع حزم بطاريات عالية الكفاءة، يمكن للطائرة التحليق لمسافة تصل إلى 160 كيلومترًا، بسرعة تصل إلى 320 كيلومترًا في الساعة. تتسع الطائرة لأربعة ركاب بالإضافة إلى الطيار، وتتميز بالهدوء والسلامة، حيث لا يتجاوز مستوى الضوضاء الصادر عنها 45 ديسيبل، وهو أقل من صوت المطر. هذا يضمن تجربة سفر مريحة وسلسة للركاب.
الأهمية والتأثير المتوقع لـ التاكسي الجوي في دبي
يمثل إطلاق التاكسي الجوي في دبي نقلة نوعية في مسيرة الإمارة نحو التحول إلى مركز عالمي للتنقل الذكي. إنه تجسيد لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لجعل دبي مدينة أكثر استعدادًا للمستقبل، وتلبيةً لتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، بتسريع تبني الابتكارات التي تخدم جودة الحياة والاستدامة.
- منظومة نقل متكاملة: ستساهم خدمة التاكسي الجوي في تعزيز التكامل مع وسائل النقل الجماعي المختلفة، مثل المترو، ووسائل التنقل الفردية، مثل السكوتر الكهربائي والدراجات الهوائية.
- الاستدامة البيئية: الاعتماد الكلي على الطاقة الكهربائية يضمن تقديم وسيلة نقل صديقة للبيئة، تدعم استراتيجية دبي في مجال الاستدامة ومكافحة التغيرات المناخية.
- الأثر الاقتصادي: نجاح الاختبارات يعزز ثقة الشركاء العالميين في البيئة التنظيمية والتقنية في دبي، مما يحفز الاستثمارات في قطاعات الطيران الكهربائي والبطاريات، ويوفر فرص عمل جديدة.
الخطوات النهائية نحو التشغيل التجاري
تؤكد هيئة الطرق والمواصلات أنها تعمل بجد لتحقيق التشغيل التجاري لخدمة التاكسي الجوي في عام 2026. ستشهد المرحلة المقبلة توسيع نطاق عمليات الاختبار، بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية، لضمان أعلى معايير السلامة والجودة، وتحويل التنقل الجوي الحضري إلى واقع يومي لسكان وزوار الإمارة. دبي، بفضل رؤيتها الطموحة واستثماراتها الذكية، تستعد لقيادة مستقبل النقل في العالم.
