أعلن خبير الذكاء الاصطناعي يان ليكون، الباحث الرئيسي في ميتا (فيسبوك سابقًا)، عن مغادرته الشركة لإطلاق مشروع جديد مستقل يركز على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً. ويهدف هذا المشروع إلى تجاوز القيود الحالية للذكاء الاصطناعي التوليدي، والتوجه نحو أنظمة تفهم العالم المادي بشكل أفضل، وتعتمد على التفكير والتخطيط المعقد. ويعد ليكون شخصية بارزة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تقاسم جائزة تورينج المرموقة في عام 2019.
جاء هذا الإعلان بعد تقارير عن “توترات” داخل ميتا بشأن مستقبل أبحاث الذكاء الاصطناعي. ويؤكد هذا الاتجاه التغيرات الأخيرة في الشركة الأم، بما في ذلك تعيين قادة جدد في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل شينغجيا تشاو، المؤلف المشارك في ChatGPT. ووفقاً لمصادر في Bloomberg، يسعى ليكون إلى تطوير “جيل جديد” من أنظمة الذكاء الاصطناعي.
التركيز على “النماذج العالمية” وتجاوز حدود نماذج اللغات الكبيرة
لطالما أعرب ليكون عن قناعته بأن الأبحاث الحالية في مجال نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) – وهي التقنية التي تعتمد عليها تطبيقات مثل ChatGPT – وصلت إلى طريق مسدود. ويرى أن هذه النماذج، على الرغم من قدرتها على توليد النصوص بشكل مقنع، تفتقر إلى الفهم الحقيقي للعالم. بدلاً من ذلك، يركز ليكون على تطوير ما أسماه “النماذج العالمية” (Universal Models)، وهي أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على معالجة وفهم مجموعة واسعة من المدخلات الحسية المختلفة.
تشمل هذه المدخلات الصور ومقاطع الفيديو وبيانات الاستشعار الأخرى، مما يسمح للنموذج ببناء تمثيل أكثر اكتمالاً للعالم المادي. ووفقاً لرؤية ليكون، فإن هذه النماذج يجب أن تكون قادرة على التفكير المنطقي والتخطيط لحل المشكلات المعقدة، وهي قدرات تتجاوز بكثير إمكانيات نماذج اللغات الكبيرة الحالية.
ميتا وشراكة محتملة
على الرغم من مغادرته ميتا، تشير التقارير إلى أن الشركة قد تدخل في شراكة مع شركة ليكون الجديدة. وذكرت Bloomberg أن ميتا ستكون “شريكًا” في مشروع ليكون الجديد، مع الحق في الوصول إلى التقنيات والابتكارات التي يتم تطويرها. وتتماشى هذه الشراكة المحتملة مع الاتجاه المتزايد بين شركات التكنولوجيا الكبرى للاستثمار في أبحاث الذكاء الاصطناعي بشكل استراتيجي.
يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه صناعة التكنولوجيا سباقًا محمومًا نحو تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. فقد استثمرت شركات مثل مايكروسوفت وجوجل مبالغ طائلة في شركات ناشئة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، مثل OpenAI وAnthropic، على التوالي. وتشير هذه الاستثمارات إلى الإدراك المتزايد لأهمية الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل التكنولوجيا.
وفي هذا السياق، يعتقد ليكون أن تقنيته الجديدة سيكون لها تطبيقات واسعة النطاق في مختلف القطاعات الاقتصادية، بعضها يتداخل مع اهتمامات ميتا التجارية والبعض الآخر لا يتداخل. ويفضل ليكون استخدام مصطلح “الذكاء الآلي المتقدم” (Advanced Machine Intelligence – AMI) بدلاً من مصطلحات مثل “الذكاء الاصطناعي العام” (Artificial General Intelligence – AGI)، معتبراً أن AMI يصف بشكل أفضل الهدف من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر ذكاءً وقدرة.
أحد الأمثلة على أبحاث النموذج العالمي التي أجراها ليكون في ميتا هو مشروع V-JEPA-2، وهو نموذج تم تدريبه على مقاطع فيديو للعالم المادي. على عكس النماذج الأخرى التي تقوم ببساطة بتكرار مقاطع الفيديو، يهدف V-JEPA-2 إلى فهم العلاقة بين السبب والنتيجة في الأحداث التي تحدث في العالم. وهذا يمثل خطوة مهمة نحو بناء أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التفكير والتخطيط بشكل مستقل.
من الجدير بالذكر أن ليكون كان في السابق متشككًا بشأن الحاجة إلى التركيز على “أمان الذكاء الاصطناعي”، معتبراً أن المخاوف بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها. ومع ذلك، فإن تركيزه الآن على تطوير نماذج أكثر قوة وقدرة قد يؤدي إلى نقاش متجدد حول أهمية ضمان تطوير هذه التقنيات بطريقة مسؤولة وآمنة.
يبقى مستقبل شراكة ليكون وميتا غير واضح تمامًا. ومن المتوقع أن يتم الكشف عن المزيد من التفاصيل في الأسابيع والأشهر القادمة. وينبغي مراقبة كيفية تطور هذا المشروع وتأثيره المحتمل على صناعة التعلم الآلي والرؤية الحاسوبية. كما يجب الانتباه إلى رد فعل الشركات الأخرى في هذا المجال، وكيف ستتكيف مع التغيرات التي قد تحدث نتيجة لابتكارات ليكون.
