يشهد العالم تحولًا تقنيًا سريعًا تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولكن هذه التقنيات غالبًا ما تكون مُصممة مع التركيز على اللغات والثقافات الغربية. وفي خطوة استراتيجية لتغيير هذا الواقع، أعلنت شركة هيوماين، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن شراكة عالمية مع أدوبي وكوالكوم لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي توليدي متخصصة باللغة العربية والثقافة الإقليمية، مما يفتح آفاقًا جديدة للإبداع الرقمي في المنطقة.
جاء هذا الإعلان بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، ولقائه مع قادة القطاع التقني، مؤكدًا على التزام المملكة بتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. وتُعد هذه الشراكة أكثر من مجرد اتفاق تجاري؛ فهي تعكس رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة لبناء منظومة ذكاء اصطناعي عربية قادرة على المنافسة عالميًا.
الذكاء الاصطناعي التوليدي يتحدث العربية: شراكة استراتيجية للإبداع الرقمي
تتمحور الشراكة حول دمج نموذج “علام” اللغوي الضخم، والذي تم تدريبه بعمق على اللغة العربية، مع تطبيقات أدوبي الإبداعية الرائدة في مجالات التسويق، وصناعة السينما، والإنتاج التلفزيوني. ويهدف هذا الدمج إلى تمكين هذه التطبيقات من فهم اللغة العربية بشكل أعمق وأكثر دقة من النماذج العالمية الحالية، مما يعزز جودة المحتوى العربي المُنتج باستخدام هذه الأدوات.
ستستفيد هيوماين أيضًا من منصة Adobe Firefly Foundry لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي توليدي مصممة خصيصًا للعالم العربي، مع مراعاة خصوصياته اللغوية والثقافية. هذا سيمكن المبدعين وصناع المحتوى من إنتاج أعمال إبداعية تعكس الهوية العربية وتلبي احتياجات السوق الإقليمي. صرح طارق أمين، الرئيس التنفيذي لشركة هيوماين، بأنهم “يبنون ذكاءً إبداعيًا جديدًا يفهم لغتنا وقيمنا وتراثنا ومستقبلنا بالتعاون مع أدوبي”.
دور كوالكوم في دعم البنية التحتية
تلعب كوالكوم دورًا حيويًا في هذه الشراكة من خلال توفير البنية التحتية الحاسوبية اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي التي تطورها هيوماين. ستعمل هذه النماذج في مراكز البيانات السعودية باستخدام شرائح كوالكوم AI200 و AI250 المتقدمة، مما يضمن كفاءة وسرعة في معالجة المحتوى المرئي.
بالإضافة إلى ذلك، تخطط كوالكوم لافتتاح مركز للأبحاث والتطوير بالشراكة مع هيوماين في الرياض الشهر المقبل. ويهدف هذا المركز إلى دعم خطط الشركتين لنشر قدرة حوسبة تصل إلى 200 ميجاوات العام المقبل، مما يؤكد على حجم الاستثمار والالتزام طويل الأمد تجاه تطوير الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
آثار الشراكة على مستقبل المحتوى العربي والتكنولوجيا
هذه الشراكة تحمل في طياتها آثارًا عميقة تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد تطوير تطبيقات جديدة. فهي تمثل تحولًا استراتيجيًا نحو استقلالية تقنية أكبر للمنطقة، حيث لم يعد الشرق الأوسط مجرد مستهلك لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بل أصبح شريكًا فعالًا في بنائها وتطويرها. تُعد هذه خطوة مهمة نحو تعزيز الابتكار الإقليمي وتنمية صناعة المحتوى العربي الرقمي.
تتجاوز الأهمية التقنية لهذه الشراكة إلى البعد الثقافي، حيث تضمن إدماج اللغة العربية والقيم المحلية في قلب الثورة التكنولوجية. وتساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية العربية في العصر الرقمي، وتعزيز التنوع اللغوي والثقافي في مجال التعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة مزيدًا من التفاصيل حول خطط الشركاء الثلاثة، بما في ذلك الإطار الزمني لتطوير النماذج الجديدة وجدول إطلاقها. وستكون متابعة التقدم المحرز في بناء مركز الأبحاث والتطوير في الرياض من الأمور الهامة التي يجب مراقبتها. يبقى التحدي الأكبر هو ضمان الوصول العادل إلى هذه التقنيات الجديدة وتوفير التدريب اللازم للمبدعين وصناع المحتوى في المنطقة للاستفادة الكاملة من إمكاناتها.
