في السنوات الأخيرة، أصبحت الحاجة إلى التحول الرقمي في سوريا أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ليس فقط لمواكبة التطورات العالمية، بل أيضًا لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه البلاد. وفي إطار هذه الجهود، أطلقت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مشروعًا طموحًا يحمل اسم “مجتمع ذكاء”. يهدف هذا المشروع إلى تمكين المنظمات غير الربحية العاملة في المجال التقني، وتعزيز دورها المحوري في دعم هذا التحول الرقمي، وفتح آفاق جديدة للشباب السوري في عالم التكنولوجيا.
إطلاق “مجتمع ذكاء”: شراكة وطنية نحو مستقبل رقمي
يمثل مشروع “مجتمع ذكاء” مبادرة رائدة تهدف إلى تنظيم وتوجيه الطاقات الشابة والجمعيات والمبادرات التقنية المنتشرة في مختلف المحافظات السورية. بدلاً من العمل بشكل متفرق، يسعى المشروع إلى توحيد الجهود تحت مظلة وطنية واحدة، لضمان وصول برامج التمكين الرقمي إلى أوسع شريحة ممكنة من المواطنين، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الأكثر تهميشًا والتي تعاني من صعوبة الوصول إلى فرص التدريب والعمل في القطاع الرقمي.
خلال حفل الإطلاق، أكد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، عبد السلام هيكل، أن المشروع يمثل منصة شراكة مفتوحة تشمل الدولة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية. وأضاف أن الهدف هو تحقيق التكامل بين جميع الأطراف المعنية، لتعزيز وتوسيع نطاق الخدمات الرقمية المتاحة للمواطنين. من جانبها، أشارت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، الدكتورة هند قبوات، إلى أن المشروع يفتح “بابًا جديدًا لشبابنا وشاباتنا لمنحهم مهارات وفرص عمل حقيقية”، مع التأكيد على أن المبادرة ستمنح أصحاب الهمم فرصة للحصول على حياة كريمة.
مسارات مشروع “مجتمع ذكاء” الرئيسية
يعتمد مشروع “مجتمع ذكاء” على ثلاثة مسارات رئيسية، مصممة لتغطية مختلف جوانب التمكين الرقمي ودعم المنظمات التقنية:
حاضنة للجمعيات الشبابية التقنية
يُعد هذا المسار بمثابة نقطة انطلاق للمشاريع التقنية الناشئة. تهدف الحاضنة إلى تسهيل إجراءات ترخيص الجمعيات والمبادرات الشبابية التقنية، وربطها بالبرامج الوطنية المخصصة للتمكين الرقمي. ستوفر الحاضنة الدعم اللازم لهذه المشاريع لتطوير أفكارها وتحويلها إلى واقع ملموس يخدم المجتمع ويسهم في رفع مستوى المهارات الرقمية.
تمكين الجمعيات والمنظمات التقنية القائمة
لا يقتصر المشروع على دعم المبادرات الجديدة، بل يمتد ليشمل المنظمات التقنية القائمة. سيتضمن هذا المسار توفير برامج تدريبية وفعاليات متخصصة تهدف إلى تعزيز قدرات هذه المنظمات في مجال التكنولوجيا الرقمية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إشراكها في مشاريع التحول الرقمي التي تنفذها الدولة، مما يتيح لها المساهمة في تطوير الخدمات الرقمية وتحسين جودتها.
استقطاب المنظمات والشركات التقنية
يهدف هذا المسار إلى بناء شبكة واسعة من الشركاء في مجال التكنولوجيا، سواء داخل سوريا أو خارجها. سيتم استقطاب المنظمات غير الربحية التقنية، والشركات التكنولوجية، والجامعات، ومراكز الأبحاث، لتبادل الخبرات والمعرفة، والتعاون في تصميم برامج مشتركة تهدف إلى بناء الكفاءات الرقمية وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال. هذا التبادل المعرفي سيساهم بشكل كبير في تسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي في سوريا.
دور المشروع في تمكين الشباب رقميًا
يُعتبر مشروع “مجتمع ذكاء” خطوة حاسمة نحو تمكين الشباب السوري رقميًا. من خلال توفير فرص التدريب واكتساب المهارات اللازمة، يهدف المشروع إلى تحسين فرص الشباب في الحصول على وظائف في القطاعات التقنية، التي تشهد نموًا متزايدًا على مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، يسعى المشروع إلى خلق بيئة مواتية لتشجيع الابتكار وريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا، مما يساهم في بناء جيل جديد من المبرمجين والمهندسين والمختصين في مجال تكنولوجيا المعلومات.
تعزيز التحول الرقمي في سوريا: رؤية مستقبلية
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه سوريا، يمثل التحول الرقمي فرصة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة المواطنين. يهدف مشروع “مجتمع ذكاء” إلى أن يكون ركيزة أساسية في تسريع هذا التحول، من خلال تحسين خدمات الحكومة الرقمية، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية التكنولوجيا، وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية.
من المتوقع أن تعلن الوزارتان المعنيتان عن الآليات التفصيلية للانضمام إلى المسارات الثلاثة ومعايير الاستفادة من المشروع في القريب العاجل، عبر قنواتهما الرسمية. هذه المبادرة الطموحة تحمل في طياتها الكثير من الآمال والطموحات، وتعد بمستقبل أكثر إشراقًا لسوريا في عالم التكنولوجيا الرقمية. نتطلع إلى رؤية تأثيرها الإيجابي على المجتمع والاقتصاد الوطني.
