لم يعد التحول الرقمي في القطاع المصرفي الإماراتي مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الكفاءة والابتكار في الخدمات المالية. وقد أظهر أسبوع أبوظبي المالي 2025، وتحديدًا من خلال فعالية فنتك أبوظبي، مدى التطور الذي وصلت إليه البنوك الإماراتية في تبني تقنيات جديدة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، لمواكبة التغيرات المتسارعة في هذا المجال الحيوي.
شهدت الفعالية منافسة واضحة بين البنوك التقليدية التي تسعى إلى تحديث بنيتها التحتية، والبنوك الرقمية الناشئة التي تعتمد بشكل كامل على التكنولوجيا لتقديم خدمات مبتكرة. وقد انعكس هذا التوجه على الأداء المالي للقطاع، حيث تشير التقارير إلى نمو ملحوظ في الأصول والربحية، مدفوعًا بالاستثمارات في التقنيات المالية المتقدمة.
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل البنوك التقليدية:
تستثمر البنوك الإماراتية التقليدية بشكل كبير في الذكاء الاصطناعي لتحسين عملياتها في مجالات متعددة، بما في ذلك تقييم المخاطر الائتمانية، واكتشاف الاحتيال، وتقديم خدمة عملاء مخصصة. لم يعد الأمر مقتصرًا على تحسين الواجهات الأمامية، بل يمتد ليشمل إعادة هندسة العمليات الداخلية لزيادة الكفاءة وتقليل التكاليف.
يُعد مصرف أبوظبي الإسلامي (ADIB) مثالًا بارزًا على هذا التحول، حيث أعلن عن نتائج مالية قوية لعام 2025 تعكس تأثير الاستثمار في التقنيات الرقمية. ووفقًا لبيان رسمي من المصرف، ساهمت أدوات الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة القرارات الائتمانية، مما أدى إلى نمو في صافي الأرباح.
وتدرك البنوك التقليدية أن البقاء في المنافسة يتطلب تبني نماذج أعمال مرنة وقادرة على التكيف مع احتياجات العملاء المتغيرة. ويشمل ذلك الاستثمار في تحليل البيانات الضخمة، وتطوير تطبيقات الهاتف المحمول الذكية، وتقديم خدمات مالية مبتكرة عبر الإنترنت.
البنوك الرقمية: تحدي جديد للقطاع المالي:
شهد القطاع المصرفي الإماراتي دخول لاعبين جدد يتمثلون في البنوك الرقمية بالكامل، والتي تعتمد على التكنولوجيا لتقديم خدمات مالية سريعة وسهلة الوصول. تعمل هذه البنوك دون فروع تقليدية، مما يقلل من التكاليف التشغيلية ويسمح لها بتقديم أسعار تنافسية.
بنك (Wio)، الذي أطلق في سبتمبر 2022، يعتبر من أبرز نماذج البنوك الرقمية في الإمارات. وقد نجح البنك في جذب شريحة كبيرة من العملاء، خاصة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، من خلال تقديم حلول تمويلية مبتكرة وتجربة مستخدم سلسة. وتشير بيانات البنك إلى زيادة ملحوظة في عدد المستخدمين وحجم المعاملات خلال عام 2025.
يعكس هذا التحول في تفضيلات العملاء، نحو الخدمات الرقمية، ضرورة على البنوك التقليدية تسريع وتيرة الابتكار وتطوير عروض رقمية أكثر جاذبية. كما أنه يشير إلى أهمية الاستثمار في الأمن السيبراني لحماية بيانات العملاء وضمان سلامة المعاملات المالية.
الخدمات المصرفية المفتوحة (Open Banking):
بالتوازي مع نمو البنوك الرقمية، يشهد القطاع المصرفي الإماراتي تطورًا في مجال الخدمات المصرفية المفتوحة، والتي تسمح للعملاء بمشاركة بياناتهم المالية مع أطراف ثالثة معتمدة. تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز المنافسة والابتكار في القطاع، وتمكين العملاء من الحصول على خدمات مالية أكثر تخصيصًا.
مستقبل القطاع المصرفي في الإمارات:
يُظهر المشهد الحالي أن القطاع المصرفي في الإمارات يتجه نحو نموذج رقمي متكامل، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والخدمات المصرفية المفتوحة. ومن المتوقع أن يستمر هذا التحول في السنوات القادمة، مدفوعًا بالاستثمارات الحكومية والخاصة في التكنولوجيا المالية.
وتسعى الحكومة الإماراتية إلى تحقيق رؤية “الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031″، والتي تهدف إلى جعل الإمارات رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، وتشجيع التعاون بين البنوك وشركات التكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية الرقمية.
في الختام، من المتوقع أن يشهد القطاع المصرفي الإماراتي مزيدًا من الابتكار والتحول الرقمي في المستقبل القريب. وستظل المنافسة بين البنوك التقليدية والرقمية محركًا رئيسيًا لهذا التطور، مع التركيز على تقديم خدمات مالية أكثر كفاءة وتخصيصًا للعملاء. ومن المهم متابعة التطورات التنظيمية والتقنية في هذا المجال، لتقييم تأثيرها على مستقبل القطاع المصرفي في الإمارات.
