تولد صناعة البناء والتشييد كميات هائلة من البيانات يوميًا، ومعظمها يظل غير مستغل أو حبيس جداول البيانات التقليدية. لكن المشهد يتغير بسرعة، حيث يبرز الذكاء الاصطناعي في البناء كقوة تحويلية، قادرة على تسريع اتخاذ القرارات، وتعزيز الربحية، وتحسين نتائج المشاريع بشكل عام. على الرغم من أن معدلات التبني الحالية لا تزال متواضعة، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى إدراك واسع النطاق لإمكانات هذا التغيير الجذري.
تحول رقمي يقوده الذكاء الاصطناعي: نظرة على الأرقام
وفقًا لبحث حديث أجرته شركة Dodge Construction Network وCMiC، فإن 87% من المقاولين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيحدث “تحولاً ملموساً في أعمالهم”. هذه النسبة المرتفعة تعكس ثقة متزايدة في قدرة التكنولوجيا على معالجة التحديات المعقدة التي تواجه القطاع. الأرقام تتحدث عن نجاحات ملموسة: إنشاء المقترحات تلقائيًا وتتبع التقدم من خلال صور المواقع حقق فعالية تصل إلى 92%. وبالمثل، أظهرت مراجعة مخاطر العقود باستخدام الذكاء الاصطناعي تحسنًا بنسبة 85% مقارنة بالطرق التقليدية.
تمكين مديري المشاريع وتعزيز الكفاءة المالية والتشغيلية
لا يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي في قطاع البناء على تحسين العمليات الفنية فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب إدارية ومالية حيوية. الذكاء الاصطناعي يسمح لمديري المشاريع بالتركيز على القرارات الاستراتيجية بدلاً من الانغماس في المهام الإدارية الروتينية والمستهلكة للوقت.
تحسين الرؤى المالية
فرق الشؤون المالية تستفيد أيضًا من هذه التكنولوجيا، حيث تنتقل من مجرد إعداد التقارير التاريخية إلى الحصول على رؤى تنبؤية دقيقة. هذا التحول يمكّنهم من توقع التحديات المالية المحتملة واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة في وقت مبكر.
تعزيز أداء العمليات
قادة العمليات، من جانبهم، يمكنهم تطبيق الذكاء الاصطناعي القائم على البيانات لتحسين تسليم المشاريع، وتقليل التأخيرات، وضمان الالتزام بالميزانية. الأمر لا يتعلق باستبدال الخبرة البشرية، بل بتعزيزها وتزويدها بالأدوات اللازمة لاتخاذ قرارات أفضل وأكثر استنارة. كما يقول جورد رولينز، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة CMiC: “على مدى عقود، افتقرت شركات البناء إلى الأدوات اللازمة لتحويل البيانات التي جمعتها إلى عمل. والحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي تغير ذلك”.
إعادة تشكيل أدوار المقاولين وتحسين النتائج
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة لتحسين الكفاءة، بل هو محفز لإعادة تشكيل أدوار المقاولين. المقاولون يدركون أن الذكاء الاصطناعي يتيح لهم الانتقال من الاستجابة للمشكلات بعد حدوثها إلى توقعها ومنعها. هذا التحول يؤدي إلى فوائد ملموسة، مثل:
- ضوابط أكثر صرامة على التكاليف.
- تحسين الجدولة الزمنية للمشاريع.
- تسليم المشاريع بجودة أعلى.
يتوقع 85% من المقاولين قضاء وقت أقل في المهام المتكررة، بينما يعتقد 75% أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في استخلاص الدروس من المشاريع السابقة من خلال تحليل البيانات التاريخية. الأهم من ذلك، أن 70% يرون أن الذكاء الاصطناعي يساعدهم على اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استنارة، بفضل الرؤى التي قد لا تكون متاحة بطرق أخرى.
التبني التدريجي للذكاء الاصطناعي: التحديات والفرص
على الرغم من الإمكانات الهائلة، لا يزال اعتماد الذكاء الاصطناعي في البناء والتشييد في مراحله الأولى. تشير الأبحاث إلى أن مستويات الوعي تتراوح بين 32% و 34%، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن التبني الفعلي يتماشى مع هذا الوعي. هناك عدة عوامل تعيق التبني الأوسع نطاقًا، بما في ذلك:
- نقص الفهم الواضح لكيفية عمل الذكاء الاصطناعي.
- الحاجة إلى موافقات داخلية.
- صعوبة الوصول إلى البرامج المناسبة.
ومع ذلك، فإن الأخبار ليست قاتمة. أكثر من نصف الشركات التي شملها الاستطلاع تستعد لاعتماد الذكاء الاصطناعي من خلال برامج تجريبية وتدريب الموظفين. 40% من الشركات لديها ميزانية مخصصة للذكاء الاصطناعي، و38% تعمل على تطوير فرق متخصصة في تنفيذه.
المخاوف الرئيسية: الأمان والدقة وجودة البيانات
تتصدر مخاوف الأمان والدقة قائمة العوائق التي تحول دون التبني الكامل للذكاء الاصطناعي. يشعر 57% من المقاولين بالقلق بشأن دقة مخرجات الذكاء الاصطناعي، بينما يعرب 54% عن شكوكهم حول أمان بيانات الشركة. بالإضافة إلى ذلك، تشكل المقاومة الداخلية للتغيير (44%) وتكاليف التنفيذ (41%) تحديات كبيرة.
من المثير للاهتمام أن القلق بشأن فقدان الوظائف كان أقل شيوعًا، حيث أعرب عنه 21% فقط. ومع ذلك، يعتقد 31% أن جودة البيانات الحالية غير كافية لدعم تحليل الذكاء الاصطناعي. من الواضح أن الشركات الكبيرة أكثر قلقًا بشأن جودة البيانات وموثوقيتها مقارنة بالشركات الصغيرة والمتوسطة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في البناء: نقطة تحول
على الرغم من التحديات، فإن البيانات تشير إلى أن المقاولين منفتحون على تبني الذكاء الاصطناعي. لكنهم بحاجة إلى مزيد من الثقة في دقة مخرجاته، وأدوات أفضل، ومعلومات أكثر تفصيلاً، ودعم داخلي أقوى.
يشير ستيف جونز، المدير الأول لتحليلات Industry Insights في Dodge، إلى أن الصناعة وصلت إلى “نقطة تحول لاعتماد الذكاء الاصطناعي”. مع توفر مسارات أكثر وضوحًا للتبني، من المتوقع أن يتسارع التحول نحو سير عمل البناء المدعوم بالذكاء الاصطناعي، مما يعيد تشكيل الطريقة التي يتم بها تسليم المشاريع إلى الأبد. الاستثمار في تحليلات البيانات في البناء و تطوير حلول الذكاء الاصطناعي المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الصناعة سيكون أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق هذا التحول.
