في السنوات الأخيرة، شهد قطاع التمويل الكمي تحولًا جذريًا مدفوعًا بالتقدم الهائل في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، كشفت رؤية جديدة من معهد CQF، شبكة عالمية لمحترفي التمويل الكمي، عن فجوة مقلقة: نقص المهارات اللازمة للتعامل مع هذه التقنيات المتطورة. تشير النتائج إلى أن أقل من عشرة في المئة من العاملين في هذا المجال يعتقدون أن الخريجين الجدد مجهزون بشكل كافٍ بالقدرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحقيق النجاح. هذه القضية المتنامية لا تتعلق فقط بإتقان الخوارزميات، بل بفهم أعمق لكيفية عمل هذه الأدوات وكيفية تطبيقها بفعالية.
الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: حاجة ملحة في التمويل الكمي
أظهر المسح الذي أجراه معهد CQF أن 83% من المتخصصين في التمويل الكمي يستخدمون بالفعل أو يقومون بتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، بينما 31% يركزون على استخدام التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي بشكل خاص. يشمل ذلك أدوات شائعة مثل ChatGPT، وMicrosoft/GitHub Copilot، وGemini/Bard، بالإضافة إلى تقنيات التعلم العميق. هذا الانتشار الواسع للاستخدام يؤكد على القيمة التي يراها العاملون في الصناعة في هذه التقنيات، إلا أنه يسلط الضوء أيضًا على التحدي المتمثل في عدم كفاية التدريب والفهم.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتزايدة في القطاع
تتوسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي بسرعة في مجالات التمويل الكمي الأساسية. يستخدم 26% من المحللين الكميين هذه الأدوات للبحث وتوليد استراتيجيات التداول (ألفا)، بينما يعتمد 19% منها على التداول الخوارزمي، و17% على إدارة المخاطر. أما في المهام اليومية، فيستخدم 30% من المحللين الذكاء الاصطناعي التوليدي في كتابة وتصحيح التعليمات البرمجية، و21% لتحليل بيانات معنويات السوق، و20% لإنشاء التقارير. بالتالي، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من سير العمل.
تحسين الإنتاجية والتحديات المصاحبة للذكاء الاصطناعي
لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي للذكاء الاصطناعي على الإنتاجية. أفاد 44% من المشاركين في الاستطلاع بتحسينات كبيرة، حيث يوفر 25% منهم أكثر من عشر ساعات أسبوعيًا بفضل العمليات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. هذه المكاسب في الكفاءة ضرورية في بيئة تنافسية مثل التمويل الكمي، ولكنها تأتي مصحوبة بتحديات كبيرة.
المخاوف والتحديات الرئيسية
أحد أبرز هذه التحديات هو قابلية تفسير النماذج، أو فهم كيف يصل الذكاء الاصطناعي إلى استنتاجاته. يصنف 41% من المشاركين هذا كعائق رئيسي. بالإضافة إلى ذلك، يعبر 16% عن مخاوف تنظيمية، و17% عن قلق بشأن تكاليف الحوسبة المرتبطة بتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة. هذه المخاوف ليست مجرد تقنية، بل تلامس الجوانب القانونية والأخلاقية والمالية للعمل في هذا المجال. من المهم أيضًا الإشارة إلى أن فهم التعلم الآلي يمثل تحديًا بحد ذاته، حيث يتطلب خلفية رياضية وإحصائية قوية بالإضافة إلى مهارات البرمجة.
سد فجوة المهارات: مسؤولية مشتركة
يؤكد معهد CQF على أن التدريب الرسمي على الذكاء الاصطناعي لا يزال محدودًا للغاية، حيث أن 14% فقط من الشركات تقدم مثل هذه البرامج لتطوير موظفيها. نتيجة لذلك، يعتبر 9٪ فقط من الخريجين الجدد “جاهزين للذكاء الاصطناعي”. هذه النسبة الضئيلة تشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة لسد هذه الفجوة.
يقول الدكتور رانديب جوج، المدير العام لمعهد CQF: “يجب على محترفينا المستقبليين أن ينطلقوا بسرعة وأن يعرفوا متى تضيف أداة الذكاء الاصطناعي قيمة حقيقية”. وهذه ليست دعوة للاكتفاء بمجرد معرفة كيفية استخدام الأدوات، بل لفهم مبادئها الأساسية وكيفية تطبيقها بشكل استراتيجي لتحقيق أفضل النتائج.
استثمارات الشركات وتوجهات المستقبل
لحسن الحظ، هناك زخم متزايد نحو تبني الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع. أفادت 25% من الشركات بأنها وضعت بالفعل استراتيجيات رسمية للذكاء الاصطناعي، بينما تعمل 24% على تطوير خطط مماثلة. بالإضافة إلى ذلك، تتوقع 23% زيادة في الميزانيات المخصصة لدعم البنية التحتية للشركة خلال العام المقبل. هذه الاستثمارات تعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على القدرة التنافسية والنجاح المستقبلي.
من الواضح أن مستقبل التمويل الكمي سيعتمد بشكل متزايد على التعاون الوثيق بين البشر والتكنولوجيا، أكثر من اعتماده على الخبرات الرياضية التقليدية. إن القدرة على فهم وتفسير وتطبيق الذكاء الاصطناعي ستصبح مهارة أساسية لجميع العاملين في هذا المجال.
واختتم الدكتور غوج قائلاً: “إن تبني التعليم المستمر والتقنيات المبتكرة أمر مهم لتشكيل مستقبل التمويل الكمي.” وهذا يعني الاستثمار في تطوير المهارات، وتشجيع الابتكار، والبحث عن طرق جديدة للاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف القطاع.
اعرض الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة للمزيد من المعلومات حول التطورات في هذا المجال.
