الذكاء الاصطناعي الوكيل (Agentic AI) يشكل مستقبل أتمتة الشركات في أمريكا الشمالية وأوروبا، ويعد بتحولات جذرية في طريقة عمل المؤسسات. تشير أحدث البيانات إلى أن الشركات في أمريكا الشمالية تتجه نحو تبني أنظمة ذكاء اصطناعي وكيلة قادرة على التفكير والتكيف والتصرف باستقلالية كاملة، بينما تركز الشركات الأوروبية على جوانب الحوكمة وإدارة البيانات. هذا التحول ليس مجرد خفض للتكاليف، بل هو انتقال نحو تحقيق الربحية من خلال قدرات جديدة.
من الأتمتة إلى الربحية: تطور الذكاء الاصطناعي في الشركات
في عام 2023، كان الهدف الرئيسي من أتمتة المؤسسات هو خفض التكاليف وتبسيط المهام الروتينية. لكن بحلول عام 2025، تغير هذا المنظور بشكل كبير. لم يعد الذكاء الاصطناعي يُنظر إليه مجرد أداة تشغيلية، بل أصبح قدرة استراتيجية تتيح تحقيق الربح. البيانات تؤكد هذا التحول، حيث تشهد المؤسسات في أمريكا الشمالية عائدًا على الاستثمار (ROI) متوسطًا يبلغ 175 مليون دولار من عمليات التنفيذ.
الأمر المثير للاهتمام هو أن هذا العائد المالي ليس حكرًا على أمريكا الشمالية. فبالرغم من اتباع الشركات الأوروبية نهجًا أكثر حذرًا وتركيزًا على الحوكمة، إلا أنها سجلت عائدًا متوسطًا مماثلًا على الاستثمار يبلغ حوالي 170 مليون دولار. هذا يشير إلى أن الاستراتيجيات المختلفة للنشر، سواء كانت تركز على السرعة (أمريكا الشمالية) أو إدارة المخاطر (أوروبا)، تؤدي إلى نتائج مالية متشابهة.
انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحول نحو الأنظمة الوكيلة
أظهرت الدراسات أن جميع المؤسسات التي شملها الاستطلاع قد طبقت الذكاء الاصطناعي خلال العامين الماضيين، باستخدام ما متوسطه خمس أدوات مختلفة. لا يزال الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الأكثر انتشارًا (74%)، ولكن هناك ارتفاع ملحوظ في القدرات “الوكيلة”. أكثر من 40% من المؤسسات أدخلت الذكاء الاصطناعي الوكيل أو القائم على الوكيل، مما يمثل خطوة نحو أنظمة قادرة على إدارة سير العمل الموجه نحو الأهداف بشكل مستقل.
هذا التحول يمثل قفزة نوعية من الأتمتة الثابتة إلى أنظمة ذكية قادرة على التعلم والتكيف مع الظروف المتغيرة. الذكاء الاصطناعي الوكيل يفتح الباب أمام إمكانيات جديدة لتحسين الكفاءة والإنتاجية في مختلف القطاعات.
تكنولوجيا المعلومات: أرض اختبار للذكاء الاصطناعي الوكيل
على الرغم من أن التسويق وخدمة العملاء غالبًا ما تهيمن على النقاش العام حول الذكاء الاصطناعي، إلا أن وظيفة تكنولوجيا المعلومات نفسها برزت كمختبر رئيسي لعمليات النشر هذه. بيئات تكنولوجيا المعلومات غنية بالبيانات ومنظمة بطبيعتها، مما يوفر ظروفًا مثالية لتدريب النماذج. في الوقت نفسه، تظل هذه البيئات ديناميكية بما يكفي لتتطلب التفكير التكيفي الذي توفره أنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيل.
78% من المشاركين في الاستطلاع قاموا بنشر الذكاء الاصطناعي في عمليات تكنولوجيا المعلومات، وهو أعلى معدل في أي وظيفة تجارية. الرؤية السحابية وتحسين التكلفة يقودان هذا الاتجاه (52%)، يليهما إدارة الأحداث (48%). في هذه السيناريوهات، لا تنبه التكنولوجيا البشر إلى المشاكل فحسب، بل تفسر بيانات القياس عن بعد بشكل فعال لتوفير رؤية موحدة للإنفاق عبر البيئات المختلطة.
معضلة التكلفة البشرية وتحديات التنفيذ
على الرغم من التفاؤل بشأن عائد الاستثمار، يسلط التقرير الضوء على “معضلة التكلفة البشرية” التي قد تعيق التقدم. الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليل الاعتماد على العمالة البشرية، ولكن هذه العوامل نفسها تعمل كمثبطات للنمو. 47% من المشاركين يشيرون إلى الحاجة المستمرة للتدخل البشري كعائق رئيسي.
أنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيلة تتطلب مراقبة مستمرة وضبط وإدارة الاستثناءات، على عكس التوقعات الأولية بأنها حلول “اضبط وانس”. تكلفة التنفيذ (42%) هي أيضًا مصدر قلق كبير، بسبب النفقات المرتبطة بإعادة تدريب النماذج والتكامل والبنية التحتية السحابية. نقص المهارات التقنية (33%) يمثل عقبة رئيسية أمام مواصلة اعتماد هذه التقنيات.
فجوة الثقة بين القيادة والممارسين
هناك اختلاف في المنظور بين القيادة التنفيذية والممارسين التنفيذيين. 94% من المشاركين يعبرون عن ثقتهم في الذكاء الاصطناعي، ولكن هذه الثقة ليست موزعة بالتساوي. قادة الإدارة العليا أكثر تفاؤلاً، حيث يصنف 61% منهم الذكاء الاصطناعي على أنه “جدير بالثقة للغاية” ويعتبرونه أداة مالية.
فقط 46% من الممارسين من خارج الإدارة التنفيذية يشاركون هذا المستوى العالي من الثقة. أولئك الأقرب إلى التشغيل اليومي لهذه النماذج هم أكثر وعيًا بقضايا الموثوقية ونقص الشفافية وضرورة الإشراف البشري. هذه الفجوة تشير إلى أن القيادة تركز على الإصلاح الشامل والاستقلالية على المدى الطويل، بينما الفرق الموجودة على الأرض تتصارع مع تحديات عملية في التنفيذ والحوكمة.
مستقبل الذكاء الاصطناعي الوكيل: نحو الاستقلالية الكاملة
تتوقع الصناعة تقدمًا سريعًا نحو تقليل المشاركة البشرية في العمليات الروتينية. 45% من المؤسسات تعمل حاليًا كمؤسسات شبه مستقلة إلى كاملة، وتشير التوقعات إلى أن هذا الرقم سيرتفع إلى 74% بحلول عام 2030. هذا التطور ينطوي على تغيير في دور تكنولوجيا المعلومات، حيث من المتوقع أن تنتقل أقسام تكنولوجيا المعلومات من كونها عوامل تمكين تشغيلية إلى العمل كمنسقين.
آفي بهاجتاني، كبير مسؤولي التسويق في Digitate، يرى أن الذكاء الاصطناعي الوكيل هو الجسر بين البراعة البشرية والذكاء المستقل، ويمثل فجر تكنولوجيا المعلومات كقدرة استراتيجية لتحقيق الربح. الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي الوكيل يتطلب فلسفة تنظيمية توازن بين الأتمتة والزيادة البشرية، بالإضافة إلى استثمارات في تحسين المهارات والبيانات عالية الجودة.
في الختام، يمثل الذكاء الاصطناعي الوكيل تحولًا جذريًا في طريقة عمل الشركات، ويقدم إمكانات هائلة لتحسين الكفاءة والإنتاجية وتحقيق الربحية. ولكن لتحقيق هذه الإمكانات، يجب على المؤسسات معالجة التحديات المتعلقة بالتكلفة البشرية ونقص المهارات وفجوة الثقة، وتبني نهجًا استراتيجيًا يركز على الاستقلالية والمساءلة والشفافية.
