الذكاء الاصطناعي (AI) يغير وجه التصنيع، حيث يراهن المسؤولون التنفيذيون في هذا المجال على أن هذه التقنية المتقدمة ستكون المحرك الرئيسي لزيادة الأرباح في السنوات القادمة. تشير الدراسات إلى أن الشركات المصنعة تخصص جزءاً كبيراً، يقارب نصف ميزانيات التحديث الخاصة بها، لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، متوقعة رؤية عائد استثمار ملموس في غضون عامين. هذا التحول الهائل يمثل نقطة تحول حاسمة في كيفية إدارة العمليات الصناعية وتحقيق الكفاءة والربحية.
استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي وتوقعات مستقبلية واعدة
وفقًا لدراسة “التصنيع الجاهز للمستقبل 2025” التي أجرتها شركة Tata Consultancy Services (TCS) و AWS، فإن 88% من الشركات المصنعة تتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 5% على الأقل من هوامش التشغيل. وتتوقع نسبة لا بأس بها، تصل إلى 25%، أن تكون هذه العوائد أكبر من 10%. هذا المستوى العالي من الثقة يعكس الإيمان القوي بقدرة الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في الصناعة.
المال متاح، والطموح كبير، لكن التحديات الحقيقية تكمن في التنفيذ الفعلي لهذه الرؤى. هناك فجوة متزايدة بين التوقعات المالية الطموحة والواقع الملموس على أرض المصنع. على الرغم من الإنفاق المتزايد على الأنظمة الذكية، لا تزال البنية التحتية للبيانات تعاني من نقاط ضعف كبيرة، وتعتمد استراتيجيات إدارة المخاطر بشكل كبير على المخزونات اليدوية التقليدية، والتي غالبًا ما تكون مكلفة وغير فعالة.
الضغط على تحقيق العائد من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
يتزايد الضغط على الشركات المصنعة لتحقيق قيمة ملموسة من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي. توقعات المشاركين في الدراسة تشير إلى أن 75% منهم يرون أن الذكاء الاصطناعي سيصبح ضمن أهم ثلاثة عوامل مؤثرة في هوامش التشغيل بحلول عام 2026. ونتيجة لذلك، يتم تخصيص 51% من ميزانيات التحول الرقمي للذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة على مدى العامين المقبلين.
هذا التخصيص يتجاوز بكثير مجالات الاستثمار الأخرى. فميزانيات الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير من ميزانيات إعادة تدريب القوى العاملة (19%) وتحديث البنية التحتية السحابية (16%). بالنسبة لمديري تكنولوجيا المعلومات، يشير هذا الاختلال إلى وجود أزمة محتملة: محاولة تطبيق خوارزميات متطورة على بنية تحتية قديمة وهشة.
رؤى الخبراء حول مستقبل التصنيع والذكاء الاصطناعي
أنوبام سينغال، رئيس قسم التصنيع في TCS، يؤكد على أهمية الدقة والموثوقية في هذا القطاع، ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يعزز هذه القيم من خلال توفير قدر أكبر من القدرة على التنبؤ والاستقرار والتحكم. ويرى أن هذا يمثل فرصة للشركات المصنعة لبناء أنظمة بيئية مؤسسية مرنة وقابلة للتكيف.
أوزغور توهومكو، المدير العام لقطاع السيارات والتصنيع في AWS، يضيف أن المصنعين يواجهون تحديات غير مسبوقة، بما في ذلك الهوامش الضيقة وسلاسل التوريد المتقلبة ونقص العمالة الماهرة. ويؤكد أن AWS تعمل على إحداث ثورة في التصنيع من خلال العمليات المستقلة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتحويل العمليات اليدوية التفاعلية إلى أنظمة ذكية ذاتية التحسين.
التحوطات التناظرية في عصر التحول الرقمي
على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في القدرات التنبؤية، يلاحظ وجود سلوكيات متناقضة في الواقع العملي. فبدلاً من الاعتماد على سرعة الأنظمة الرقمية عند حدوث اضطرابات، يعود المصنعون إلى تدابير الحماية المادية التقليدية.
ففي أعقاب الاضطرابات الأخيرة، قامت 61% من الشركات بزيادة مخزونها الآمن، واختار 50% منها اللجوء إلى مصادر إمداد متعددة. في المقابل، استخدم 26% فقط تخطيط السيناريوهات عبر النماذج الرقمية للتعامل مع التقلبات. هذه الفجوة بين الرغبة في تبني التحول الرقمي والتمسك بالحلول التقليدية يعيق تحقيق كامل إمكانات الذكاء الاصطناعي.
ديون البنية التحتية: العائق الأكبر أمام الاستفادة من الذكاء الاصطناعي
العائق الرئيسي أمام تحقيق العوائد المالية المرجوة من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ليس الخوارزميات نفسها، بل جودة البيانات التي تعتمد عليها هذه الخوارزميات. فقط 21% من الشركات المصنعة تدعي أنها “جاهزة تمامًا للذكاء الاصطناعي” بفضل البيانات النظيفة والسياقية والموحدة.
الغالبية (61%) تعاني من مستوى جاهزية جزئي بسبب عدم تناسق جودة البيانات بين المصانع المختلفة، مما يؤدي إلى إنشاء صوامع معلومات تعيق قدرة الخوارزميات على اتخاذ قرارات دقيقة على مستوى المؤسسة. يُعد التكامل مع الأنظمة القديمة أكبر تحدٍ، وفقًا لـ 54% من المشاركين، وهذا ما يعرف بـ “الدين الفني” المتراكم عبر سنوات من التحول الرقمي.
نحو مستقبل أكثر ذكاءً واستقلالية في التصنيع
على الرغم من هذه التحديات، تتجه الصناعة نحو تبني الذكاء الاصطناعي القادر على اتخاذ القرارات بشكل مستقل مع تدخل بشري محدود. تتوقع 74% من الشركات المصنعة أن يقوم وكلاء الذكاء الاصطناعي بإدارة ما يصل إلى نصف قرارات الإنتاج الروتينية بحلول عام 2028. كما أن 66% من المؤسسات تخطط للسماح لوكلاء الذكاء الاصطناعي بالموافقة على أوامر العمل الروتينية دون الحاجة إلى موافقة بشرية خلال العام المقبل.
هذا التحول من “المساعدين الرقميين” إلى الوكلاء المستقلين له تأثير كبير على القوى العاملة. في حين أن 89% من الشركات المصنعة تتوقع أن يؤثر الذكاء الاصطناعي والروبوتات على القوى العاملة، إلا أن التركيز ينصب على زيادة الإنتاجية بدلاً من الاستغناء عن الموظفين. وتظهر أدوار مثل مفتشي الجودة (49%) وموظفي دعم تكنولوجيا المعلومات (44%) أسرع مكاسب في الإنتاجية.
اعتبارات التكامل وتنسيق المنصات
مع انتشار وكلاء الذكاء الاصطناعي في مختلف المنصات، يواجه مهندسو المؤسسات خيارًا حاسمًا حول كيفية تنسيق هذه الأنظمة. هناك ميل واضح نحو تجنب تقييد الحلول بمنصة واحدة. يفضل 63% من الشركات المصنعة استراتيجيات هجينة أو متعددة المنصات على حلول البائع الواحد. وتخطط 33% للتنسيق من خلال العديد من الوكلاء الأصليين للمنصات المختلفة، بينما يفضل 30% نموذجًا يمزج بين الوكلاء الأصليين والحلول المخصصة.
استخلاص العائد الحقيقي من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
لتحقيق أقصى استفادة من الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي، يجب على الشركات المصنعة التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية:
- إصلاح البيانات: يجب أن يكون تحديث وتوحيد البيانات أولوية قصوى، قبل التركيز على تطوير الخوارزميات.
- بناء الثقة: يجب سد الفجوة بين التوقعات والواقع من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل تدريجي، بدءًا من المهام الإدارية البسيطة قبل الانتقال إلى العمليات الأكثر تعقيدًا.
- تجنب الاحتكار: يجب اعتماد نهج متعدد المنصات لضمان المرونة وتجنب الاعتماد المفرط على بائع واحد.
في الختام، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية لتحويل الصناعة التحويلية وزيادة الكفاءة والربحية. لكن تحقيق هذه العوائد يتطلب تركيزًا أقل على “ذكاء” النماذج وأكثر على الجهد العملي المتمثل في تنظيف البيانات ودمج الأنظمة القديمة وبناء ثقة القوى العاملة.
لمعرفة المزيد حول الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، يرجى زيارة معرض الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة الذي يقام في أمستردام وكاليفورنيا ولندن. (رابط افتراضي للمعرض)
