تحول الموارد البشرية بالذكاء الاصطناعي: كفاءة وفعالية في المؤسسات الكبرى
أصبحت الموارد البشرية مجالًا حيويًا يشهد تحولات جذرية بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم مستقبلي، بل هو واقع ملموس يدمج في العمليات اليومية للمؤسسات، بدءًا من الإجابة على استفسارات الموظفين وصولًا إلى دعم برامج التدريب والتطوير. تكمن القيمة الحقيقية في قدرة المؤسسات على قياس العائد على الاستثمار لهذه التقنيات، سواء من خلال الوقت الذي يتم توفيره أو عدد الاستفسارات التي يتم حلها بكفاءة. هذا التحول لا يقتصر على تبسيط المهام، بل يهدف إلى تعزيز تجربة الموظف وتحسين الأداء العام للمؤسسة.
IBM: أتمتة مهام الموارد البشرية وتخفيض التكاليف
تعتبر شركة IBM مثالًا رائدًا في تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الموارد البشرية. قامت الشركة بتطوير وكيل افتراضي داخلي يُعرف باسم AskHR، وهو مصمم للتعامل مع استفسارات الموظفين وأتمتة الإجراءات الروتينية. وفقًا لـ IBM، يقوم AskHR بأتمتة أكثر من 80 مهمة داخلية للموارد البشرية ويتفاعل مع أكثر من مليوني محادثة مع الموظفين سنويًا.
يعتمد AskHR على نموذج ثنائي المستوى: يتولى الذكاء الاصطناعي حل المشكلات الروتينية والمتكررة، بينما يتولى المستشارون البشريون التعامل مع الحالات الأكثر تعقيدًا والتي تتطلب تدخلًا بشريًا. وقد أظهر هذا النهج نتائج تشغيلية ملموسة، بما في ذلك:
- معدل نجاح يبلغ 94٪ في الإجابة على الأسئلة الشائعة.
- انخفاض بنسبة 75٪ في عدد طلبات الدعم المقدمة منذ عام 2016.
- تخفيض بنسبة 40٪ في التكاليف التشغيلية للموارد البشرية على مدى أربع سنوات.
الأمر الجدير بالذكر هو أن IBM لا تستخدم الذكاء الاصطناعي لمجرد توجيه الاستفسارات إلى المعلومات الموجودة، بل هو قادر على إكمال المعاملات بشكل كامل، مما يقلل بشكل كبير من الحاجة إلى تدخل الموظفين البشريين.
فودافون: تبسيط التوظيف والتأهيل باستخدام الذكاء الاصطناعي
تستفيد شركة فودافون أيضًا من قوة الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات الموارد البشرية، وخاصة في مجال التوظيف والتأهيل. في تقريرها السنوي لعام 2024، سلطت فودافون الضوء على منصتها الداخلية “Grow with Vodafone”، والتي ساهمت في:
- تقليل مدة التوظيف من 50 يومًا إلى 48 يومًا.
- تبسيط عملية التقدم للوظائف.
- تقديم توصيات وظيفية مخصصة للمتقدمين بناءً على مهاراتهم.
وقد أدت هذه التحسينات إلى انخفاض ملحوظ بنسبة 78٪ في عدد الأسئلة التي يطرحها المتقدمون المحتملون والموظفون الجدد. بالإضافة إلى ذلك، طورت فودافون أداة تخطيط عالمية لعدد الموظفين تقلل من العمل اليدوي المطلوب لجمع البيانات، و”بحيرة بيانات” عالمية للموارد البشرية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعمل على توحيد لوحات المعلومات وتقليل الحاجة إلى إعداد التقارير اليدوية.
التدريب والدعم الداخلي: تسريع الكفاءة مع الذكاء الاصطناعي
تواجه المؤسسات الكبيرة تحديًا مستمرًا يتمثل في تسريع عملية تأهيل الموظفين الجدد وزيادة إنتاجيتهم. يستخدم بنك أوف أمريكا الذكاء الاصطناعي من خلال منظمة “The Academy” للتطوير المهني لتقديم تدريب تفاعلي، حيث يكمل الموظفون أكثر من مليون عملية محاكاة سنويًا.
بالإضافة إلى ذلك، أطلق البنك برنامج “Erica for Employees”، وهو مساعد افتراضي يتعامل مع مجموعة متنوعة من الموضوعات المتعلقة بالموارد البشرية، مثل المزايا الصحية وكشوف المرتبات ونماذج الضرائب. يستخدم أكثر من 90٪ من الموظفين Erica، مما أدى إلى انخفاض بنسبة تزيد عن 50٪ في المكالمات الواردة إلى مكتب خدمات تكنولوجيا المعلومات. هذه الأدوات تقلل من “العمل الخفي” – الوقت المهدر في البحث عن المعلومات، وتكرار الأسئلة، وانتظار الإجابات – وبالتالي تخفيض التكاليف وتحسين الكفاءة.
Walmart و HSBC: الحوكمة وشبكات الأمان البشرية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي
تُظهر شركة Walmart، من خلال تحديثها في يونيو 2025، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة في العمليات اليومية للموظفين في الخطوط الأمامية. أطلقت الشركة أدوات الذكاء الاصطناعي عبر تطبيق الموظفين، بما في ذلك أداة لإدارة سير العمل تحدد الأولويات وتقدم توصيات بشأن المهام. تشير النتائج الأولية إلى أن مدة تخطيط الورديات قد انخفضت من 90 دقيقة إلى 30 دقيقة فقط.
وبالنظر إلى أن Walmart لديها قوة عاملة متنوعة، فإن قدرة التطبيق على الترجمة الفورية إلى 44 لغة تعتبر ذات قيمة لا تقدر بثمن. تقوم الشركة حاليًا بتحديث برامجها الداخلية باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل أدلة العمليات إلى تعليمات متعددة اللغات.
من ناحية أخرى، يركز بنك HSBC متعدد الجنسيات على الحوكمة وأمن البيانات في تطبيقاته للذكاء الاصطناعي. يصف منشور البنك “تحويل HSBC باستخدام الذكاء الاصطناعي” أكثر من 600 حالة استخدام للذكاء الاصطناعي، ويؤكد على أن الموظفين لديهم إمكانية الوصول إلى أدوات إنتاجية قائمة على نماذج اللغة الكبيرة (LLM) للترجمة وتحليل المستندات. يتم ضمان التزام جميع الأنظمة الآلية بالقواعد الحالية من خلال مجالس مراجعة الذكاء الاصطناعي وأطر إدارة دورة حياة الذكاء الاصطناعي.
مستقبل الموارد البشرية والذكاء الاصطناعي
يبدو أن المسار الناجح لتطبيق الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية يتضمن البدء بالمهام ذات الحجم الكبير والمعاملات المتكررة، ثم التوسع ليشمل التوظيف والتدريب، وأخيرًا دفعه إلى الخطوط الأمامية لتحقيق أقصى قدر من توفير الوقت. تكمن أكبر المكاسب في تحويل الموارد البشرية من قسم رد الفعل إلى وظيفة استباقية وأكثر كفاءة.
ومع ذلك، من الضروري الحفاظ على التوازن بين الأتمتة والرقابة البشرية. يجب أن تكون هناك شبكات أمان لضمان دقة القرارات وتجنب التحيزات. إن نماذج الخدمة المختلطة، بالإضافة إلى الانضباط في إدارة البيانات والإشراف عليها، هي التي تمكن الذكاء الاصطناعي من التوسع دون المساس بثقة الموظفين أو العدالة. الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية ليس مجرد مسألة كفاءة، بل هو استثمار في مستقبل المؤسسة وقدرتها على جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها.
مصدر الصورة: “Business Meetings” من Thinkpanama مرخص بموجب CC BY-NC 2.0
هل ترغب في معرفة المزيد عن الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة من قادة الصناعة؟ تفضل بزيارة معرض الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة الذي يقام في أمستردام وكاليفورنيا ولندن: https://www.ai-summit.com/
