في عالم الخدمات المصرفية الاستثمارية المتسارع، يبحث البنوك باستمرار عن طرق لتبسيط العمليات وزيادة الكفاءة. يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة واعدة لتحقيق هذه الأهداف، وبدأ بنك BNP Paribas بالفعل في استكشاف إمكاناته. أطلق البنك مؤخرًا أداة داخلية مبتكرة تسمى IB Portal، تهدف إلى تسريع عملية إعداد عروض العملاء وتقليل التكرار في العمل. هذا التحول يمثل خطوة مهمة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في صميم العمليات المصرفية الاستثمارية اليومية.
بنك BNP Paribas يختبر قوة الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية الاستثمارية
يعد إعداد العروض التقديمية للعملاء جزءًا حيويًا من الخدمات المصرفية الاستثمارية، ولكنه غالبًا ما يكون عملية مكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً. تتطلب هذه العملية جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك رؤى السوق، وتاريخ الصفقات، والمعلومات الخاصة بالعميل. غالبًا ما يجد الفرق نفسها تعيد إنشاء مواد موجودة بالفعل داخل المؤسسة، مما يؤدي إلى إهدار الموارد والوقت.
تهدف بوابة IB إلى معالجة هذه المشكلة من خلال الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي. تعمل الأداة كـ “محرك بحث ذكي” للمواد السابقة للعروض التقديمية، حيث تستخدم ما يصفه البنك بـ “المطالبات الذكية” لتحديد وعرض الشرائح ذات الصلة، والتحليلات، والمحتوى الداعم. يقول جورج هولست، رئيس مجموعة عملاء الشركات في بنك BNP Paribas، أن هذه الأداة يمكن أن تقلل وقت البحث بأيام، مما يتيح للفرق التركيز بشكل أكبر على تطوير الاستراتيجيات وتقديم قيمة مضافة للعملاء.
كيف تعمل بوابة IB؟
تعتمد بوابة IB على بنية تحتية قوية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك منصة “LLM كخدمة” (Large Language Model as a Service) التي تم تطويرها داخليًا. تتيح هذه المنصة لوحدات الأعمال المختلفة داخل البنك الوصول المشترك إلى نماذج لغوية كبيرة، مما يعزز التعاون وتبادل المعرفة.
يتم تشغيل النظام الأساسي بواسطة فرق تكنولوجيا المعلومات الداخلية ويستضيفه بنك BNP Paribas في مراكز بيانات مجهزة بوحدات معالجة رسومات (GPUs) مخصصة. يدعم البنك مجموعة متنوعة من النماذج، بما في ذلك الخيارات مفتوحة المصدر من Mistral AI، مع خطط لإضافة نماذج أخرى مدربة على البيانات الداخلية الخاصة بالبنك. تشمل حالات الاستخدام الأخرى المخطط لها المساعدين الداخليين، وصياغة المستندات، واسترجاع المعلومات.
التركيز على البنية والتحكم في البيانات
ما يميز هذا النهج هو تركيزه على البنية والتحكم في البيانات. فالذكاء الاصطناعي لا يعمل في فراغ، بل يتم دمجه بعناية في مسارات العمل الحالية. تعتبر العروض التقديمية وثائق داخلية حساسة تحتوي على معلومات خاصة بالعميل ومتطلبات تنظيمية صارمة. لذلك، من الضروري التأكد من أن أداة الذكاء الاصطناعي يمكنها التعامل مع هذه البيانات بأمان وموثوقية.
يتضمن ذلك تحديد المواد التي يمكن البحث فيها، وتعيين ضوابط وصول واضحة، وتتبع كيفية استخدام المحتوى المسترد. كما أن هناك حاجة إلى مراجعة بشرية لجميع المخرجات قبل مشاركتها مع العملاء، وذلك لضمان الدقة والامتثال. هذه الإجراءات ضرورية لتجنب الأخطاء المحتملة أو الكشف غير المصرح به عن معلومات حساسة.
اتجاه متزايد في القطاع المصرفي
لا يقتصر بنك BNP Paribas على استكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي. تتبنى العديد من البنوك الكبرى نهجًا مماثلاً. على سبيل المثال، أشار بنك جيه بي مورجان تشيس إلى الاستخدام المتزايد لـ “LLM Suite” الداخلي الخاص به، بينما أطلق جولدمان ساكس “مساعد GS AI” المملوك. كما أن بنك UBS يجري اختبار “برنامج المساعد التجريبي” لعمليات الاندماج والاستحواذ.
بالإضافة إلى هذه الجهود الداخلية، هناك أيضًا أدوات متخصصة مثل Rogo التي تكتسب شعبية في شركات مثل Nomura وMoelis، مما يدل على الطلب المتزايد على حلول الذكاء الاصطناعي المصممة خصيصًا للقطاع المالي.
التحديات والفرص المستقبلية
يبقى الاختبار الحقيقي لبوابة IB هو ما إذا كانت ستصبح جزءًا لا يتجزأ من العمليات اليومية للبنك، أم أنها ستظل مجرد تجربة لمرة واحدة. الفوائد المحتملة واضحة: توفير الوقت، وتقليل التكرار، وتحسين استخدام المعرفة المؤسسية. ومع ذلك، هناك أيضًا مخاطر يجب معالجتها، مثل البيانات المضللة، والمصادر غير الواضحة، والكشف العرضي عن المعلومات الحساسة.
لضمان نجاح عمليات النشر، من الضروري الحفاظ على قيود صارمة على الذكاء الاصطناعي. يتضمن ذلك ترسيخ المخرجات في المحتوى الداخلي المعتمد، وتطبيق عناصر التحكم في الوصول المستندة إلى الأدوار، وتسجيل كيفية استخدام الأدوات، وطلب الموافقة البشرية النهائية قبل مشاركة أي شيء مع العملاء.
في الختام، يمثل استثمار بنك BNP Paribas في بوابة IB خطوة واعدة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية الاستثمارية. من خلال التركيز على البنية والتحكم في البيانات، يمكن للبنك الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة، وتقليل التكاليف، وتقديم قيمة أفضل لعملائه. ومع استمرار تطور التكنولوجيا، من المرجح أن نشهد المزيد من الابتكارات في هذا المجال، مما سيغير الطريقة التي تعمل بها البنوك الاستثمارية في المستقبل.
