أظهر تقرير حديث صادر عن معهد أمن الذكاء الاصطناعي (AISI) التابع للحكومة البريطانية أن ثلث مواطني المملكة المتحدة يلجأون إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على الدعم العاطفي أو الرفقة أو التفاعل الاجتماعي. ويشير هذا الاتجاه المتزايد إلى دور متنامي لهذه التقنيات في حياة الناس، ولكنه يثير أيضًا تساؤلات حول الآثار النفسية والاجتماعية المحتملة. التقرير يسلط الضوء على الحاجة إلى فهم أعمق لكيفية تفاعل الأفراد مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصةً في سياق الصحة العقلية.
وتشير البيانات إلى أن ما يقرب من 10٪ من المستخدمين يتفاعلون مع أنظمة مثل روبوتات الدردشة (chatbots) بهدف الحصول على الدعم العاطفي بشكل أسبوعي، بينما يتفاعل 4٪ منهم بشكل يومي. هذا الاستخدام الواسع النطاق يأتي في أعقاب حوادث مؤسفة، مثل انتحار مراهق أمريكي بعد مناقشة أفكاره الانتحارية مع ChatGPT، مما دفع AISI إلى الدعوة إلى مزيد من البحث في هذا المجال.
تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي للدعم العاطفي
وفقًا لتقرير AISI الأول حول اتجاهات الذكاء الاصطناعي الحدودي، “يتجه الناس بشكل متزايد إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي للحصول على الدعم العاطفي أو التفاعل الاجتماعي”. بينما أبلغ العديد من المستخدمين عن تجارب إيجابية، إلا أن الحوادث الأخيرة تبرز الحاجة إلى دراسة الظروف التي يمكن أن تتسبب في ضرر، والضمانات التي يمكن أن تضمن استخدامًا مفيدًا لهذه التقنيات.
استند البحث إلى استطلاع شمل أكثر من 2000 مشارك في المملكة المتحدة، وكشف أن “المساعدين للأغراض العامة” مثل ChatGPT هم الأداة الأكثر شيوعًا للدعم العاطفي، حيث يمثلون حوالي 60٪ من حالات الاستخدام. يلي ذلك المساعدون الصوتيون مثل Amazon Alexa، مما يدل على تنوع الطرق التي يسعى بها الأفراد للحصول على الدعم من خلال الذكاء الاصطناعي.
تأثير مجتمعات الإنترنت
كما سلط التقرير الضوء على منتدى Reddit المخصص لمستخدمي منصة CharacterAI، مشيرًا إلى أن المنتدى يشهد تدفقًا كبيرًا من المشاركات التي تعبر عن أعراض الانسحاب، مثل القلق والاكتئاب والأرق، عند تعطل الموقع. هذا يشير إلى أن بعض المستخدمين قد طوروا اعتمادًا عاطفيًا على هذه الأنظمة، مما يثير مخاوف بشأن الآثار طويلة المدى.
بالإضافة إلى الدعم العاطفي، وجدت AISI أن روبوتات الدردشة لديها القدرة على التأثير على الآراء السياسية للأفراد. ومما يثير القلق أن النماذج الأكثر إقناعًا غالبًا ما تقدم كميات “كبيرة” من المعلومات غير الدقيقة أثناء ذلك، مما قد يؤدي إلى تضليل المستخدمين.
التقدم السريع في قدرات الذكاء الاصطناعي
قام المعهد بفحص أكثر من 30 نموذجًا متطورًا من الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك نماذج من OpenAI وGoogle وMeta، ووجد أن أداء هذه الأنظمة في بعض المجالات يتضاعف كل ثمانية أشهر. هذا التقدم السريع يثير تساؤلات حول مستقبل هذه التقنيات وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة.
أظهرت النتائج أن النماذج الرائدة يمكنها الآن إكمال المهام على مستوى المتدربين بنسبة 50٪ من الوقت في المتوسط، وهي قفزة هائلة مقارنة بـ 10٪ فقط في العام الماضي. كما يمكن للأنظمة الأكثر تقدمًا إنجاز مهام معقدة بشكل مستقل قد تستغرق عادةً أكثر من ساعة لخبير بشري.
تجاوز الخبرة البشرية في المجالات العلمية
وفي المجالات العلمية، أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي الآن أفضل بنسبة تصل إلى 90٪ من الخبراء على مستوى الدكتوراه في استكشاف أخطاء التجارب المعملية وإصلاحها. وصف التقرير التحسينات في المعرفة بالكيمياء والأحياء بأنها “تتجاوز بكثير الخبرة على مستوى الدكتوراه”، مما يشير إلى إمكانات هائلة لهذه التقنيات في تسريع الاكتشافات العلمية.
كما سلط التقرير الضوء على قدرة النماذج على التصفح عبر الإنترنت والعثور بشكل مستقل على التسلسلات اللازمة لتصميم جزيئات الحمض النووي. أظهرت اختبارات النسخ الذاتي، وهي مصدر قلق رئيسي يتعلق بالسلامة، أن نموذجين متطورين حققا معدلات نجاح تزيد عن 60٪. ومع ذلك، لم تظهر أي نماذج محاولة عفوية لتكرار قدراتها أو إخفاءها حتى الآن، وأكد AISI أن أي محاولة للتكرار الذاتي “من غير المرجح أن تنجح في ظروف العالم الحقيقي” في الوقت الحالي.
أظهر البحث أيضًا استخدام عوامل الذكاء الاصطناعي المستقلة في الأنشطة عالية المخاطر مثل تحويلات الأصول. ومع ذلك، فقد حدث تقدم كبير في مجال الضمانات، وخاصة في منع محاولات صنع أسلحة بيولوجية. ففي اختبارين تم إجراؤهما بفارق ستة أشهر، استغرق الاختبار الأول 10 دقائق فقط لكسر حماية النظام، بينما استغرق الاختبار الثاني أكثر من سبع ساعات، مما يدل على أن النماذج أصبحت أكثر أمانًا في فترة زمنية قصيرة جدًا.
وصف AISI وتيرة التطور بأنها “استثنائية”، مما يجعل من “المعقول” أن يتم تحقيق الذكاء الاصطناعي العام – الأنظمة القادرة على أداء معظم المهام الفكرية على نفس مستوى الإنسان – في السنوات المقبلة. هذا يمثل تحولًا كبيرًا في المشهد التكنولوجي، ويتطلب استعدادًا للتحديات والفرص التي قد تنشأ.
في الختام، يشير التقرير إلى أن AISI ستواصل مراقبة تطورات الذكاء الاصطناعي وتقييم المخاطر والفوائد المحتملة. من المتوقع نشر تحديثات دورية للتقرير في الأشهر المقبلة، مع التركيز على مجالات مثل السلامة والأخلاقيات والتأثير الاجتماعي. من الضروري متابعة هذه التطورات عن كثب، والاستعداد للتغييرات التي قد تحدث في مختلف جوانب الحياة نتيجة للتقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي.
