في ظل التنافس العالمي المتزايد في مجال استكشاف الفضاء وتطوير تقنياته، تبرز المملكة العربية السعودية كلاعب إقليمي صاعد، معتمدةً على التعليم الجامعي كبوابة رئيسية للابتكار في قطاع الفضاء. ويُعد إطلاق القمرين الصناعيين السعوديين “روضة سكوب” و”أفق”، اللذين صممهما طلاب من جامعة أم القرى وجامعة الأمير سلطان، دليلًا على تحول استراتيجية المملكة من مجرد استيراد التكنولوجيا إلى الاستثمار في تطويرها محليًا.
يأتي هذا الإنجاز في إطار رؤية المملكة 2030 الطموحة، التي تهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد وتعزيز الابتكار في القطاعات الناشئة، بما في ذلك الفضاء. فالمشاريع التي انطلقت من الجامعات السعودية لم تعد مجرد تمارين أكاديمية، بل أصبحت مشاريع حقيقية قادرة على المساهمة في تحقيق أهداف وطنية وإقليمية.
تحويل الأبحاث الأكاديمية إلى واقع في قطاع الفضاء
أعلنت وكالة الفضاء السعودية عن نجاح إطلاق القمرين “روضة سكوب” و”أفق”، وهو تتويج لمسابقة “ساري” التي تهدف إلى بناء وتصميم الأقمار الصناعية الصغيرة. شارك في هذه المسابقة أكثر من 480 فريقًا طلابيًا من 42 جامعة سعودية، مما يعكس الاهتمام المتزايد بهذا المجال بين الشباب السعودي.
تجاوزت المسابقة مجرد التدريب التقليدي، حيث أتاحت للطلاب فرصة كاملة لتصميم واختبار الأقمار الصناعية وفقًا لمعايير هندسية دولية صارمة. هذا النموذج من الشراكة بين وكالة الفضاء السعودية والمؤسسات الأكاديمية يمثل نقلة نوعية في طريقة تطوير التكنولوجيا الفضائية في المملكة، حيث يتم التركيز على بناء القدرات الوطنية بدلًا من الاعتماد على الاستيراد.
“روضة سكوب”: دعم تقنيات إنترنت الأشياء
يركز القمر الصناعي “روضة سكوب”، الذي طوره فريق جامعة الأمير سلطان، على دعم تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) منخفضة الطاقة. تهدف هذه التقنية إلى توفير حلول اتصال في المناطق النائية أو التي تفتقر إلى البنية التحتية التقليدية للاتصالات.
يمكن أن يلعب “روضة سكوب” دورًا حيويًا في دعم المبادرات البيئية من خلال توفير بيانات مستمرة من أجهزة الاستشعار المنتشرة في المناطق المختلفة، مثل مراقبة جودة الهواء والمياه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساهم في تحسين إدارة الموارد في المناطق الصحراوية والبحرية، مما يعزز من كفاءة المشاريع التنموية واللوجستية.
“أفق”: رصد الطقس الفضائي لحماية البنية التحتية
القمر الصناعي “أفق”، الذي صممه طلاب جامعة أم القرى، متخصص في رصد الطقس الفضائي وتأثيراته على البنية التحتية الحساسة. يأتي هذا المشروع في ظل تزايد الاعتماد على الأنظمة الفضائية في مختلف القطاعات، مثل الملاحة والاتصالات والشبكات المالية.
تؤثر الإشعاعات الشمسية والجسيمات الفضائية على هذه الأنظمة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في عملها. يهدف “أفق” إلى رصد هذه الإشعاعات بدقة عالية، مما يتيح للمراكز الوطنية التنبؤ بالاضطرابات واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لضمان استمرارية الخدمات الحيوية. ويعتبر هذا القمر شريكًا فاعلاً في حماية أمن واستقرار البنية التحتية الفضائية والوطنية.
بناء جيل جديد من المهندسين والعلماء السعوديين
أكدت وكالة الفضاء السعودية أن الفرق الفائزة في مسابقة “ساري” خضعت لبرامج تدريب مكثفة أشرف عليها خبراء محليون ودوليون. يهدف هذا التدريب إلى تزويد الطلاب بالمهارات والمعرفة اللازمة لتصميم وبناء وتشغيل الأقمار الصناعية.
يمثل هذا الاستثمار في التعليم والتدريب خطوة حاسمة نحو بناء جيل جديد من المهندسين والعلماء السعوديين القادرين على قيادة قطاع الفضاء في المملكة. من خلال توفير الفرص للطلاب للمشاركة في مشاريع حقيقية، تعمل وكالة الفضاء السعودية على تحويل التعليم النظري إلى خبرات عملية قيمة.
التأثير المستقبلي والخطوات التالية
لا يقتصر تأثير إطلاق “روضة سكوب” و”أفق” على الجانب التقني فحسب، بل يمتد ليشمل الجانب الاقتصادي والاجتماعي. فمن المتوقع أن تساهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الابتكار في مختلف القطاعات. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تعزز من مكانة المملكة كدولة رائدة في مجال استكشاف الفضاء وتطوير تقنياته.
تخطط وكالة الفضاء السعودية لمواصلة دعم المشاريع الجامعية والمبادرات الريادية في قطاع الفضاء، مع التركيز على تطوير التقنيات التي تلبي احتياجات المملكة وتساهم في تحقيق أهداف رؤية 2030. ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية التي صممها وبناها طلاب سعوديون، مما يعزز من قدرات المملكة في هذا المجال الحيوي. وستركز الجهود المستقبلية على تطوير القدرات في مجالات مثل تصنيع الأقمار الصناعية، وإطلاقها، وتشغيلها، وتحليل البيانات التي تجمعها.
