مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة اليومية، من الهواتف الذكية إلى المساعدات الصوتية، يظهر قلق متزايد بشأن تأثيره البيئي غير المباشر. دراسة حديثة سلطت الضوء على أن هذه التقنية لا تستهلك الطاقة والموارد فحسب، بل تشجع أيضًا على أنماط استهلاكية تزيد من الانبعاثات العالمية، مما يمثل تحديًا جديدًا في جهود مكافحة تغير المناخ.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الاستهلاك والانبعاثات
أظهرت الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة كوينزلاند وجامعة نيو ساوث ويلز، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل روبوتات الدردشة، غالبًا ما توجه المستخدمين نحو شراء منتجات جديدة حتى عند طرح أسئلة محايدة. فعند سؤال هذه الروبوتات عن “ملابس الأطفال”، قدمت جميعها على الفور روابط لمتاجر وعلانات تجارية، متجاهلةً خيارات أكثر استدامة مثل إصلاح الملابس القديمة أو شراء ملابس مستعملة.
هذا التحيز نحو الاستهلاك يولد ما يصفه الباحثون بـ “الانبعاثات الميسرة خوارزميًا”، وهي انبعاثات ناتجة عن الإنتاج والشراء غير الضروريين اللذين يشجعهما الذكاء الاصطناعي. تعتبر هذه الانبعاثات نقطة عمياء في الحسابات المناخية الحالية، حيث لا يتم قياس التلوث الناتج عن هذه السلوكيات الاستهلاكية بشكل مباشر.
الاستهلاك الرقمي وتداعياته البيئية
لا يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي على زيادة الاستهلاك المادي فحسب، بل يمتد ليشمل الاستهلاك الرقمي أيضًا. تتطلب مراكز البيانات التي تشغل هذه الأنظمة كميات هائلة من الطاقة والمياه، مما يساهم في زيادة البصمة الكربونية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الأجهزة الإلكترونية نفسها يتطلب استخراج الموارد الطبيعية وعمليات تصنيع مكلفة بيئيًا.
وفقًا للتقرير، تستخدم حاليًا المليارات من الأشخاص هذه الأدوات، وهي مصممة بشكل افتراضي لإعطاء الأولوية للاستهلاك على حساب الحفاظ على البيئة. على الرغم من أن شركات التكنولوجيا لديها سياسات تتعلق بالسلامة والأمان، إلا أن قضايا الاستدامة البيئية غالبًا ما تكون مهمشة في هذه السياسات.
من المهم الإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على تعزيز الاستدامة من خلال تقديم حلول مبتكرة في مجالات مثل إدارة الطاقة، وتحسين سلاسل التوريد، وتطوير مواد صديقة للبيئة. ومع ذلك، فإن الطريقة الحالية لتصميم وتشغيل هذه الأنظمة غالبًا ما تعيق هذه الإمكانات.
لماذا يجب أن نهتم؟
إن فهم العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والاستهلاك أمر بالغ الأهمية لعدة أسباب. أولاً، يهدد هذا التأثير البيئي غير المباشر بتقويض الجهود العالمية الرامية إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ. ثانيًا، فإنه يثير تساؤلات حول المسؤولية الأخلاقية لشركات التكنولوجيا في تشكيل سلوك المستهلك.
يرى الباحثون أن شركات التكنولوجيا تتحمل مسؤولية جزئية عن الانبعاثات الناتجة عن التوصيات التجارية التي تقدمها أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويقترحون أن الخطوة الأولى نحو معالجة هذه المشكلة هي الاعتراف بوجودها وتضمينها في تقييمات الأثر البيئي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن برمجة الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات أكثر استدامة، مثل تسليط الضوء على متاجر الإصلاح المحلية، أو خدمات التأجير، أو الخيارات ذات التأثير البيئي المنخفض. هذا يتطلب تحولًا في أولويات التصميم والتركيز على تعزيز السلوكيات المسؤولة بيئيًا.
دور السياسات والتشريعات
يتزايد الضغط على صناع السياسات لوضع قوانين ولوائح تأخذ في الاعتبار التأثير السلوكي البيئي للذكاء الاصطناعي. يجب أن تتجاوز هذه السياسات مجرد حماية البيانات ومعالجة المعلومات المضللة، وأن تشمل أيضًا تدابير لتعزيز الاستدامة وتقليل الانبعاثات.
قد تشمل هذه التدابير فرض ضرائب على الانبعاثات الميسرة خوارزميًا، أو تقديم حوافز للشركات التي تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي صديقة للبيئة، أو مطالبة الشركات بالإفصاح عن البصمة الكربونية لمنتجاتها وخدماتها.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تشهد هذه القضية مزيدًا من التدقيق والبحث، مع احتمال ظهور مبادرات جديدة من قبل الحكومات والمنظمات غير الحكومية وشركات التكنولوجيا لمعالجة هذه التحديات. من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال وتقييم فعالية التدابير المتخذة لضمان أن الذكاء الاصطناعي يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وليس تقويضها.
