عندما يترقب اللاعبون حول العالم إصدار لعبة جديدة مثل GTA 6 أو Resident Evil، فإن أول ما يخطر ببالهم هو موعد الإطلاق والمراجعات التقنية. لكن بالنسبة للاعب العربي، هناك سؤال إضافي يفرض نفسه دائمًا وهو، هل سيتم فسح اللعبة في منطقتنا أم لا؟
في السنوات الأخيرة، أصبحت قرارات الرقابة والهيئات المسؤولة عن فسح الألعاب في العالم العربي جزءًا لا يتجزأ من تجربة اللاعب. من ألعاب جرى منعها كليًا، إلى عناوين عادت بعد تعديلات طفيفة، يعيش مجتمع اللاعبين هنا تجربة مختلفة تمامًا عن باقي اللاعبين عالميًا. هذا يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول ما اذا كانت الرقابة تحمي مجتمعنا فعلًا؟ أم أنها تضع اللاعب العربي في عزلة عن العالم؟
وبينما يزداد الجدل، يظل اللاعب العربي يبحث عن إجابة لسؤال أساسي هو “ما الذي تعنيه هذه القرارات لمستقبل الألعاب لدينا؟”
ما هي الرقابة على الألعاب في العالم العربي؟
عندما نتحدث عن الألعاب في منطقتنا العربية، فإن كلمة “فسح” أو “تصنيف” تطفو على السطح مباشرة وبشكل كبير. هذه الكلمة تعني ببساطة مراجعة اللعبة من قبل الجهات الرسمية قبل السماح بتداولها في الأسواق المحلية. في السعودية مثلًا، تتولى الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع هذه المهمة حيث تخضع الألعاب لعملية تقييم دقيقة. بحيث يتم النظر في عدة عوامل، مثل:
- المحتوى العنيف أو الدموي.
- الإشارات الدينية أو السياسية.
- العناصر الأخلاقية والاجتماعية، مثل مشاهد المخدرات أو العلاقات غير المناسبة.
وفي بعض الحالات، لا يتم الاكتفاء بوضع تصنيف عمري كما هو الحال في أوروبا أو أمريكا، بل قد يصل الأمر إلى تعديل اللعبة أو حتى منعها بشكل كامل من التداول في السوق المحلي إذا كانت غير مناسبة.
بهذا يصبح اللاعب العربي أمام وضع مختلف وفريد من نوعه، فبدل أن يكون القرار بيد الأهل أو اللاعب البالغ نفسه، تصبح الهيئات الرسمية هي الجهة الفاصلة في تحديد ما يمكن لعبه وما لا يمكن.
الرقابة العربية vs. الأسواق العالمية
إذا نظرنا إلى أسواق مثل الولايات المتحدة أو أوروبا، سنجد أن دور الهيئات هناك يقتصر غالبًا على منح تصنيف عمري فقط. على سبيل المثال ESRB في أمريكا تضع التصنيف M للبالغين وT للمراهقين… إلخ. PEGI في أوروبا تعتمد نفس الفكرة مع أرقام (18، 16، 12). لكن القرار النهائي يبقى بيد اللاعب أو أسرته. لا توجد هناك حالات منع كاملة كما نراها أحيانًا في منطقتنا.
أما في السعودية وبعض البلدان العربية، فالأمر مختلف. الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع تضع نصب عينيها ثلاث أولويات لا يمكن تجاوزها وهي:
- مصلحة اللاعب وسلامته الفكرية والنفسية.
- الالتزام بالعادات والتقاليد المجتمعية.
- احترام الشعائر والقيم الدينية.
هذا يعني أن بعض الألعاب قد يتم فسحها ولكن بعد تعديلات أو تحذيرات واضحة، بينما يتم منع أخرى كليًا إذا تعارضت مع هذه المبادئ الأساسية. ومع ذلك، يمكن ملاحظة أن الهيئة أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر مرونة نسبية، خاصة مع تزايد وعي اللاعبين وارتفاع أهمية سوق الألعاب محليًا.
هذه المقاربة تجعل التجربة العربية فريدة من نوعها. فهي ليست مجرد تصنيف أعمار مثل الغرب، بل عملية تقييم شاملة تأخذ في الحسبان المجتمع كله وليس اللاعب الفرد فقط.
أشهر الحالات المثيرة للجدل
الرقابة على الألعاب في العالم العربي لم تمر بهدوء، بل رافقتها دائمًا قضايا مثيرة للجدل أثارت نقاشات واسعة بين اللاعبين والجهات المسؤولة. فمثلاً لعبة GTA 5 هي واحدة من أكثر الأمثلة شهرة. عند صدورها لأول مرة في 2013، واجهت اللعبة رفضًا واسعًا بسبب محتواها العنيف والجريء، وتم منعها رسميًا من التداول في بعض الدول العربية. ورغم ذلك، ظل اللاعبون يحصلون عليها بطرق غير مباشرة عبر المتاجر الرقمية أو النسخ المسربة.
لكن في الآونة الأخيرة، تم فسح اللعبة بشكل رسمي والسماح بتداولها في السوق المحلي والمتاجر الرقمية بشكل كامل دون اقتصاص او تغير في المحتوى. وهذا يدل على مدى ثقة هيئة الرقابة المحلي بوعي اللاعب وكذلك وعي الابوين بأن لا تقع اللعبة في ايدي أبنائهم الأقل من عمر 21 عام.
أيضا سلسلة Manhunt التي عُرفت بمستوى العنف المفرط لم تجد طريقها للأسواق العربية على الإطلاق. اللعبة لم تحصل حتى على فرصة التصنيف، وتم منعها نهائيًا لكن ربما يتغير ذلك في وقت ما في المستقبل مع خاصة اذا حصلت على نسخة محسنة او ما شابه.
على الطرف الآخر، هناك ألعاب مليئة بالعنف لكنها نجحت في الوصول إلى الأسواق، أحيانًا بعد تعديلات طفيفة أو مع وضع تحذيرات صارمة مثل Resident Evil و Mortal Kombat. وهذا يوضح أن الرقابة لا تتبع دائمًا قاعدة واحدة صارمة، بل تعتمد على مزيج من عوامل المختلفة والتي ترتكز في الأساس على النقاط الثلاثة التي تطرقنا اليها بالأعلى.
مع قدوم ألعاب حديثة في السنوات الأخيرة، أصبح موضوع الرقابة أكثر تعقيدًا. فمع الإعلان عن GTA 6 مثلًا، بدأ الجدل مبكرًا حول إمكانية فسحها أو منعها، خصوصًا بعد التغيرات الدراماتيكية التي حصلت مع لعبة GTA 5 التي حصلت على الفسح بعد أكثر من 12 عام من إصدارها.
كيف يتعامل اللاعب العربي مع الرقابة؟
رغم وجود أنظمة واضحة تضبط سوق الألعاب في المنطقة، إلا أن الواقع أظهر أن بعض اللاعبين ما زالوا يحاولون الالتفاف على هذه القيود بطرق مختلفة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بألعاب ذات شهرة عالمية.
لكن هذه الممارسات ليست بلا ثمن، إذ إنها:
- تضعف السوق المحلي الرسمي، مما يقلل من فرص جذب شركات النشر للاستثمار في المنطقة.
- تؤخر التعريب والدعم الفني العربي، لأن الشركات تقيس حجم السوق من خلال المبيعات المحلية الرسمية.
- تؤثر سلبًا على صورة اللاعب العربي أمام الشركات العالمية، حيث يظهر وكأنه غير معتمد على السوق الإقليمي.
في المقابل، حين يتم فسح لعبة كبيرة وتتوفر رسميًا في المتاجر المحلية، ينعكس ذلك بشكل إيجابي جدًا على التجربة، مثلما رأينا مع عناوين ضخمة دعمتها الشركات بالتعريب الكامل وخوادم محلية.
ماذا يعني هذا للاعب العربي؟
الرقابة على الألعاب في العالم العربي ليست مجرد إجراء إداري، بل هي جزء أساسي من تجربة اللاعب اليومية. فكل عنوان جديد يثير حماس العالم، يتحول عند اللاعب العربي إلى سؤال “هل سأتمكن من لعبه رسميًا؟ أم سأواجه المنع أو التأجيل؟”
هذا الواقع يجعل اللاعب في منطقتنا يعيش دائمًا بين رغبة في مواكبة العالم وبين ضرورة الالتزام بالقوانين المحلية التي تعد هي الأخرى مهمة وضرورية. البعض يرى في الرقابة وسيلة لحماية القيم المجتمعية، والبعض الآخر يراها عائقًا أمام حرية التجربة. لكن ما لا يختلف عليه اثنان هو أن هذه القرارات تؤثر بشكل مباشر على:
- تجربة اللاعب الفردية (من حيث توفر الألعاب وسرعة وصولها).
- السوق المحلي للألعاب (من حيث المبيعات والاستثمار).
- نظرة الشركات العالمية للمنطقة العربية (من حيث دعم التعريب أو إطلاق ألعاب حصرية).
مع مرور الوقت، ومع تزايد وعي اللاعبين وتطور سوق الألعاب العربي، من الممكن أن نرى توازنًا أفضل بين الحفاظ على القيم وبين تمكين اللاعبين من خوض تجارب متكاملة. وهذا ما بدأنا نراه بالفعل خلال السنوات الأخيرة بعد ان توسع قسم الرقابة التابع لهيئة الاعلام السعودية واصبح هناك عدة فرق تقوم بهذا الدور الرائع ونتوقع ان تكون هناك شواهد أخرى كثيرة على مدى هذا التحسن والتوسع.