قبل أن تبدأ اللعبة، وقبل أن يظهر شعار Sony Computer Entertainment، كان هناك شيء واحد يجعل ملايين اللاعبين حول العالم يتجمدون في لحظة صمت، إنه صوت تشغيل جهاز PS1. ذلك المزيج الغامض من الصدى والطنين والنغمة المعدنية العميقة لم يكن مجرد صوت تمهيدي، بل قطعة موسيقية قصيرة حملت فلسفة كاملة عن هوية PlayStation الأولى.
كيف ولد الصوت الذي غير كل شيء؟
في عام 1994، كانت شركة سوني تستعد لإطلاق جهازها المنزلي الأول، PlayStation. ضمن التحضيرات النهائية، تم تكليف مهندس الصوت تسوكاسا تاكيموتو بمهمة بسيطة في الظاهر وهي تصمبم صوت التشغيل. لكن تاكيموتو لم ينظر إليها كمهمة تقنية، بل أراد أن يجعل منها تجربة عاطفية.
كان يريد أن يشعر اللاعب بشيء مختلف تمامًا عن أي جهاز سابق. أن يسمع الصوت فيعرف فورًا أنه يدخل عالمًا جديدًا، عالم PlayStation.
تصميم صوت PS1.. كيف تم؟!
صوت تشغيل جهاز PS1 تم تأليفه في استوديوهات سوني باستخدام مزيج من التقنيات الرقمية والتناظرية، ولم يعتمد على أي نغمة جاهزة أو عينة صوتية. الصوت مكون من ثلاث مراحل رئيسية:
- الطنين الغامض (الافتتاحية): مصدره ضجيج أبيض (White Noise) تمت معالجته عبر مؤثر Reverb عميق جدًا. والنتيجة: إحساس بالغموض والانغماس وكأن الجهاز يفتح بوابة إلى بعدٍ آخر. هذه الطبقة هي ما يجعل الصوت يبدو شبه كوني أو فضائي.
- النغمة الصاعدة (مرحلة الترقب): تم بناؤها باستخدام سلم ميكروتونال، نغمات تقع بين النوتات الموسيقية المعتادة. هذا ما يمنح الصوت إحساسًا بالتوتر وعدم الاستقرار، وكأن شيئًا عظيمًا على وشك الحدوث. نفس التقنية تُستخدم اليوم في موسيقى الأفلام التي تثير القلق أو الغموض.
- الـ Chime النهائي (لحظة النجاح): نغمة صافية وواضحة، ترمز إلى أن الجهاز نجح في قراءة القرص. تعمل كمكافأة نفسية للاعب بعد لحظة الانتظار الأولى.
هذا التباين بين التوتر ثم الراحة جعل الصوت محفورًا في ذاكرة جميع اللاعبين حول العالم، وبتذكرونه إلى يومنا هذا وحتى في المستقبل.
عندما تتحدث التكنولوجيا بلغة الإحساس في التسعينات، كانت أجهزة الألعاب تُعامل كمنتجات تقنية بحتة. لكن سوني أرادت أن تجعل من PS1 تجربة حسية متكاملة، صورة وصوت وشعور. ولهذا، تم تصميم صوت التشغيل كجزء من هوية العلامة التجارية، ليعبر عن ثلاث قيم أساسية:
- الغموض: أنت تدخل عالماً جديداً لم تجربه من قبل.
- القوة: هذا ليس جهاز ألعاب بسيطًا، بل منصة ترفيه متكاملة.
- الانتماء: الصوت يُميزك كلاعب في عائلة PlayStation.
الوجه الآخر لصوت PS1، الجزء المرعب!
ما لا يعرفه الكثيرون أن نفس الصوت يمكن أن يصبح مرعبًا إذا فشل الجهاز في قراءة القرص. في تلك الحالة، لا تُكمل النغمة طريقها، ويظل الصدى يتردد بشكل غير منتظم، مسببًا شعورًا مزعجًا… الكثير من لاعبي التسعينات يتذكرون تلك اللحظة كواحدة من أكثر التجارب المقلقة في طفولتهم! 😅
تحليل موسيقي فاجأ الكثير من المختصين
عند تحليل ترددات صوت تشغيل PS1 رقميًا، تظهر ملاحظة مثيرة، فالنغمة الأساسية تبدأ عند حوالي 261Hz (قريبة من نغمة C4)، لكنها تنحرف تدريجيًا عن السلم التقليدي. أما مؤثر الـ Reverb المستخدم فهو يطيل الصدى إلى أكثر من 8 ثوان، وهذا رقم ضخم مقارنة بأي صوت واجهة في تلك الحقبة.
كذلك تم دمج الصوت النهائي بتقنية 16bit PCM بمعدل 44.1kHz، وهي نفس جودة الأقراص الموسيقية التجارية آنذاك.
بعد مرور أكثر من 25 عامًا، ما زال صوت تشغيل جهاز PS1 أحد أكثر الأصوات تميزًا في تاريخ الألعاب. لم يكن إعلانًا أو شعارًا موسيقيًا، بل مدخل شعوري لعصر جديد في الترفيه المنزلي. حتى اليوم، يستخدمه عشاق الموسيقى في المقاطع التجريبية (Ambient / Vaporwave)، ويدرس في بعض معاهد الصوت كأحد أمثلة التصميم الصوتي النفسي الناجح.
من PS1 إلى PS5، كيف تطور الصوت الذي لا ننساه
مع تطور أجهزة PlayStation 1 عبر الأجيال، تغيرت هوية الصوت لكنها حافظت على جوهرها. PS2 جاء بصوت أكثر دفئًا وعمقًا، والذي يمثل الانتقال إلى عصر الرسومات ثلاثية الأبعاد الحقيقي. PS3 قدم نغمة أنيقة وراقية، تعكس صورة الجهاز كمنصة ترفيه راقية. PS4 اتجه نحو البساطة والسرعة، بإيقاع قصير يتناسب مع تجربة واجهة المستخدم الحديثة. أما PS5 فقد جمع بين الهدوء والنقاء، مع صوت ناعم يشبه فتح صفحة جديدة في عالم الألعاب.
ورغم هذا التطور، ما زال صوت PS1 يحتل مكانة خاصة في ذاكرة اللاعبين، لأنه لم يكن مجرد شعار صوتي، بل أول لمسة سحرية من جيل صنع ثورة حقيقية في صناعة الألعاب.
