لعبة GTA 6 هي واحدة من أكثر الألعاب المنتظرة في تأريخ صناعة الألعاب منذ إطلاق البقرة الحلوب GTA 5 في 2013، فقد اكتسبت السلسلة شهرةً عالمية بفضل عالمها المفتوح والقصص المثيرة التي تدمج السخرية الاجتماعية والدراما، لكن مع بداية القرن الواحد والعشرين بدأ نسيم التساؤلات يلوّح في الأفق حول الاتجاه المستقبلي لهذه السلسلة المبدعة، في هذا المقال سنتناول التحولات التي تشهدها روكستار من المطور الرئيسي للسلسلة والتغيرات التي قد تطرأ على الجزء القادم من السلسلة Grand Theft Auto VI إلى التخوف من فقدان الهوية الإبداعية وكذلك الجوانب المضيئة التي تبعث الأمل في إنعاش هذهِ الصناعة.
★البطولة النسائية: خطوة نحو الحداثة أم تغريب للسلسلة؟
أحد التغييرات الجذرية في GTA 6 هو تقديم أول بطولة نسائية قابلة للعب في تأريخ السلسلة فهذه خطوة وصفها البعض بأنها ضرورية لرواية قصص جديدة ومنفتحة، ولكن بعض المعجبين يشككون في هذه الخطوة ويرون أنها قد تكون مجرد محاولة من روكستار لمواكبة تطورات العصر والتوجهات الثقافية المعاصرة، خاصة مع زيادة الإهتمام في الإعلام بمنح النساء مساحة أكبر في الألعاب الكبرى.
في الواقع فكرة البطولة النسائية في سلسلة GTA ليست جديدة، ففي الفترة بين عامي 2011 و2012 سُئل دان هاوسر المؤسس المشارك لـ روكستار والكاتب عما إذا كانت السلسلة ستبرز بطولة نسائية ليرد قائلاً:
“لا مانع إذا دعت القصة لذلك”
البطولة النسائية في GTA 6 ستكون جزءاً من ثنائية بطلة وبطل حيث سيتم تقديم شخصية نسائية تُدعى فانيسا وشخصية أخرى تُدعى جيسون مما يتيح للاعبين التبديل بين الشخصيتين خلال تقدمهم في اللعبة، ولكن هذا الاختيار يُثير تساؤلات حول ما إذا كان سيؤثر على الأسلوب الكوميدي الإجتماعي الذي اشتهرت به السلسلة .. كيف ستواكب اللعبة متطلبات الجمهور المتنوع والمتزايد؟ وهل ستتمكن من التوفيق بين هذه التحديثات والتقاليد التي جعلت السلسلة محبوبة لعقود؟
★مغادرة دان هاوسر: هل تفقد روكستار رؤيتها المبدعة؟
دان هاوسر هو أسم إرتبط ارتباطاً وثيقاً بنجاح GTA حيث كان العقل المدبر وراء الكثير من القصص التي جذبت ملايين اللاعبين، مغادرته المفاجئة للشركة في عام 2020 أثارت العديد من التساؤلات حول مستقبل السلسلة، وعلى الرغم من أن هاوسر لم يغادر العمل على GTA 6 فحسب بل كان أيضاً الشخص الذي أنشأ عوالم القصص التفاعلية التي لطالما جعلت GTA مميزة، غيابه يثير القلق حول ما إذا كانت روكستار ستتمكن من الحفاظ على أسلوب السلسلة في عالم مليء بالتغيرات المتسارعة.
إلى جانب مغادرته غادر أيضاً مايكل أونسوورث أحد الكتاب الرئيسيين الذين شاركوا في GTA 4 و GTA 5 وهو ما زاد من حالة القلق حول مستقبل السلسلة، وهذا النزيف في العقول المبدعة قد يشير إلى تغييرات جذرية في أسلوب الكتابة والإبداع داخل الشركة.
★هل تتحول GTA 6 إلى لعبة “مستيقظة”؟
التحولات الثقافية في روكستار أصبحت أكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة، خاصة مع الإعلان عن GTA 5 المحسّنة في 2022، ففي النسخة الجديدة تم حذف بعض المحتويات التي أعتبرها البعض مسيئة لـ مجتمع الشواذ مما أثار موجة من الانتقادات.
من المعروف أن GTA تتميز بنقدها الساخر والمستفز لكل شيء تقريباً في المجتمع، سواء كان سياسياً أو ثقافياً أو دينياً، لكن يبدو أن الشركة المطورة تسير على خطى شركات أخرى في محاولة لتجنب الجدالات التي قد تضر بسمعتها، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن التغيير نحو محتوى أكثر “حذراً!” قد يساهم في إرضاء فئات أوسع من اللاعبين، حيث يشعر آخرون بأن هذا قد يضر بالهوية الأصلية للسلسلة التي جعلتها محبوبة.
مع زيادة التوجهات السياسية التي تميل نحو الشمولية وحساسية المحتوى، يبرز سؤال مهم حول ما إذا كانت GTA 6 مجرد نسخة “مستيقظة” تفتقر إلى الجرأة والسخرية الحادة التي كانت تشتهر بها السلسلة؟
★الشهادات التي قد تغيّر مستقبل روكستار إلى الأبد
لطالما كانت شركة روكستار رمزًا للحرية الإبداعية، واشتهرت بسخريتها اللاذعة، وروايتها للقصص التي تتجاوز الحدود، ونهجها الجريء في معالجة المواضيع المثيرة للجدل، ومع ذلك أثارت التغييرات الأخيرة في ثقافة الشركة الداخلية مخاوف بشأن مستقبل هذا الإرث.
ويبدو أن أحد العوامل الرئيسية وراء هذا التحول هو اعتماد برامج تدريبية داخلية على نطاق واسع لا سيما شهادة “التحيز اللاواعي”، والتي تزامنت مع رحيل شخصيات إبداعية رئيسية مثل دان هاوسر.
بين عامي 2020 و2021، أكمل ما لا يقل عن 60 موظفًا في روكستار، خاصةً في المناصب العليا، دورة تدريبية حول “التحيز غير الواعي”، وقد تزامنت هذه الفترة أيضًا مع مغادرة دان هاوسر.
يهدف تدريب “التحيز غير الواعي”، كما هو معروض في الدورات المتوفرة على منصات مثل LinkedIn إلى تثقيف الموظفين حول كيفية التعرف على التحيزات اللاواعية ومعالجتها، وعلى الرغم من أن هدفه المعلن هو تعزيز الشمولية إلا أنه تعرض لانتقادات واسعة بسبب طبيعته المثيرة للانقسام.
غالبًا ما تركز الدورة بشكل مفرط على الديناميكيات العرقية والأجندات مما يوحي بأن التحيز مشكلة تقتصر في الغالب على الفئات المتميزة، وخاصةً الموظفين البيض، ويجادل المنتقدون بأن هذا النهج قد يؤدي إلى خلق انقسامات بدلاً من تعزيز الوحدة مما قد ينفّر الموظفين الذين يشعرون بأنهم مستهدفون بشكل غير عادل.
بالنسبة لاستديو روكستار يثير الانتشار الواسع لهذه الشهادة تساؤلات ملحة:
- لماذا تم تنفيذ هذا التدريب على نطاق واسع بالتزامن مع رحيل شخصيات إبداعية رئيسية؟
- هل ساهمت هذه التغييرات في تحول ثقافي أدى إلى خروج عقول مبدعة مثل دان هاوسر و ليزلي بنزيس؟
- هل كان التدريب موجّهًا بشكل غير متناسب لمجموعات ديموغرافية معينة مما قد يؤدي إلى خلق بيئة عمل غير متوازنة؟
من خلال تعزيز إطار عمل يفرض الشعور بالذنب الجماعي أو اللوم، فإن هذه البرامج قد تقوّض البيئة التعاونية والمجازِفة التي لطالما كانت حجر الأساس في نجاح المطور.
★تأثير الشهادات المؤسسية على ثقافة روكستار
إلى جانب تدريب “التحيز غير الواعي”، هناك شهادة أخرى منتشرة داخل روكستار تُعرف باسم “التنوع، والشمول، والانتماء” أو ما تعرف في الإنجليزية DIB وعلى عكس التدريب الأول يبدو أن شهادة DIB أكثر انتشارًا بين الموظفين من مختلف الفئات الديموغرافية.
يهدف هذا التدريب إلى تعزيز الشمولية من خلال نشر الوعي حول التنوع والاحترام في مكان العمل، ولكن على غرار تدريب “التحيز غير الواعي”، تعرّض لانتقادات باعتباره يركز على الامتثال أكثر من الفهم الحقيقي، ويجادل المنتقدون بأن مثل هذه البرامج غالبًا ما تكون مجرد إجراءات شكلية لتعزيز صورة الشركات بدلاً من إحداث تغيير حقيقي.
بالنسبة لشركة مثل روكستار التي اشتهرت بسردها الجريء واستعدادها لتحدي المعايير الاجتماعية قد يكون اعتماد مثل هذه المبادرات تأثيرات خطيرة، فالتركيز المفرط على “الصواب السياسي” وإدارة الصورة المؤسسية قد يثبط المخاطرات الإبداعية، مما يخنق الروايات الجريئة التي جعلت منها قوة رائدة في صناعة الألعاب.
يشير التحول الثقافي داخل الشركة المتأثر بهذه البرامج التدريبية إلى تساؤلات جوهرية حول مستقبل الشركة، فإذا أولت روكستار الأولوية للمبادرات الشمولية التي تميل إلى الفرض الأيديولوجي بدلاً من تعزيز الإبداع المفتوح فإنها تخاطر بتنفير الموظفين وقاعدتها الجماهيرية المخلصة.
تم بناء إرث روكستار على السخرية والجرأة وروح التحدي، وإن تزايد تأثير التدريب الأيديولوجي المدفوع من قبل الشركات يثير مخاوف بشأن ما إذا كانت ألعاب الشركة المطورة المستقبلية ستحتفظ بنفس الروح أم ستصبح أكثر تحفظًا لتناسب ثقافة الشركة الجديدة.
★هل سيستمر الإرث أم تتحول اللعبة إلى شيء مختلف؟
رغم كل هذه التحديات والتساؤلات لا يزال هناك أمل كبير في أن GTA 6 ستبقى وفية لجذورها، فوجود روبرت همفريز الكاتب الذي كان وراء نجاح Red Dead Redemption 2 يُعد مؤشراً إيجابياً، ووجوده في الفريق الإبداعي يبعث على الأمل بأن اللعبة قد تحتفظ بالروح التي جعلت السلسلة أسطورية.
إلا أن التحديات التي تواجه روكستار بدءاً من مغادرة الأسماء اللامعة وصولاً إلى التغيرات الثقافية داخل الشركة قد تجعل من GTA 6 لعبة مختلفة عن سابقاتها، فهل ستكون هذه التغيرات إيجابية أم ستؤدي إلى فقدان الهوية التي تميزت بها السلسلة؟ لا يمكننا إلا أن ننتظر ونرى.
★هل ستظل GTA 6 هي اللعبة التي نعرفها؟
لا شك أن GTA 6 ستكون تجربة مثيرة وفريدة لكن التغيرات التي تشهدها روكستار قد تترك أثرًا كبيرًا على اللعبة سواء كانت هذه التغييرات في الكتابة، الشخصيات، أو التوجه الثقافي العام، يبقى السؤال الأهم: هل ستظل اللعبة تحمل نفس الجرأة والتميز الذي جعل GTA 5 لا تُنسى؟ الأيام المقبلة قد تكشف عن الكثير، ولكن في النهاية ستبقى GTA 6 لعبة لا يمكن تجاهلها.