في خضم موجة ألعاب الرعب الحديثة التي تتفاخر برسوماتها والتفاصيل الدقيقة والواقعية، يظل هناك صدى لصرخات مكتومة يتردد من أعماق الماضي، من سفينة صيد روسية مهجورة تتقاذفها أمواج عاصفة هوجاء في شمال المحيط الهادئ، وهي مسرح الأحداث المرعبة للعبة Cold Fear من المطور الفرنسي المستقل Darkworks ونشر يوبيسوفت، جوهرة رعب البقاء المنسية التي صدرت عام 2005.
هذه اللعبة تستحق أن يسلط عليها الضوء مجددا احقاقا لها ولأفكارها المبتكرة وعروضها السينمائية المثيرة، وهي فرصة لإكتشافها من قبل كل من يبحث عن جرعة أصيلة من الرعب الممزوج بالنوستالجيا، وعن أجواء البحار المظلمة التي تخفي خلفها طرعة رعب محترمة،
وفي حقيقة، لم نرى الكثير من ألعاب الفيديو التي قدمت نفس الأفكار سوى القليل للغاية، وإن كان، فلم يكن بنفس الآلية.
كابوس في عرض البحر وأجواء مرعبة وطفيليات لا تعرف الرحمة
في Cold Fear، لا يواجه اللاعبون وحوشًا من عوالم أخرى أو أشباحًا تسكن القصور المسكونة التقليدية، بل يجدون أنفسهم في مواجهة عدو أكثر إثارة للاشمئزاز ورعبًا، متمثلا في طفيليات غريبة تُحول البحارة والعاملين في السفينة إلى مسوخ دموية لا تعرف الرحمة.
أنت كلاعب، ستتقمص دور توم هانسن، خبير الإنقاذ البحري التابع لخفر السواحل الأمريكي، والذي يتم إرساله للتحقيق في نداء استغاثة مبهم ينبعث من سفينة روح الشرق، وما يبدأ كمهمة إنقاذ روتينية، تتسارع الاحداث بسرعة خاطفة، وتتحول الى كابوس بقاء مرعب، حيث كل ظل يُخفي خطرًا، وكل صوت يُثير الرعب في الأعماق.
ما يميز Cold Fear حقًا ويجعلها فريدة في نوعها هو أجواؤها الخانقة التي يغوص بها اللاعب منذ اللحظة الأولى، وجرعة من الشعور بالوحدة، فلن تستمع في معظم الأحيان سوى لصوت جهاز الاتصال الخاص بك، وكلما تتعمق اكثر ، ستكتشف المزيد من أسرار القصة.
والسفينة الضخمة المهجورة التي تصطدم بالرياح على جنباتها وتضربها الأمواج الهائجة بلا هوادة، ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي بحد ذاتها جزء أساسي من أجواء القصة، وشريك فعال في بث الرعب. اهتزاز السفينة المستمر بفعل الأمواج يجعل الحركة والتصويب تحديًا حقيقيًا، ويضيف مزيد من التوتر والارتباك إلى كل مواجهة.
فمجرد محاولة تثبيت نفسك أثناء إطلاق النار على وحش يترنح بينما تتأرجح الأرض تحت قدميك تُعد تجربة مبتكرة ومثيرة لا تُنسى وتُدخل اللاعب في حالة من القلق الدائم.
تُساهم الإضاءة الخافتة بشكل مخيف وبقع الدماء المتناثرة على الجدران والأرضيات، والأصوات المريبة التي تنبعث من داخل السفينة في خلق شعور دائم بالترقب والخطر الذي قد يكمن في أي زاوية.
والرعب هنا ليس مجرد قفزات مفاجئة مبتذلة، بل هي رعب مركب أساسه تصميم الاعداء المقزز وهجماتها العنيفة، بالإضافة إلى حركة السفينة المتمايلة بشكل جنوني، والطفيليات تلتصق بأجساد الضحايا بطرق بشعة، وتُحولهم إلى كائنات سريعة وقاتلة تتطلب منك قتال ادارة حكيمة للذخائر رغم توفرها، لكن قوة الاعداء تحتاج منك تصويب دقيق وتحكم في كل طلقة، وتفكيرًا سريعًا للبقاء على قيد الحياة.
نظام قتال فريد وتحدي حقيقي للبقاء
على عكس العديد من ألعاب الرعب الأخرى التي تعتمد بشكل كامل على ندرة الذخيرة، لا تتبع Cold Fear هذا المسار بشكل مطلق، حيث يمتلك هانسن مجموعة من الأسلحة المتنوعة، بدءًا من المسدسات وصولاً إلى الفأس، ولكن اللعبة تُشجع على استخدام البيئة المحيطة كجزء أساسي من استراتيجية البقاء.
يمكنك تفجير براميل الغاز المتناثرة، أو إطلاق النار على الكائنات لجعلها تسقط في البحر الهائج، مستغلاً كل عنصر من حولك لصالحك في المعارك الشرسة.
لماذا بقيت Cold Fear في الظل كجوهرة منسية؟
على الرغم من أجوائها المميزة التي تُشعل الأعصاب ونظام القتال المبتكر الذي يُجبرك على التفكير، لم تحقق Cold Fear نجاحًا تجاريًا كبيرًا في وقت إصدارها، وربما يعود ذلك إلى تزامن إصدارها مع عناوين رعب بقاء أخرى أكثر شهرة وهيمنت على السوق، مثل Resident Evil 4، أو ربما بسبب صعوبة تسويق فكرتها الفريدة والواقعية بشكل فعال لجمهور واسع.
ونتيجة لذلك، تلاشت اللعبة تدريجيًا من الذاكرة الجماعية للاعبين، وبقيت جوهرة منسية تنتظر من يُعيد اكتشافها.
هل حان الوقت لـ Cold Fear أن تتألق من جديد؟
في عصر الريماسترات والريميكس التي تُعيد إحياء كلاسيكيات الماضي، تستحق Cold Fear فرصة جديدة للتألق والعودة إلى الواجهة.
فأجواؤها الفريدة من نوعها، ونظام قتالها الذي لا يزال ممتعًا، وقصتها المظلمة والمثيرة، لا تزال قادرة على تقديم تجربة رعب بقاء لا تُنسى، وتنافس بقوة العديد من الألعاب الحديثة في هذا التصنيف.
إذا كنت من محبي ألعاب الرعب وتبحث عن تجربة مختلفة ومثيرة توترك لأقصى درجة، وتُبعدك عن المألوف، فلا تتردد في الغوص مجددا في أعماق Cold Fear، فقد تجد نفسك تجاهد للبقاء على قيد الحياة في هذا الكابوس البحري المنسي.