في الوقت الذي أصبحت فيه الألعاب تتجاوز حدود الترفيه لتتحول إلى تجارب عميقة مملوءة بالإثارة، تبرز عادة جديدة بين ملايين اللاعبين حول العالم وهي مشاهدة الآخرين وهم يلعبون بدلًا من خوض التجربة بأنفسهم؟
على منصات مثل YouTube وTwitch، لم يعد الأمر مقتصرًا على “تختيم لعبة” أو بث عابر، بل تحول إلى صناعة كاملة تدر ملايين الدولارات، وتشكل مجتمع ضخم يجلس فيه اللاعب والمتفرج جنبًا إلى جنب على نفس الطاولة الرقمية.
الأغرب من ذلك أن الظاهرة لم تعد حكرًا على الغرب؛ بل بدأت تجد صدى واسعًا بين اللاعبين العرب، حيث أصبح الكثيرون يكتفون بمتابعة قصص الألعاب الكبيرة من خلال البثوث والفيديوهات دون حتى شراء اللعبة. فما الذي يدفعهم لذلك؟ وهل المشاهدة يمكن أن تكون بديلاً حقيقياً للعب؟
لماذا يفضل بعض اللاعبين المشاهدة بدل اللعب؟
مع تزايد انتشار منصات البث مثل Twitch وYouTube Gaming، بدأنا نلاحظ ظاهرة مثيرة وهي أن كثير من اللاعبين أصبحوا يفضلون الجلوس أمام الشاشة لمتابعة “تختيم” الألعاب بدل خوضها بأنفسهم. وهناك أربعة أسباب رئيسية يمكن أن تفسر هذا التوجه الجديد داخل مجتمع اللاعبين، وتأتي على النحو التالي:
1- القصص أقوى من أسلوب اللعب
هناك فئة كبيرة من اللاعبين الذين يرون في الألعاب الحديثة أشبه ما تكون بالأفلام التفاعلية. بالنسبة لهم، وما يهم هنا هو متابعة القصة والشخصيات وليس خوض التحديات أو التحكم في اللعبة. ألعاب مثل The Last of Us أو Detroit: Become Human أثبتت أن كثيرين يكتفون بمتابعة القصة من خلال مقاطع التختيم الكامل، وكأنهم يشاهدون مسلسل طويل بجودة سينمائية.
2- الوقت والتكلفة
اللاعب المعاصر يواجه معضلتين هما قلة الوقت وارتفاع أسعار الألعاب. بالنسبة لشخص يعمل أو يدرس، قد يكون من الأسهل له أن يخصص ساعة لمشاهدة بث مباشر، بدلًا من استثمار عشرات الساعات في لعب لعبة طويلة مثل Elden Ring.
كذلك، بدلًا من إنفاق 70 دولار على لعبة، يمكنه ببساطة متابعة مجريات أحداثها عبر أحد قنوات البث من أحد المؤثرين المفضلين أو حتى مشاهدة فيديو بدون أي تعليق.
3- متعة التفاعل مع المؤثرين
البثوث على منصات مثل Twitch وYouTube لا تقتصر على عرض اللعبة فقط؛ بل تضيف عنصر التفاعل المباشر مع المؤثرين. الضحك والتعليقات الطريفة وحتى النقاشات الجانبية تجعل التجربة مختلفة تمامًا عن مجرد اللعب الصامت لوحدك.
4- تجنب الإحباط أو الصعوبة
بعض الألعاب مصممة لتكون صعبة ومحبطة، مثل سلسلة Dark Souls. هناك فئة لا تملك الصبر أو المهارة لتجاوز هذه التحديات، لكنها مع ذلك لا تريد تفويت التجربة. هنا تصبح المشاهدة الحل الأمثل حيث يقوم بمتابعة التقدم في اللعبة والإنجازات من خلال الآخرين دون المرور بمعاناة المحاولات المتكررة.
هل المشاهدة تغني عن اللعب؟
رغم أن متابعة تختيم الألعاب عبر منصات البث تمنح تجربة ممتعة وغنية بالمشاعر، إلا أنها لا تعوض بالكامل متعة الإمساك بذراع التحكم وخوض المغامرة بنفسك. اللعب يمنح شعور الإنجاز والتحدي واتخاذ القرارات بشكل شخصي، وهي عناصر لا يمكن الحصول عليها بمجرد المشاهدة.
لكن في المقابل، المشاهدة تعتبر تجربة مكملة وليست بديلاً، فهي تفتح الباب أمام من لا يملك اللعبة أو لا يمتلك الوقت أو المهارة ليستمتع بجوها العام وقصتها. بكلمات أخرى، نحن أمام طريقتين مختلفتين للاستمتاع بنفس العالم، واحدة نشطة وتفاعلية عبر اللعب وأخرى سلبية لكنها اجتماعية ومباشرة عبر المشاهدة.
سيكولوجية تفضيل المشاهدة على اللعب
من منظور نفسي، يندرج تفضيل مشاهدة الألعاب تحت ما يعرف بـ “التجربة بالوكالة” أو “Vicarious Experience“، حيث يعيش الإنسان شعور الإنجاز أو المتعة من خلال شخص آخر يقوم بالفعل. تمامًا مثل متابعة مباراة كرة قدم، كثير من المشاهدين لا يلعبون كرة قدم بأنفسهم، لكنهم يشعرون بالحماس والانغماس بمجرد المتابعة.
إضافة إلى ذلك، تلبي مشاهدة “تختيم الألعاب” عدة احتياجات نفسية مثل:
- الإشباع الفوري حيث أن اللاعب لا يحتاج لبذل جهد أو مواجهة إحباط الفشل داخل اللعبة، بل يستمتع بالنتيجة مباشرة.
- التواصل الاجتماعي من خلال البثوث المباشرة والدردشات التي تمنح شعورًا بالانتماء للمجتمع، وهو عنصر نفسي قوي خاصة عند المراهقين والشباب.
- الهروب من الضغوط حيث أن البعض يرى في المشاهدة وسيلة للاسترخاء بعد يوم طويل بدل الدخول في تحديات مرهقة.
هذه العوامل مجتمعة تجعل المشاهدة خيارًا جذابًا لا يقل قيمة عن اللعب نفسه، بل في بعض الحالات يتفوق عليه من حيث الراحة والسهولة.
أين هو للاعب العربي من هذه الظاهرة؟
بالنسبة للاعب العربي، ظاهرة متابعة تختيم الألعاب عبر منصات مثل يوتيوب وتويتش تحمل أبعادًا خاصة. فالكثير من الألعاب قد تكون باهظة الثمن مقارنة بمتوسط الدخل، أو قد تواجه قيودًا تنظيمية تجعل الحصول عليها صعبًا. هنا تتحول المشاهدة إلى بوابة بديلة تمنح اللاعب فرصة الدخول في أجواء اللعبة، متابعة قصتها، وفهم عالمها دون الحاجة لشرائها.
كما أن المجتمع العربي بطبيعته اجتماعي، لذلك يفضل الكثيرون متابعة “ستريمر” محلي أو عالمي والتفاعل معه ومع الجمهور في الدردشة، بدلًا من خوض التجربة بمفردهم. هذا يعكس ميلًا أكبر إلى جعل الألعاب وسيلة للتواصل أكثر من كونها مجرد نشاط فردي. ومع انتشار المقاهي الإلكترونية والاهتمام المتزايد بالبثوث المحلية، يبدو أن ظاهرة اللعب بالمشاهدة لن تكون مجرد موضة عابرة، بل ربما تصبح جزءًا أصيلًا من الثقافة الترفيهية عند جيل كامل من اللاعبين العرب.