الاقتراب من عمل أسطوري تم تخليده في عالم ألعاب الفيديو ليس بالأمر السهل، خصوصًا إذا كان من توقيع مبدع مثل هيديو كوجيما، Metal Gear Solid 3: Snake Eater التي طالما اعتُبرت تحفة مكتملة لا تحتمل اللمس أو حتى اللمز، ولسنوات، كان مجرد التفكير في عمل ريميك لها يثير قلق الجماهير، وربما يثير سخرية البعض! لكن مع Metal Gear Solid Delta: Snake Eater، بدا وكأن الإجابة قد وُجدت أخيرًا.
وبدلًا من الاكتفاء بإعادة تقديم القصة الكلاسيكية فقط، جاءت النسخة الجديدة لتُعيد صقل هذه الأسطورة بلمسة تقنية معاصرة بأحدث المحركات، مع تطورات في أسلوب اللعب تضيف عمقًا وحيوية. والنتيجة؟ تجربة لا تبدو مجرد “إعادة انتاج” أو مجرلاد “ريميك” بل خطوة تليق بالإرث الذي تحمله السلسلة، وتفوقت على نفسها.
كان عام 2004 استثنائيًا حين قلب هيديو كوجيما الطاولة على كل منافسيه بمشاركتنا أول إعلان خلال معرض E3 2003، لعبة MGS 3 الأصلية على جهاز PS2، والتي أصبحت درة تاج هذا الجهاز، حينها ولأول مرة صدمت بما رأيته من معالم البيئة الجديدة التي ستستخدم في الجاسوسية، حيث قدم العرض آنذاك بيئة الغابة الجديدة، وآليات التمويه الفريدة، والميزات الجديدة الأخرى، ولقطات سينمائية للقصة، حينها.. شعرنا أن كوجيما شخص من كوكب آخر.
مراجعة وتقييم Metal Gear Solid Delta: Snake Eater
أخيرًا، وبعد سنوات من الانتظار والترقب، حصلنا على مرادنا وفرصة جديدة قد لا نحصل عليها سوى مرة أو اثنتان في حياتنا القصيرة، وهي تجربة Metal Gear Solid Delta: Snake Eater التي استطاعت أن تتفوق على أصلها بمرات عديدة. نعم تفوقت على نفسها، وفعلتها كونامي هذه المرة كما حدث مع ريميك سايلنت هيل، واختارت الفريق المناسب لهذه المهمة الشبه مستحيلة.
مراجعتي هذه ستميل الى الجانب الفلسفي والشعوري أكثر من الجانب التقني، لأن الأخير في هذه التجربة لا يحتاج الى أي ملاحظات، ولن اتجرأ على نقد أو مجرد البحث عن الشوائب، وهي موجهة أكثر للاعبين القدامي أكثر من اللاعبين الجدد، فإذا كنت لاعبًا جديدًا على السلسلة، توجه مباشرة في نهاية هذه المراجعة لقسم السلبيات والايجابيات، وهنا حينها قد لا أستطيع إيصال المشاعر المشتركة التي اتقاسمها مع لاعبي النسخة الأصلية لهذه التحفة الفنية على مر العصور.
تنويه😅: نسيت أن أقول، لا توجد سلبيات، فالتجربة بأكملها ايجابية بالكامل.
عندما يُعاد صقل الأسطورة دون فقدان روحها
لم تكن Metal Gear Solid 3 عند صدورها عام 2004 مجرد جزء جديد في السلسلة، بل محطة فارقة أعادت رسم معايير ألعاب التسلل والبقاء. ومع عودتها اليوم بنسخة مُعاد تطويرها تحت عنوان Delta: Snake Eater، لم يكن الهدف إعادة اختراع العجلة، بل الحفاظ على جوهر التجربة التي أحبها اللاعبون، مع تقديمها بوجه تقني أكثر إشراقًا. ما فعلته كونامي هنا هو عملية صقل دقيقة بكل المعايير، تمثلت في الاحتفاظ بالهوية الأصلية التي جعلت اللعبة أسطورة معروفة ليومنا هذا، وفي الوقت نفسه إكسابها كل ما يمكن من عناصر وأدوات بصرية وميكانيكية حديثة تضعها في مستوى يليق بجمهور هذا الجيل، واستغلاب حقيقتًا كيف يمكن لكونامي ان تختار فرقها التي تبدع في استغلال صدارع المطورين، محرك Unreal Engine 5 المليء بالمشاكل.
أحد أبرز عناصر التميز في هذا الجزء أو حتى اعتبروني أتحدث عن الجزء الأصلي، كان نقله مسرح الأحداث من القواعد العسكرية والبيئات الصناعية كانت الأجزاء السابقة تركز على التخفي في بيئات صناعية مثل القواعد العسكرية سواء على البر أو البحر، ومصانع الأسلحة الصواريخ، بينما نقلي الجزء الثالث إلى الغابات السوفيتية الكثيفة في ستينيات القرن الماضي، وهذا التغيير لم يكن مجرد اختلاف بصري، بل فرض على اللاعب تبني عقلية جديدة في التخفي، فبدلاً من الاختباء خلف صناديق معدنية، بات عليه استخدام نظام التمويه (Camouflage)، والاعتماد على اختيار الزي وطلاء الوجه المناسبين للاندماج مع الطبيعة.
كما أضافت اللعبة نظامًا للبقاء يفرض البحث عن الطعام ومعالجة الإصابات يدويًا، ليصبح كل قرار صغير جزءًا من معركة النجاة الكبرى، وقد رأينا كيف أن الكثير من ألعاب البقاء والجاسوسية التي صدرت بعدها، استلهمت افكار المخضرم كوجيما.
قصة وأسلوب لعب Metal Gear Solid Delta: Snake Eater “القلب النابض للعبة”
بشكل مختصر ودون أي حرق، تدور أحداث اللعبة في عام 1964، حيث يتم إرسال الـ Big Boss الملقب بسنيك الى غابات الاتحاد السوفيتي من أجل إنقاذ الدكتور والعالم النووي يفجيني كازاماتسو، وسرعان ما ستكتشف أن هذه المهمة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه.
لكن القصة كانت وما زالت قلب اللعبة النابض. فهي ليست فقط حكاية تجسس، بل دراما إنسانية عميقة عن الولاء والخيانة، والتضحية. شخصية Naked Snake التي تجد نفسها في مواجهة قدرها، ومعلمته الروحية The Boss، في علاقة معقدة هي من أكثر اللحظات تأثيرًا في تاريخ السلسلة، والممزوجة باللحظات الفلسفية التي اشتهر بها المخرج هيديو كوجيما، تجعلنا لا ننسى هذه القصة التي تركتب بصمتها في أذهان اللاعبين، وبفضل الحوارات المحكمة والإخراج السينمائي المبهر، شعرت أول مرة، ومرة أرى بأنني أعيش تجربة تتجاوز حدود ألعاب الفيديو التقليدية، تجربة وضعتني في مواجهة أسئلة أكبر من مجرد “من ينتصر” ولمن ننتصر؟
أما على مستوى أسلوب اللعب والابتكار، فكانت اللعبة سباقة في تقديم نظام القتال القريب (CQC) الذي جمع بين فنون الدفاع عن النفس واستخدام الأسلحة بطرق تكتيكية متقنة، وفي هذا الجزء بالتأكيد كان هناك تحسينات مبتكرة أعطت طعمًا مختلفًا يمكن اعتباره ببهارات.
هذا النظام أتاح إمكانيات متنوعة وثرية وممتعة، مثل استجواب الأعداء أو خنقهم أو استخدامهم كدروع بشرية، وهذا كله عزّز عمق التجربة التكتيكية للعبة متيال جير، وأضف إلى ذلك معارك الزعماء التي لم تتكرر الى يومنا هذا، التي لم تكن مجرد اختبارات قوة، بل ألغاز استراتيجية متقنة التصميم، مثل معركة “The End” الأسطورية، التي ما تزال حتى اليوم مثالًا على الجرأة الإبداعية في تصميم المواجهات.
ما يجعل Metal Gear Solid Delta: Snake Eater مثيرة للاهتمام ليس فقط إعادة تقديم واحدة من أعظم ألعاب التاريخ بوجه تقني حديث، بل تذكير اللاعبين بأن هناك لحظات نادرة في الصناعة يُعاد تعريف حدودها. وإذا نجحت النسخة الجديدة في الحفاظ على هذا المزيج من التسلل، الدراما، والابتكار، فإنها قد لا تكون مجرد ريميك عابر بل بعثٌ جديد لأسطورة لن تموت ذكراها وجددت مجدها.
إذا كنت ترغب في استخدام أسلوب التسلل دون طلقة واحدة، نعم تستطيع ذلك وبعدة طرق ابداعية، أما إذا أردت تفجير وقتل كل شيء حولك، وتبدأ بإطكلاق الرصاص والمتفجرات، أيضًا نعم تستطيع ذلك وبمتعة وستنجح في اتمام المهمة، ولكن مع عواقب قد لا تتوقعها أحيانًا.
مراجعة وتقييم Metal Gear Solid Delta
الإيجابيات
- اللعبة قدمت توجهًا فريدًا يركز على عنصر البقاء في بيئة طبيعية، مع إضافة آليات جديدة مثل نظام التمويه وآليات البقاء (العلاج والبحث عن الطعام) ونظام القتال القريب (CQC).
- القصة لا غبار عليها، فهي جذابة عميقة ومعقدة وفلسفية، وهي القلب النابض للعبة، وليست مجرد قصة تجسس عادية سطحية، بل دراما إنسانية عن الولاء والخيانة والتضحية، ولكنها تحتاج الى صبر وتركيز، وخاصة أنها تعطي احساسًا بروابط عاطفية.
- المعارك لا تعتمد على القوة فقط، بل تتطلب ذكاءً واستراتيجية، وكل زعيم يمثل لغزًا خاصًا، وقد أُعطي مثالًا على ذلك بمعركة The End التي يمكن حلها بطرق مبتكرة وعديدة، والمعركة النهائية التي لا ترغب فيها بإطلاق النار على عدوك!
- اللعبة تتمتع برسومات وموسيقى تصويرية وأداء صوتي من بين الأفضل في الصناعة في الوقت الحالي وتجاوزت العديد من المفاهيم، ونجح المطور Virtuos بالتعاون مع كونامي في ذلك بشكل كبير، حيث تم صقل هذا الجانب في النسخة الجديدة باستخدام محرك قدرات Unreal Engine 5.
- تسمح اللعبة للاعبين بالاختيار بين أسلوب التسلل الصامت أو القتال المباشر، وهذا ما أضاف حرية تكتيكية في إتمام المهام.
- إتاحة العديد من الخيارات قبل بدء اللعبة سواء في اختيار نظام الكاميرا يضمن لك تجربة لعب مريحة، سواء كنت تفضل الحنين إلى الماضي أو الاستمتاع بالتحكم العصري، مع بعض اللمسات الحديثة من فلاتر وغيرها، وننصح بشدة بإختيار كل ما هو حديث.
أسطورة وتحفة فنية – 10
10
أسطورة وتحفة فنية
لعبة Metal Gear Solid Delta: Snake Eater ليست مجرد نسخة جديدة من لعبة قديمة، بل هي بمثابة عملية صقل دقيقة لتحفة فنية أسطورية. لم يكتف المطورون بإعادة بناء اللعبة من الصفر، بل انطلقوا من إرث كوجيما ليقدموا تجربة تحافظ على جوهرها الأصيل وتضيف إليه طبقات من التطور التقني واللعب المعاصر. هذا “الصقل” يظهر في كل تفصيلة. لقد أُعيد تصميم العالم الغابي الكثيف بفضل محركات الألعاب الحديثة، ليجعل بيئة التخفي أكثر واقعية وإشراقًا.، حيث تم تحديث آليات اللعب الأساسية، وهذا المزيج من الوفاء للأصل والتطور التقني هو ما جعل Metal Gear Solid Delta تتجاوز التوقعات، وتتحول من مجرد ريميك إلى نسخة نجحت في ضخ دماء جديدة لأسطورة وتحفة فنية معًا.