حققت لعبة Assassin’s Creed Shadows نجاحًا مدويًا منذ إطلاقها، حيث استقطبت أكثر من مليوني لاعب في أيام قليلة وحظيت بتقييمات إيجابية للغاية، إلا أن هذا النجاح لم يأت دون عواصف من الجدل الثقافي التي هزت أركان صناعة الألعاب، وأثارت تساؤلات حول ازدواجية المعايير في التعامل مع الحساسيات الثقافية المختلفة حول العالم.
جدل الساموراي الأسمر وشرارة البداية
كانت شخصية ياسوكي الساموراي الأسمر أولى الشرارات التي أشعلت فتيل الجدل، فبينما رحب بها البعض كتجسيد للتنوع وكسر للصورة النمطية، اعتبرها آخرون تحريفًا للتاريخ وتزييفًا للهوية الثقافية اليابانية، وهذا الجدل سلط الضوء على حساسية بعض الثقافات تجاه أي تغيير في رموزها التاريخية، ومدى استعداد صناعة الألعاب لتقبل هذه الحساسية.
لم يتوقف الجدل عند حدود الشخصيات التاريخية، بل امتد ليشمل تصوير المواقع الدينية في اليابان، فقد أثارت مشاهد تدمير هذه المواقع في عروض اللعبة غضبًا واسعًا في اليابان، وصل إلى حد تعليق رئيس الوزراء الياباني على الأمر في البرلمان، وتصاعدت المخاوف من إمكانية حظر اللعبة في البلاد، وهذه الواقعة كشفت عن مدى أهمية احترام المقدسات والرموز الدينية في مختلف الثقافات، وأن تجاوز هذه الخطوط الحمراء قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على مستوى العلاقات الثقافية والتأثيرات التجارية المحتملة.
ازدواجية المعايير فهل تتساوى الحساسيات؟!
هنا يثور التساؤل الأهم، وهو لماذا يتم التعامل مع الحساسية الثقافية اليابانية بهذه الدرجة من الاهتمام والجدية، في حين يتم تجاهل أو التقليل من شأن الحساسيات الثقافية الأخرى، خاصة العربية والإسلامية في العديد من الألعاب والأعمال الفنية، ألا يحق للاعبين العرب والمسلمين أيضًا أن يروا ثقافتهم وتراثهم ممثلًا بشكل لائق ومحترم، وأن يتم تجنب الصور النمطية المسيئة في العديد من الأعمال السابقة؟
من الطبيعي أن يشعر الأفراد بالاعتزاز بثقافتهم وأن يدافعوا عنها ضد أي إساءة أو تحريف. هذه الحساسية الثقافية هي حق مشروع، ولكن متى تتحول إلى تعصب يرفض أي تمثيل فني أو ترفيهي للرموز الثقافية؟ وهل هناك معايير موحدة لتحديد ما هو مقبول وما هو غير مقبول، أم أن الأمر يخضع لمعايير مزدوجة تعتمد على قوة وتأثير الثقافة المعنية؟
يرى الكثيرون أن ردود الفعل اليابانية تجاه بعض جوانب لعبة Assassin’s Creed Shadows نابعة من حرص مشروع على حماية التراث والهوية الثقافية، بينما يرى آخرون أن هذه الحساسية قد تكون مبالغًا فيها في بعض الأحيان، لكن من منظور هؤلاء، قد يُنظر إلى الاعتراض على وجود شخصية ساموراي أسمر أو تصوير تدمير افتراضي لمواقع دينية في سياق لعبة خيالية على أنه رد فعل حاد وغير متناسب.
ويشير هؤلاء إلى أن العديد من الثقافات الأخرى تتعرض لتمثيلات نمطية أو حتى مسيئة في وسائل الإعلام المختلفة دون إثارة نفس المستوى من الجدل الرسمي والشعبي، وهذا المنظور يرى أن التمسك الصارم بالتفاصيل التاريخية أو الدينية في عمل ترفيهي قد يحد من الإبداع والتنوع في صناعة الألعاب، ويفتح الباب أمام اتهامات بالتعصب أو رفض الآخر لمجرد اختلاف في التفسير أو التمثيل.
ويبقى الجدل الدائر حول لعبة Assassin’s Creed Shadows يمثل نموذجًا حيًا للتحديات التي تواجه صناعة الألعاب في عصر العولمة والتداخل الثقافي، حيث تسعى الشركات لتحقيق النجاح التجاري العالمي، وهنا يجب عليها أيضًا أن تكون واعية ومحترمة للحساسيات الثقافية المختلفة، خاصةً أن تحقيق توازن بين الإبداع الفني والمسؤولية الثقافية هو أمر بالغ الأهمية لبناء جسور من التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب.
لا يمكننا أن ننكر حق اليابانيين في التعبير عن حساسيتهم الثقافية، ولكن ردود الفعل المبالغ فيها تجاه بعض جوانب Assassin’s Creed Shadows، مثل شخصية الساموراي الأسمر أو تصوير افتراضي للمواقع الدينية وغيرها، وجميعها قد تبدو غير متناسبة مع هذا المستوى من الحساسية المفرطة قد يعيق الإبداع ويحد من جاذبية المنتج على المستوى العالمي، وهذا يستدعي ضرورة إيجاد توازن بين احترام الخصوصيات الثقافية والسماح بالتفسير الفني في الأعمال الترفيهية، حتى أن مطور ياباني مخضرم مثل هيديكي كامي هنأ يوبي سوفت على نجاحهم واستهجن الجدل المثار حولها.
نسخة الشرق الأوسط من Assassin’s Creed Shadows منقحة
على صعيد آخر، تدرك شركات تطوير الألعاب بشكل متزايد أهمية مراعاة الحساسيات الثقافية في مختلف أنحاء العالم، فكثيرًا ما تقوم هذه الشركات بإجراء تعديلات على محتوى ألعابها لتناسب المعايير والقيم السائدة في مناطق معينة، سواء تعلق الأمر باللغة أو الصور أو حتى بعض العناصر في القصة، وهذا الوعي المتنامي يعكس فهمًا لأهمية احترام التنوع الثقافي وتجنب أي محتوى قد يسيء إلى شرائح واسعة من جمهور اللاعبين.
وهنا، نجد أن شركة Ubisoft قامت بتعديل نسخة الشرق الأوسط من اللعبة بالتعاون مع هيئة التصنيف العمري للألعاب الإلكترونية بعد فسحها، حيث تم حذف المشاهد التي قد تعتبر مخلة بالآداب أو تتعارض مع القيم الثقافية للمنطقة، وهذه الخطوة تبرز أن الشركات أصبحت أكثر وعيًا بالحساسيات الثقافية في بعض الأسواق، وتسعى لتكييف منتجاتها لتناسب هذه الحساسيات.
ما هي آرائكم حول هذه القضية؟ هل ترون أن هناك ازدواجية في المعايير في التعامل مع الحساسيات الثقافية في صناعة الألعاب؟ وكيف يمكن تحقيق تمثيل ثقافي أكثر عدلاً وإنصافًا في المستقبل؟ شاركونا آراءكم في التعليقات.