عندما يتعلق الأمر بمطورنا المحبوب والماكر هيديو كوجيما، فإن كل عرض هو أكثر من مجرد إعلان للعبة جاسوسية وأكشن، بل يمكننا اعتبارها دعوة للغوص في عالم من الغموض والألغاز، فالعقل الذي طالما استمتع بكسر الجدار الرابع وتحطيم توقعاتنا، يفتح لنا بوابة جديدة مع لعبته المريبة OD، ولا نعلم ما إذا كانت هذه البوابة تقود إلى مجرد لعبة، أم إلى تجربة رعب نفسية تتجاوز حدود الشاشات لتلامس واقعنا.
وها هو العرض الأخير للعبة OD، يأتي ليؤكد هذه الحقيقة، فهو لا يقدم إجابات بقدر ما يغرقنا في بحر من الأسئلة الجديدة، وكأنه قطعة إضافية في أحجية تزداد تعقيدًا وتشابكًا. لكن بين طيات هذا الغموض المتعمد، تتناثر تفاصيل خفية وإشارات مبطنة قد تكون هي الخيط الذي يربط كل شيء ببعضه. في هذه المقالة سنستعرض عدة تفاصيل خفيّة ربما لم تلاحظها في العرض الأخير، تفاصيل قد تكشف عن أسرار دفينة أو روابط مبطّنة مع العرض الأول وتضعنا على عتبة طقسٍ مظلم يتجاوز حدود اللعبة نفسها.
باب بلا مقبض
يبدأ المشهد بباب بلا مقبض كإشارة مبطنة إلى الأسر، إلى مكان لا عودة منه وكأن الشخصية محاصَرة في مكانٍ مغلق، بالإضافة إلى أن النص الافتتاحي المموّه يُخفي كلمة تبدو قريبة من “عالق” او “Trapped” في الإنجليزية.
ما يجعلنا نتساءل أكثر هل نحن أمام طقسٍ شعائري يبتلع ضحاياه أم بداية تذكّرنا بأن ما سنراه ليس مجرد رعب بصري بل لعنة مُحكمة.
الزمن في خيط قماش
رغم غياب أي تصريح رسمي عن زمن الأحداث إلا أن أدق التفاصيل — كالأكمام ذات فتحات الإبهام التي ترتديها البطلة — تعيدنا إلى أجواء التسعينيات حيث ظهرت أول مرة عام 1994 وازدهرت مطلع الألفية، إن اختيار هذه الموضة ليس اعتباطاً فهي لا ترسم ملامح زمن وحسب بل تكشف عن خلفية البطلة نفسها، ربما شابة رياضية عالقة في زمنٍ لم يمضِ عنها بعد.
العيون تراقبك
العيون المرسومة على الجدران ليست مجرد زينة، حيث نلاحظ في العرض وجود عينٍ تُفتح حين تشتعل الشموع، وتُغلق حين تذوب لتعود وتفتح عند دخول الكيان الغامض.
إنها ليست مجرد رموز تراقبك بل كائنات ترى وتخاف كما لو كانت جزءاً من الطقس نفسه.
تعدد العيون في الغرفة — المفتوحة والمغلقة — يوحي بأننا أمام شبكة من العيون المراقبة.
شمعة الطفل
بكاء خافت يُسمع من غرفة أخرى، والشمعة التي كانت فارغة نراها تمتلئ بديدان بعد إذابتها، هنا يبدأ أيضاً صوت يشبه جهاز قياس الإشعاع بالطنين كما لو أنّ شيئاً ملوثاً يتسرّب إلى الغرفة.
الطقس إذن ليس رمزياً فقط بل كأنه يفتح بوابة إلى قوى غير مرئية تُستحضر مع كل لهبٍ يُضاء.
الزينة وعقارب الساعة
زينة صغيرة تدور بعكس اتجاه أرقامها المكتوبة دورانٌ عكسي، أرقام متنافرة… وكأننا أمام ساعة زمنية مشوّهة أو رمز لزمن يسير عكس الطبيعة، هذه الزخارف المصغّرة تحمل أرقاماً مرتبة مع عقارب الساعة حيث يمكن ملاحظة وجود أرقام داخلها تحمل الأرقام (6، 1، 2) ويمكن ملاحظة أنها تدور عكس عقارب الساعة في إشارةٍ من كوجيما أنه يعبث بالزمن ذاته، اتجاه عقارب الحياة يتوقف ليبدأ دوران معاكس نحو المجهول.
علبة الكبريت
حتى الكبريت لم يسلم من الغموض، علبة غريبة التصميم تحمل صورة طائرة وكلمة “مفقود”، هل يشير ذلك إلى حادث طائرة ضمن القصة؟ أم أنّها مجرّد تلميح لرمزية أكبر؟
جسد البطلة الموشوم
مع دخول الكيان المجهول الغرفة، تبدأ علامات غريبة بالظهور على جسد البطلة، وجوه متعدّدة تبرز على بشرتها، بعضها يترك ندوباً على وجهها مباشرة.
هل هي أرواح محبوسة داخل الجسد؟ أم أنّها انعكاس لطقس استدعاء مروّع؟ أم يصبح الجسد نفسه ساحة طقوس تُكتب عليها اللعنة.
قوة روحية
الباب يُفتح ببطء لكن دخول الكيان يجلب معه تياراً قوياً يحرك الشموع والزينة، قد يكون أثر حجمه المهيب أو قوّة روحية لا تُرى، الطقوس هنا ليست مجرّد واجهة بل مدخل لعالم آخر.
الوجه ذو العيون السبع
بطاقة سقطت على الأرض تحمل وجهاً مكوّناً من سبع عيون، حيث يمكن ملاحظة وجود ست عيون مفتوحة وواحدة مغلقة.
على الطاولة ذات الشمع، يوجد أيضاً ست شموع مضاءة ما يوحي بارتباط مباشر بين العناصر.
هل نحن أمام شفرة طقسية دقيقة؟ سبعة عيون، سبع شمعات، وربما سبعة أرواح تُستدعى؟
خلف الكلمات
“الديناصور البنفسجي الجائع، الثعلب اللامع، السلطعون الثرثار والحوت المجنون الذي بدأ بالانحناء والصرير.”
أحد أكثر الألغاز التي حيّرت المتابعين في العرض الأول كانت هذه الجُمل الغريبة، التي تنطق بها بعض الشخصيات، حيث أن ما تقوله مأخوذ كلمة بكلمة من جملة فونيتية (Phonetic Pangram)، وهي جُمل تحتوي على جميع الأصوات اللغوية تقريباً وتُستخدم عادةً في تقنيات التقاط الحركة (Motion Capture) ومع دمجها بالحالات العاطفية المختلفة التي ظهرت بها الشخصيات يتضح الأمر كإشارة إلى أن تقنية التقاط الحركة للوجوه ستلعب دوراً أساسياً في اللعبة.
اللافت أن العرض الجديد يشير إلى أن إحدى جمله الافتتاحية ربما تشير إلى أن الكلمة المقصودة هي “مُستنسخ” او بالإنجليزية “Replaced” وهو ما يتوافق تماماً مع ظهور رؤوس الشخصيات كنماذج ثلاثية الأبعاد.
ظلّ سايلنت هيل
لا ينبغي أيضاً أن ننسى في عرضٍ سابق أخفى كوجيما كلمة Atami داخل فم الممثل أودو كير، وهي أسم مدينة يابانية في محافظة شيزوكا، هذا الإسم الياباني يترجم إلى كلمتين منفصلتين “صامت” و”تل”، وهو ما يتطابق بوضوح مع Silent Hill، هذا التلميح يمكن سماع كوجيما وهو يشرحه بنفسه خلال فترة مشروع PT من عام 2014.
هذا هو مستوى التفاصيل الذي يمكن أن تتوقعه عندما يتعلق الأمر بـ ، لكن يبقى السؤال لماذا يقوم بالتلميح إلى مدينة تقع في محافظة اشتهرت بارتباطها الوثيق بـ Silent Hill ضمن عرض للعبة OD من كوجيما؟
كوجيما كما نعرفه ينسج شبكة من الرموز والإشارات التي تُبقي جمهوره متأرجحاً بين الواقع والوهم، بين اللعبة والطقوس، و OD لا يبدو أنها مجرد لعبة رعب بل بوابة إلى عالم من الغموض والرموز وكأنّها تتمة للعبة لم تُولد أبداً.. السؤال هنا هل نحن كلاعبين مستعدون لعبور هذا الباب.. بابُ بلا مقبض؟