في خطوة تكنولوجية هامة قد تحمل دلالات أكبر من مجرد سوق الذكاء الاصطناعي، بدأت شركة هواوي الصينية العملاقة بتسليم نظامها المتطور الجديد لرقائق الذكاء الاصطناعي، المعروف باسم CloudMatrix 384، لعملائها الرئيسيين في الصين.
ويأتي هذا التطور السريع كاستجابة مباشرة للقيود المتزايدة التي تفرضها واشنطن على تصدير أشباه الموصلات المتقدمة، وعلى رأسها رقائق الذكاء الاصطناعي من شركة إنفيديا، التي تحد من قدرة الشركات الصينية على الحصول على التكنولوجيا اللازمة لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، بسبب القيود الأمريكية المتزايدة.
واستناداً إلى مصادر مطلعة، تفيد التقارير أن هواوي التي تتخذ من شنتشن مقراً لها، باعت بالفعل أكثر من 10 مجموعات من نظام CloudMatrix 384، والذي يتميز بقدرته على ربط عدد كبير جداً من الرقائق معاً لإنشاء قوة حوسبة هائلة، وتشير المعلومات إلى أن مراكز البيانات التابعة لشركات التكنولوجيا الصينية كانت من أوائل المستفيدين من هذه الشحنات.
وقد أعرب محللون في الصناعة عن إعجابهم بالسرعة التي تمكنت بها هواوي من تطوير وبدء شحن نظام CloudMatrix الذي يربط 384 معالجاً مخصصاً للذكاء الاصطناعي لتوفير القدرة الحسابية اللازمة لتطوير خدمات ونماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة، بل ذهب مؤسس شركة SemiAnalysis الاستشارية ديلان باتيل، إلى القول إن تطوير هواوي لهذا النظام يعني أن الصين تمتلك الآن نظام ذكاء اصطناعي قادر على التفوق على أنظمة منافسة من إنفيديا.
يُذكر أن هذا الإنجاز لهواوي يأتي في وقت تشهد فيه قيود التصدير الأمريكية تشديداً إضافياً. ففي وقت سابق هذا الشهر، أعلنت إنفيديا أنها ستتكبد خسائر في الأرباح بقيمة 5.5 مليار دولار، بعد أن أصبحت شريحتها H20، التي صممتها سابقاً للامتثال للقيود القديمة، تتطلب الآن ترخيصاً خاصاً لبيعها للعملاء الصينيين، وذلك بقرار من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
تؤكد هواوي لعملائها المحليين أن نظام CloudMatrix الخاص بها يتفوق بشكل كبير على نظام NVL72 من إنفيديا -وهو نظام ذكاء اصطناعي شائع يتكون من 72 شريحة GB200 وتستخدمه شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، وذلك من حيث قوة الحوسبة الإجمالية وسعة الذاكرة وفقاً لعرض تقديمي للشركة ومصادر مطلعة.
وعلى الرغم من أن رقائق Ascend 910C التي يستخدمها CloudMatrix 384 تعتبر أضعف أداءً بمفردها مقارنةً بمعالجات GB200 من إنفيديا، فقد عوضت هواوي هذا الفارق باستخدام عدد أكبر بكثير من الرقائق (384 مقابل 72)، وربطها عبر عقدة فائقة باستخدام تقنيات اتصال ضوئية متقدمة، تعزز الأداء الإجمالي للمجموعة بشكل كبير. وتزعم هواوي في عروضها التقديمية أن CloudMatrix يتفوق على NVL72 بنسبة 67% في الحوسبة وأكثر من ثلاثة أضعاف في سعة الذاكرة الكلية.
يوضح المحللون، مثل ديلان باتيل، أن هواوي “تعوض ضعف أداء الشريحة الفردية بشبكات متقدمة لتعزيز أداء الشريحة في المجموعة”، مشيرين إلى أن الشركة استغلت خبرتها الطويلة في مجال الاتصالات لتحسين أداء أنظمتها.
هل تتجه هواوي نحو عالم بطاقات الرسوميات (GPUs)؟
إن التقدم اللافت الذي أحرزته هواوي في تطوير أنظمة شرائح معقدة وعالية الأداء مثل CloudMatrix 384 لا يخدم فقط سوق الذكاء الاصطناعي، بل يثير تساؤلات هامة حول مسارها المستقبلي في سوق أشباه الموصلات الأوسع، فتطوير قدرات تصميم الشرائح المتقدمة، وهندسة الأنظمة التي تربط مئات المعالجات بكفاءة عالية باستخدام تقنيات بصرية، وتطوير بيئة برمجية خاصة مثل نظام MindSpore الخاص بها كبديل محتمل لـ CUDA من إنفيديا، كلها خبرات تتقاطع بشكل كبير مع المتطلبات اللازمة لتصميم وتصنيع بطاقات الرسوميات (GPUs) المخصصة للألعاب أو محطات العمل الاحترافية.
وعلى الرغم من أن تركيز هواوي الحالي هو سد الفجوة في رقائق الذكاء الاصطناعي بالسوق الصيني وتطوير أنظمة حوسبة متوازية للذكاء الاصطناعي، إلا أن نجاحها في بناء نظام معقد وقوي مثل CloudMatrix 384 يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات، فهل ستستغل هواوي هذه الخبرات المتنامية والتقنيات المتقدمة التي تطورها لمنافسة إنفيديا و AMD في سوق بطاقات الرسوميات الاستهلاكية أو الاحترافية في المستقبل؟
تُظهر المقارنات أن نظام CloudMatrix 384 يعاني من بعض العيوب مقارنة بمنافس إنفيديا، أبرزها استهلاك طاقة أعلى بكثير وتكاليف تشغيلية أعلى بسبب الحاجة لمهندسين ذوي خبرة في برمجيات هواوي البديلة، ومع ذلك، في بيئة مثل الصين حيث قد تتوفر الطاقة والمهندسون، يصبح هذا النظام حلاً قابلاً للتطبيق خصوصاً في ظل غياب البدائل المتقدمة الأخرى.
في النهاية، يمثل نظام CloudMatrix 384 إنجازاً مهماً لهواوي يعكس قدرتها على التكيف والابتكار تحت الضغط. وبينما تركز جهودها الأساسية حالياً على الذكاء الاصطناعي، فإن التقدم الكبير الذي تحققه في هذا المجال يجعل ترقب أي خطوة مستقبلية محتملة نحو عالم بطاقات الرسوميات أمراً طبيعياً ومثيراً جداً للاهتمام في عالم التقنية والألعاب.