شهد هذا الجيل تطورات وتحولات غير متوقعة في صناعة ألعاب الفيديو، وبعضها ينذر بتغييرات جذرية قد يعيد تشكيل ملامح الصناعة إلى الأبد، وشركة مايكروسوفت، أحد الأعمدة الأساسية والمنافسين الرئيسيين في هذا المجال، تلعب دورًا محوريًا في هذه الدراما المتغيرة، فما هي الاستراتيجية التي تتبناها Xbox؟ وكيف ستؤثر قراراتها على مستقبل الصناعة؟
دور Xbox في هذا المشهد المتغير؟
لطالما كانت الألعاب الحصرية تعتبر من أهم الأسلحة في “حرب المنصات” التنافسية التي اعتدنا مشهدها الدرامي، حيث تجذب اللاعبين وتشجعهم على اختيار منصة معينة على أخرى، إلا أن مايكروسوفت قررت كسر هذا التقليد المقدس، وبدأت في تبني استراتيجية جديدة تقوم على نشر بعض ألعابها الحصرية على منصات منافسة مثل PlayStation 5 و Nintendo Switch، هذا القرار أثار جدلاً واسعًا في مجتمع اللاعبين، لدرجة أن بعض المتعصبين ما يزال لا يصدق ما يحدث أمامه من تحولات جذرية قد تغير مصير منصته المفضلة أو حتى صناعة ألعاب الفيديو الى الأبد.
بوادر تحولات تعيد تشكيل صناعة ألعاب الفيديو
لم يعد غريباً على لاعبي PlayStation 5 أو منصة أخرى رؤية ألعاب كانت حصرية “مقدسة” في السابق لمنصات Xbox تشق طريقها ببطء نحو منصتهم، وهذه الظاهرة لم تعد مجرد تسريبات أو شائعات، بل هي واقع ملموس يتجسد بشكل تدريجي في العديد من العناوين التي أصبحت متاحة أو في طريقها لتكون كذلك على جهاز PS5.
بدأت الأمور تتحول تدريجيًا من خلال عدة مقابلات أجريت مع فيل سبنر ومساعديه، حين أشاروا ف أكثر من مناسبة عن النظام البيئي الجديد، وأن هدفهم الأساسي هو اللاعبين والعديد من الشعارات الرنانة، كلها كانت إشارات تمهد لما سيحدث بعد ذلك، وكانت شارة الانطلاق هي جملة “لا خطوط حمراء”.
تم الإعلان عن قدوم الأكشن Hi-Fi Rush مع لعبة تقمص الأدوار Pentiment ولعبة المغامرات Sea of Thieves، وجميعها كانت حصريات يمكن اعتبارها من “Tear B” بمعنى آخر الدرجة الثانية من حيث الأهمية أو “القدسية”. ثم بعد ذلك تم الإعلان عن قدوم واحدة من أهم الحصريات Indiana Jones and the Great Circle ولكن بعد عدة أشهر من صدورها على خدمة جيم باس، وبعدها بدأت الأسماء الكبيرة تتساقط من السماء ككرات البرد على رؤوس متعصبي المنصات، ولا أحد يستوعب ماذا يجري من حوله.
نقطة التحول التاريخية في Xbox
وفي خطوة جريئة وغير مسبوقة، أعلنت مايكروسوفت عن إصدار واحدة أقوى عناوينها المرتقبة مثل Doom: The Dark Ages وأخرى كانت وطأتها كالصاعقة على متعصبي المنصات، وهو خبر الإعلان عن قدوم Forza Horizon 5 على منصة PS5، ويمكن اعتبار هذا الإعلان بمثابة زلزال في عالم الألعاب، وقد أثار جدلاً واسعاً بين أوساط اللاعبين، ولا نستعبد الإعلان قريبًا عن Starfield وعناوين أخرى.
لطالما كانت الألعاب الحصرية تعتبر بمثابة “الأبقار المقدسة” بالنسبة لمتعصبي المنصات أو الأجهزة، حيث تمثل رمزاً للانتماء والتميز والقيمة التي يفتخرون بها، لكن يبدو أن مايكروسوفت مستعدة تمامًا للتخلي عن هذه “المقدسات” في سبيل تحقيق أهداف أهم، مثل زيادة الأرباح وتوسيع قاعدة اللاعبين.
نظرية تأثير التدرج (Gradualism Effect)
يبدو أن شركة مايكروسوفت تدرك جيداً قوة “تأثير التدرج” في علم النفس الاقتصادي، حيث بدأت هذه المخاطرة بألعاب أقل أهمية أو أقدم، ربما بهدف اختبار ردة فعل الجمهور وتقليل حدة الصدمة، ولكن مع مرور الوقت، بدأنا نرى عناوين أكثر جاذبية وشهرة تصل تدريجياً إلى منصات منافسة مثل أجهزة سوني، وهذا التدرج الذكي يمهد الطريق لتقبل فكرة انتشار ألعاب Xbox على نطاق أوسع، ويشجع اللاعبين على التفكير في المنظومة البيئية لإكس بوكس بشكل أوسع، سواء من خلال Game Pass أو خدماتها الأخرى.
لا شك أن هذه الخطوة الجريئة من مايكروسوفت تحمل في طياتها مخاطر وتحديات، ولكنها أيضًا تُتيح فرصًا كبيرة للنمو والتوسع من خلال الوصول إلى جمهور أكبر ومستعد لدفع الأموال، وهنا ستزيد الشركة من مبيعات ألعابها وتعزز علامتها التجارية.
كما أن هذه الاستراتيجية المحكمة قد تساهم في الترويج لخدمة Game Pass التي ما تزال تعتبر من أهم ركائز استراتيجية الشركة في سوق الألعاب رغم كلفتها، وهنا الشركة بدأت تنتهج “تأثير التدرج” في تنفيذ هذه السياسة، حيث بدأت بإصدار ألعاب أقل أهمية، ثم اتجهت تدريجيًا نحو ألعاب أكبر وأكثر شعبية، وهذا التدرج “كنظرية اقتصادية” يقلل من مقاومة الجمهور ويمهد الطريق لنموذج جديد قد يصبح هو السائد في صناعة ألعاب الفيديو في المستقبل.
في كل الأحوال، فإن هذه الشراكة المتنامية بين Xbox و PlayStation 5 تحمل في طياتها فوائد جمة ومنطقية لكلا الطرفين، فبالنسبة لمايكروسوفت، يعني ذلك الوصول إلى جمهور أوسع وزيادة مبيعات الألعاب وتعزيز العلامة التجارية وتدعم تطوير الألعاب وتمويل خدمة Game Pass لتصبح من أكبر الشركات الناشرة، وأما بالنسبة للاعبين على PS5، فيعني ذلك فرصة تجربة ألعاب حصرية كانت حكراً على منصة أخرى، مع الاحتفاظ بألعابهم الحصرية الخاصة بمنصتهم في وقت لم تعد “الحصرية” هي العامل الوحيد أو الأهم في جذب اللاعبين.
ما كان يعتبر “مُقدسًا” في الماضي قد لا يكون كذلك اليوم
تريد مايكروسوفت التكيف بشكل احترافي وناضج مع التغييرات التي تحدث، وهنا نستذكر تصريحات رئيس اكس بوكس فيل سبنسر في حدث Xbox Business Update في 2024، بأن Xbox هي في المقام الأول “شركة اقتصادية” و “نحن ندير أعمال” وهنا أصبح جليًا البحث عن طرق جديدة للوصول إلى الجمهور وتحقيق الأرباح بعد عمليات استحواذ ضخمة كانت على رأسها شركة اكتفجين، ويمكن اعتبار قرارها بنشر ألعابها الحصرية على منصات منافسة ليس مجرد صدفة أو تراجع، بل هو جزء من استراتيجية شاملة ومحكمة تهدف إلى تحقيق أهداف متعددة ويصبح الجمهور مع الوقت أكثر تقبلاً لها، لذا يمكن حصر هذه السياسة في ثلاثة محاور أساسية وهي..
- زيادة الأرباح من خلال بيع الألعاب على نطاق أوسع وهو الهدف الأساسي.
- الوصول إلى لاعبين جدد على منصات أخرى سيساهم في نمو مجتمع Xbox وتوسع قاعدة لاعبيها سواء منصات سحابية أو منافسة أو حتى جهاز تلفاز أو هاتف محمول.
- إصدار الألعاب على منصات أخرى يعتبر بمثابة دعاية غير مباشرة لخدمة Game Pass.
يبقى السؤال هنا، هل هذا التغير هو بداية حقبة جديدة في صناعة الألعاب، تتجاوز فيها مفهوم حروب المنصات؟ أم أنه مجرد تكتيك مؤقت من مايكروسوفت لتحقيق أهداف اقتصادية لتخطي أخطاء هذا الجيل؟ وحده المستقبل كفيل بالإجابة على هذه التساؤلات.