أصدرت مؤسسة دبي للمستقبل تقريرًا جديدًا استعرض 12 فرصة مستقبلية واعدة في مجال تعزيز الاستدامة ودعم الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي، وذلك بالتزامن مع اقتراب موعد انطلاق الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP28) في دبي يوم 30 نوفمبر الحالي.
ويمثل هذا التقرير إصدارًا خاصًا من (تقرير الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية)، الذي تصدره مؤسسة دبي للمستقبل بشكل دوري، ويتضمن أهم الفرص التي يمكن الاستفادة منها على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي في قطاعات الحفاظ على الطبيعة ومصادر المياه والطاقة والزراعة وجودة الهواء والغذاء وحماية البيئة والمحيطات والغابات والغطاء الجليدي وغيرها.
وشارك في إعداد التقرير نخبة من الخبراء والباحثين والمبتكرين من خلال مشاركة خبراتهم ورؤاهم المستقبلية حول 12 فرصة من الفرص المتعلقة بالطبيعة التي تركز جميعها في تحقيق النمو والازدهار وتحسين جودة الحياة، مما يساهم بالحفاظ على كوكب الأرض ونظمه البيئية.
مؤتمر COP28 يمثل محطة فاصلة بين اتفاق باريس ومستهدفات 2030:
وقالت سعادة رزان المبارك، رائدة الأمم المتحدة للمناخ في COP28: “إن المؤتمر يُمثل محطة فاصلة بين اتفاق باريس ومستهدفات 2030، ونحن بحاجة إلى أن يلتزم العالم باتخاذ إجراءات تحقق نقلة نوعية ضمن جهود الحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية. حيث نمتلك فرصة رائعة لتحقيق التقدم الجذري المطلوب بوضع الطبيعة في صميم الجهود العالمية الخاصة بالعمل المناخي العالمي، فمن خلال الحفاظ على أنظمتنا البيئية ومصادرها والعمل على استعادتها في الغابات مرورًا بالتربة ووصولًا إلى غابات القرم والمحيطات، سيمكننا تحقيق خطوات مذهلة تنعكس بالحفاظ على كوكبنا وعلى حياة البشر”.
التقرير يهدف إلى استشراف توجهات وتحولات المستقبل:
وأكد سعادة خلفان جمعة بلهول الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، أن العالم بحاجة إلى توحيد جهود الحكومات والمؤسسات والأفراد لمواجهة التحديات المناخية الخطيرة، مشيرًا إلى أن التعريف بالفرص المتاحة في مجالات الاستدامة والحفاظ على البيئة والمناخ يمثل أبرز وسيلة لتحديد الأولويات وتصميم الخطط المستقبلية التي تسهم بتوفير أفضل مستويات جودة الحياة للأجيال المقبلة.
وأضاف: “نهدف من هذا التقرير إلى استشراف مجموعة من توجهات وتحولات المستقبل لإحداث تغيير جذري في طريقة تفكيرنا وعقلياتنا وسلوكياتنا ومفاهيمنا، وستشكل هذه الفرص إضافة للحوارات التي سيشهدها مؤتمر الأطراف (COP28)، وندعو المبتكرين ومصممي المستقبل ورواد الأعمال والمعنيين لدراسة هذه الفرص والآراء والأفكار، وإطلاق العنان للخيال نحو مزيد من الأفكار التحولية من أجل مستقبل أفضل لنا ولكوكب الأرض”.
الفرص المستقبلية الواردة في التقرير:
1- إعادة بناء الطبيعة:
تتمثل الفرصة الأولى التي تطرق إليها التقرير في أهمية التوقف التدريجي عن الاستخدام المفرط للأراضي، وما ينتج عنه من تقليص للغطاء النباتي، في استعادة التنوّع البيولوجي والنظم البيئية الطبيعية والحد من المخاطر الناجمة عن تغيّر المناخ.
وأكدت هدى الشكعة، مديرة قسم الإستراتيجية والتخطيط الحضري في شركة “جيهل أركيتكس” بدولة الإمارات، أن هذا المفهوم الجديد المتمثل في إعادة إحياء الأراضي الطبيعية والحياة البرية يعد نقلة نوعية في العلاقة بين الطبيعة والبشر، ويجب أن تشهد العديد من المدن تحولًا ثقافيًا يدفع سكانها إلى تقدير جمال المساحات الطبيعية، والعمل على استكشاف طرق حماية هذه المساحات وترميمها، والحد من التهديدات التي تواجهها مثل النمو المفرط والتلوث والتصحر.
2- موارد مستدامة للمياه:
وأشار التقرير إلى أنه من الممكن تعزيز استدامة موارد المياه من خلال تطوير أساليب إعادة تدوير المياه والتخطيط الصحيح لاستخدامها في ظل تفاقم خطورة التحديات المرتبطة بنقص المياه في مختلف مناطق العالم.
وفي هذا الصدد؛ قال يوسوك مايدا، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي في شركة “ووتا بوكس” في اليابان: “توجد العديد من الحلول المرنة في هذا المجال مثل بناء أنظمة لامركزية وصغيرة النطاق لإعادة تدوير المياه، بحيث تجمع بين أنظمة إعادة تدوير المياه المدمجة وأجهزة التحكم المستقلة. وتستطيع هذه الأنظمة، التي يمكن بناؤها وتشغيلها بشكل سريع، أن تقدّم خدمات مياه عالية الجودة باستخدام الحد الأدنى من المياه العذبة في المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي أو من ضعف البنية التحتية”.
3- طاقة لا تنفد:
ركزت الفرصة الثالثة على مفهوم الاندماج النووي الذي يرى فيه بعض العلماء أنه قد يكون حلًا مستقبليًا مناسبًا لتوفير إمدادات غير محدودة من الطاقة دون التسبب في انبعاثات كربونية، فضلًا عن توفير ما يكفي من الوقود لتلبية الطلب العالمي على مدى مئات السنين، الأمر الذي من شأنه أن يُحدث تحولًا في مجال إنتاج الطاقة.
وقال الدكتور طوني رولستون من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة: “من الصعب التنبؤ بمدى توسع طاقة الاندماج النووي وتكلفة الإنتاج، إذ ما زالت عملية الاندماج في مراحل تطويرها الأولية. أما تكاليف طاقة الاندماج فستعتمد بشكلٍ جوهري على ثلاثة عوامل رئيسية هي: تكاليف بناء هذه الأنظمة المعقدة والجديدة، ومدى توافر النظام (أي المدة التي يتم خلالها توليد الطاقة)، ومدى كفاءة تحويل الحرارة الناتجة عن الاندماج إلى طاقة قابلة للاستخدام”.
4- استعادة الغطاء الجليدي:
يسهم تنسيق الجهود في مختلف التخصصات لاستعادة الغطاء الجليدي في القطب الشمالي والأنهار الجليدية فوق القمم الجبلية، في خفض درجة حرارة الأرض والمحيط، والحد من انبعاثات غاز الميثان المحتجز في الغلاف الجوي.
وقال فرانسيس بورتر، مدير أول في قسم الاستدامة في شركة “موت ماكدونالد”، بدولة الإمارات العربية المتحدة: “ارتفعت مستويات البحار بين عامَي 2013 و2022 بمعدل 4.62 ملم سنويًا. وبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن وتيرة هذا المعدل أسرع بنسبة 40% مقارنةً بالفترة الممتدة بين عامَي 2003 و2012. ومن المتوقع أن يكون لهذا الارتفاع في مستويات البحار تداعيات على حياة سكان المناطق الساحلية؛ إلا أنه من الممكن الحد من هذه التداعيات من خلال تضافر الجهود لاستعادة الغطاء الجليدي وسماكته”.
5- محطات بحرية دولية:
تتمحور إحدى الفرص التي تناولها التقرير حول استحداث هيئة دولية محايدة تركز على حماية النظم البيئية للمحيطات الدولية واستعادة صحتها، وزيادة المنافع الاقتصادية المرتبطة بها، ودعم الابتكارات التي تعززها.
وفي هذا الصدد؛ قالت ريبيكا هوبارد، مديرة “تحالف أعالي البحار”: “نحن على مشارف حقبة جديدة سنشهد خلالها حوكمة دولية للمحيطات عبر معاهدة أعالي البحار، التي أقرتها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة رسمياً في 19 يونيو 2023، وتعد تقدمًا نوعيًا في الجهود التي تهدف إلى الحفاظ على كوكب الأرض. توفر هذه المعاهدة الإطار القانوني الأول من نوعه لحماية الحياة في المحيطات والمياه الدولية خارج نطاق التخصصات القضائية الوطنية، وتتيح أول فرصة عالمية حقيقية لمعالجة تحديات الحوكمة التي أضرت بالمحيطات وتركتها عرضة للاستغلال المفرط”.
6- خطط مئوية لكوكب الأرض:
يشير التقرير أيضًا إلى أنه حان الوقت لوضع خطة مئوية لتنمية كوكب الأرض، وتنفيذ هذه الخطة في إطار مساعي تحسين حياة شعوب العالم. ولتحقيق ذلك، لا بد من وضع إطار تعاون عالمي طويل الأمد لاستعادة النُظم البيئية وتعزيز التنوّع الحيوي وحمايتهما.
وقالت جوانا بيرشيز هاتفيلد، مديرة “مجموعة الاستدامة في إفريقيا”: “لا بد من مواءمة الأهداف الطويلة الأمد الرامية إلى استعادة صحة المنظومة البيئية والحفاظ عليها عبر جميع أطر العمل الموضوعة على المدى القصير، بما يساعد في وضع أهداف عالمية موحدة وخرائط طرق واضحة وسهلة التنفيذ، وتنسيق الجهود بشكلٍ أكثر فعالية، وخفض التكاليف التي تتحملها الكيانات المشاركة لضمان الامتثال وإعداد التقارير”.
7- الحياد المناخي:
لم يعد تحقيق الحياد المناخي وصافي الانبعاثات الصفرية هدفًا بعيد المنال في ظل الإنجازات التقنية والتعاون العالمي غير المسبوق الذي نشهده في هذا العصر. ومع تحول هذا الهدف إلى حقيقة، ستستعيد النُظم البيئية توازنها.
وقالت ليلى مصطفى عبد اللطيف، المديرة العامة لجمعية الإمارات للطبيعة: “إن استطعنا أن نعكس المسار الحالي لخسائر النظم البيئية، سيساعدنا ذلك على معالجة الكثير من تحديات تغيّر المناخ، كما أن الحفاظ على الطبيعة وضمان سلامتها يعزز من قدرتها على التحمل، ويحسن من جودة حياة الإنسان ويضمن سلامة كوكب الأرض. وتمثل الحلول القائمة على الطبيعة ثلث الإجراءات الرامية للحد من تغيّر المناخ بحلول العام 2030 والتي تهدف للإبقاء على ارتفاع الحرارة دون درجتين مئويتين”.
8- تنقية الهواء من الجسيمات الدقيقة:
قد تسهم تطورات علم المواد والأتمتة والذكاء الاصطناعي المتقدم خلال الفترة المقبلة في الوصول قريبًا إلى إمكانية امتصاص الانبعاثات والجسيمات الدقيقة حسب الطلب في أي مكان حول العالم.
وقالت الدكتورة ديانا فرنسيس، رئيسة مختبر العلوم البيئية والجيوفيزيائية في جامعة خليفة: “يمكن اعتماد هذه التقنية في المدن والمناطق الصناعية القريبة من مصادر الانبعاثات، لتُلتقط الجسيمات الدقيقة من المصدر قبل أن تنتشر على نطاق أوسع وتؤدي إلى تلوث الهواء”.
9- استجابة تنظيمية سريعة:
من أهم الفرص التي تناولها تقرير مؤسسة دبي للمستقبل أيضًا إنشاء هيئات تشريعية لامركزية ذات فكر استشرافي تعمل على الاستجابة بمرونة للمجموعات التي تدعمها والتحديات التي تواجهها.
وقالت كرستين موريسون، من المعهد العالمي للنمو الأخضر في دولة الإمارات: “ستضطلع هذه الهيئات بدور مهم للغاية في التقييم السريع والشامل للتقنيات الجديدة المصممة للمساعدة في معالجة الخلل في التوازن البيئي والمناخي، وإيجاد التشريعات الملائمة مثل حظر التقنيات القديمة أو غير الفعّالة أو الضارة بالبيئة”.
10- حاسبة التغيّر المناخي:
تتضمن الفرص الواردة في التقرير أيضًا إنشاء نظام تقييم رقمي للمناخ يتيح للحكومات والشركات والأفراد احتساب التأثير البيئي لحظيًا، ويكشف التأثيرات المحتملة لسياسات وخيارات الاستثمار، ويرسم صورة أوضح لتأثر قراراتنا في البيئة.
وقال بوشبام كومار، مستشار اقتصادي أول في برنامج الأمم المتحدة للبيئة: “نحن بحاجة إلى دليل توجيهي يوضح الآثار المحتملة على أجيال المستقبل لبعض السياسات المقترحة حول استخدام رأس المال الطبيعي والاستثمار فيه، بما يدعم قدرة الدول على تحقيق أهداف التنمية المستدامة للعام 2030”.
11- إعادة توظيف المنشآت المهجورة:
أشار تقرير مؤسسة دبي للمستقبل أيضًا إلى أنه يمكن إعادة توظيف مرافق النفط والغاز البحرية أو البرية المهجورة لتساهم في عزل الكربون وخفض كميات ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي.
وقالت جيسيكا روبنسون، مسؤولة التمويل المستدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة (إرنست أند ويونغ-بارثينون): “يجب التفكير بشكل إبداعي لتحقيق أهدافنا المناخية العالمية، وهذا لا يمكن أن يتم بمجرد استبدال مصادر الطاقة التقليدية بأخرى نظيفة، بل علينا إعادة التفكير في الوضع الحالي من منظور جديد واعتماد طرق مبتكرة للعمل”.
12- تقليل اعتماد الزراعة على المياه:
يعمل التقدم في التقنيات الزراعية على زيادة الحاجة إلى كميات كبيرة من مياه الري، ومع تواصل تطور تقنيات الزراعة المائية والهوائية أصبح بالإمكان الحد من فقد العناصر الغذائية والتقليل من احتياج المحاصيل للمياه، مع الحفاظ في الوقت ذاته على معدلات الإنتاج.
وقال الدكتور سعيد الحسن الخزرجي، مؤسس شركة “مانهات”: “إن أي تقنية جديدة قادرة على توفير المياه والعناصر الغذائية للمحاصيل تُعتبر فرصة جديرة بالدراسة. وقد تُشكل الحلول المعتمدة على تقنية النانو، ومنها: رش المبيدات والأسمدة النانوية على المحاصيل، أحد الخيارات الممكنة لتحقيق ذلك”.
وللاطلاع على هذه النسخة الخاصة من “تقرير الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية”، يمكنك زيارة هذا الرابط.