أطلقت شركة آبل في الرابع والعشرين من يناير عام 1984، جهاز ماكنتوش بذاكرة يبلغ حجمها 128 كيلوبايت، وغيّرت بذلك وجه الحواسيب الشخصية إلى الأبد، ففي ذلك الوقت؛ كانت تكمن الثورة التي فجرها هذا الجهاز في واجهة المستخدم الرسومية التي يمكن النقر على أيقوناتها بواسطة ماوس لتشغيل التطبيقات المختلفة، بدلًا من سطور الأوامر التي تنبغي كتابتها في نظام التشغيل (MS-Dos)، الذي كانت تعتمد عليه أجهزة (IBM).
وبذلك يُعدّ حاسوب ستيف جوبز المدمج والسهل الاستخدام هو أول حاسوب يقدم واجهة المستخدم الرسومية للعالم، وقد شكّل بذلك لحظة محورية في تطور الحواسيب الشخصية.
ومنذ ذلك اليوم، انفجر معدل الابتكار التكنولوجي، حيث شهدت مجالات الحوسبة والاتصال والتعلم الآلي تطورات هائلة بمعدل مذهل، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على 10 تطورات تقنية غيّرت حياتنا على مدى العقود الأربعة الماضية:
1- إطلاق شبكة الويب العالمية في عام 1993:
لا يوجد تاريخ محدد لظهور الإنترنت، حيث مرّ بتطورات متعددة على مدار عقود، ولكن يمكن القول إن الإنترنت ظهر فعليًا في عام 1993 مع إطلاق شبكة الويب العالمية (WWW)، الاختراع الذي دفع إلى ديمقراطية الوصول إلى المعلومات وشكل الإنترنت الحديث الذي نستخدمه اليوم.
فقد اخترع عالم الحاسوب البريطاني (تيم بيرنرز لي) Tim Berners Lee شبكة الويب العالمية وإطلاقها للجمهور في عام 1993، وأتاحت معها فجر الاتصالات عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية وبداية الاقتصاد الرقمي.
2- ظهور شبكة الواي فاي في عام 1997:
غيّر ظهور شبكة الواي فاي في عام 1997 وجهَ استخدام الإنترنت، حيث ألغت الحاجة إلى الاتصال بشبكة الإنترنت عبر كابل، وبدون شبكة الواي فاي، لما كان من الممكن ظهور الهاتف الذكي واتصال الإنترنت الدائم الذي نعتمد عليه الآن، وقد أصبحت شبكة الواي فاي الآن جزءًا لا غنى عنه في عالمنا العصري المتصل.
ومع ذلك لم تصبح تقنية الواي فاي شائعة الاستخدام حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، على الرغم من أنها ظهرت أول مرة في عام 1997. وقد طُورت العديد من معايير الواي فاي على مر السنين، مع تحسينات في سرعة نقل البيانات والأمان.
ويُعدّ معيار الواي فاي المستخدم حاليًا على نطاق واسع هو (Wi-Fi 6E)، الذي صدر في عام 2020، كما أعلن معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) خلال شهر يناير 2024 عن معيار (Wi-Fi 7)، الذي يمثل أحدث جيل من تقنية الواي فاي ويوفر العديد من التحسينات على معايير الواي فاي السابقة، تشمل: سرعة عالية لنقل بيانات، وسعة كبرى، وأداء أفضل في البيئات المزدحمة، ولكنه لا يزال قيد التطوير.
3- إطلاق محرك بحث جوجل عام 1998:
كان إطلاق محرك بحث جوجل في عام 1998 بمنزلة بداية البحث الفعال عبر الويب، مما أدى إلى تحول في كيفية وصول الأشخاص في جميع أنحاء العالم إلى المعلومات عبر شبكة الويب. واليوم، يوجد العديد من المحركات الأخرى التي يمكنك الاختيار من بينها، ومنها: محرك (بينج) Bing من مايكروسوفت، وياهو، وبايدو، وDuckDuckGo، وStartpage، ولكن جوجل يظل محرك البحث الأكثر استخدامًا على مستوى العالم.
4- ظهور وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2004:
هيمن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا التي أصبحت متصلة بالإنترنت على مدى العقدين الماضيين. وفي عام 2004، أصبح موقع (MySpace) هو أول موقع للتواصل الاجتماعي يصل إلى مليون مستخدم نشيط شهريًا.
ومنذ ذلك الحين، أعادت منصات مثل: فيسبوك وإنستاجرام وتيك توك تشكيل التواصل والتفاعل الاجتماعي، وعززت الاتصال عالميًا وتبادل المعلومات على نطاق هائل، وإن لم يخلِ ذلك من بعض الجدل.
إليك أكثر شبكات التواصل الاجتماعي شعبية على مستوى العالم اعتبارًا من يناير 2024، مرتبة حسب عدد المستخدمين النشطين شهريًا:
تُعدّ منصة فيسبوك – الرائدة في سوق منصات التواصل الاجتماعي – هي أول منصة تواصل اجتماعي تتجاوز مليار حساب مسجل، ويبلغ عدد مستخدميها النشطين حاليًا أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم شهريًا، ثم تأتي منصة يوتيوب في المركز الثاني إذ يبلغ عدد مستخدميها النشطين حاليًا نحو 2.5 مليار مستخدم، وجاءت في المركز الثالث منصة واتساب، التي يبلغ عدد مستخدميها أكثر من 2 مليار مستخدم نشيط شهريًا حاليًا.
5- إطلاق هاتف آيفون في عام 2007:
لم يكن هاتف آيفون الذي أطلقته شركة آبل في عام 2007، هو الهاتف الذكي الأول في العالم، ولكنه كان الطفرة التي شكلت سوق الهواتف الذكية وقادته إلى المرحلة التي نشهدها حاليًا، إذ غيرت آبل من خلاله معايير تصميم الهواتف، وفتحت الباب لاستخدام تطبيقات الهاتف مع إطلاق متجر التطبيقات آب ستور في عام 2008.
إليك أهم تأثيرات آيفون في سوق الهواتف الذكية:
- غيّر معايير التصميم: كان آيفون هو أول هاتف يحتوي على واجهة مستخدم قائمة على شاشة تعمل باللمس، كما كان الهاتف الأول دون أزرار، وتميز بتصميمه الأنيق، مما أدى إلى تغيير معايير التصميم في سوق الهواتف الذكية.
- غيّر طريقة استخدامنا للهاتف: أدى ظهور آيفون إلى تغيير طريقة استخدامنا للهاتف، إذ أصبح الهاتف الذكي أكثر من مجرد أداة للاتصال، بل أصبح جهازًا متعدد الاستخدامات للترفيه والعمل والدراسة، بفضل دعم الاتصال بالإنترنت عبر الشبكات الخلوية وشبكات الواي فاي.
- جعل التصوير جزءًا من حياتنا اليومية: جاء هاتف آيفون بكاميرا تبلغ دقتها 2 ميجابكسل، مما جعل التصوير الفوتوغرافي لم يَعد حكرًا على المحترفين فقط، بل تعداه ليصل إلى المستخدم العادي.
- فتح المجال أمام تطبيقات الهاتف: أدى إطلاق متجر تطبيقات آبل إلى فتح المجال أمام تطبيقات الهاتف المحمول، مما أضاف وظائف جديدة إلى الهواتف الذكية.
6- اختراع البتكوين في عام 2009:
لقد وُضع الأساس للدفع الرقمي الحديث في أواخر خمسينيات القرن الماضي مع إدخال البطاقات الائتمانية، وبطاقات الخصم المباشر، ولكن اختراع عملة البيتكوين في عام 2009 هو الذي مهد الطريق لعهد جديد من المعاملات الرقمية الآمنة.
تُعدّ عملة البيتكوين أول عملة رقمية مشفرة لامركزية، مما يعني أنها تعمل بنحو مستقل عن أنظمة البنوك التقليدية. ولقد أحدثت تقنيتها الأساسية، وهي البلوك تشين، ثورة في مفهوم المعاملات الرقمية من خلال توفير طريقة آمنة وشفافة ولا مركزية للمدفوعات من نظير إلى نظير.
لم تؤثر عملة البيتكوين فقط في تطوير العملات المشفرة الأخرى، ولكنها أثارت أيضًا النقاش حول مستقبل النقود في العصر الرقمي.
7- تطور تقنيات الواقع الافتراضي في عام 2014:
لقد كان عام 2014 عامًا محوريًا في تطوير الواقع الافتراضي (VR) للتطبيقات التجارية، حيث استحوذت شركة فيسبوك على شركة (Oculus VR) مقابل 2 مليار دولار، وأطلقت الشرارة التي جعلت تجارب الواقع الافتراضي العالية الجودة في متناول المستهلكين.
كما أعلنت كل من سامسونج وسوني أيضًا منتجات الواقع الافتراضي الخاصة بها، وأصدرت جوجل جهاز Cardboard، وهو جهاز عرض منخفض التكلفة يمكن استخدامه مع أي هاتف ذكي لتحويل الهاتف إلى شاشة عرض ثلاثية الأبعاد، وقد أوقفت جوجل إنتاجه في عام 2020.
وتجدر الإشارة إلى أن أولى شحنات سلسلة نظارات (Oculus Rift) للواقع الافتراضي قد طُرحت في الأسواق في عام 2016.
8- تقديم خاصية القيادة الذاتية في سيارات تسلا في عام 2015:
لقد تحولت السيارات الذاتية القيادة خلال العقدين الماضيين من خيال علمي إلى حقيقة ملموسة، وتشير التوقعات إلى أن ما يقرب من ثلثي السيارات الشخصية المسجلة عالميًا ستتمتع بنظام قيادة وتوجيه آلى بمساعدة جزئية من المستخدم بحلول عام 2025.
فقد أدى تقديم شركة تسلا خاصية (القيادة الذاتية) في سياراتها في عام 2015، إلى إدخال مزايا القيادة الذاتية في سيارات المستهلكين، مما ساهم في انتشار تبني تكنولوجيا القيادة الذاتية على نطاق واسع، ومن المتوقع أن تستمر خاصية القيادة الذاتية في التطور والانتشار في السنوات القادمة.
9- الحوسبة الكمومية في عام 2019:
لقد تحقق إنجاز مهم في تاريخ الحوسبة الكمومية في أكتوبر 2019 عندما نجح معالج (Sycamore) من جوجل في إثبات التفوق الكمي من خلال حل مشكلة معقدة بنحو أسرع من أقوى الحواسيب العملاقة في العالم. ومنذ ذلك الوقت شهدت الحوسبة الكمومية تطورات هائلة، إذ تتجاوز الاستثمارات الحالية للقطاع العام على مستوى العالم 39 مليار دولار.
ويمكن استخدام تقنيات الحوسبة الكمومية في مجموعة متنوعة من التطبيقات، وتُبشر بثورة علمية هائلة في مختلف المجالات، بدءًا من الطب والعلوم إلى التشفير والذكاء الاصطناعي.
10- الذكاء الاصطناعي التوليدي في عام 2022:
لقد كان مجال الذكاء الاصطناعي موجودًا منذ سنوات طويلة، وقد أصبحت الأجهزة الإلكترونية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بدءًا من أجهزة المنزل الذكي إلى المساعدات الشخصية أمورًا شائعة الآن. ومع ذلك، فقد هيمن ظهور تطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي على القطاع في السنوات الأخيرة.
ولكن في يوم 30 نوفمبر 2022، أطلقت شركة (OpenAI) إصدارًا تجريبيًا من روبوت دردشة أطلقت عليه اسم (ChatGPT)، وبين عشية وضحاها، أبهرت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي السهلة الاستخدام؛ العالم أجمع، وكانت نقطة التحول التي غيرّت حياتنا.
ففي غضون شهرين فقط من إطلاقه، أصبح روبوت (ChatGPT) الأسرع نموًا في تاريخ تطبيقات الويب الموجهة للمستهلكين، إذ وصل إلى أكثر من 100 مليون مستخدم نشيط بحلول يناير 2023. بالإضافة إلى ذلك؛ حفز هذا النجاح الكبير الذي حققه سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي بين كبرى الشركات، وأبرزها: شركتي جوجل ومايكروسوفت.