أعلنت شركة مايكروسوفت أمس تعيين مصطفى سليمان، رئيسًا لقطاع الذكاء الاصطناعي المنشأ حديثًا في الشركة، الذي يحمل اسم (Microsoft AI)، والذي يركز في تطوير جميع منتجات الذكاء الاصطناعي التابعة للشركة الموجهة إلى المستهلكين، بما يشمل: Copilot، ومحرك (Bing)، ومتصفح (Edge) وغيرها من منتجات الذكاء الاصطناعي والأبحاث المرتبطة به.
وسيشغل سليمان منصب نائب الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي لمايكروسوفت الذكاء الاصطناعي، وسيقدم تقاريره مباشرة إلى ساتيا ناديلا؛ الرئيس التنفيذي للشركة، وذلك وفقًا لما ذكره ناديلا، في منشور عبر المدونة الرسمية للشركة، وقد وصف ناديلا سليملن بأنه “صاحب رؤية وصانع منتجات ومؤسس فرق رائدة تسعى إلى تحقيق مهام جريئة”.
وتعزز هذه الخطوة ريادة مايكروسوفت المبكرة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، القائمة على تحالفها مع OpenAI، كما تتحدى من خلالها شركة جوجل.
ولكن من هو مصطفى سليمان، وما علاقته بشركة جوجل، ولماذا يُعدّ تعيينه في مايكروسوفت فوزًا آخر للشركة في سباق الذكاء الاصطناعي؟ إليك كل ما تحتاج إلى معرفته هذه الشخصية الريادية في مجال الذكاء الاصطناعي:
1- شغل مصطفى سليمان مناصب مهمة في جوجل:
يُظهر المسار الوظيفي لمصطفى سليمان مساهماته الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوره ليصبح شخصية رائدة في صناعة التكنولوجيا، إذ شارك في تأسيس شركة (DeepMind) مع صديقه (ديمس هاسابيس) Demis Hassabis، في عام 2010، أي قبل أكثر من عقد من الزمن، قبل أن يصبح الذكاء الاصطناعي طفرة تنشغل بها الأسواق العالمية.
وقد استحوذت شركة جوجل على شركة (DeepMind) في عام 2014، مدفوعة في المقام الأول برغبتها في أن تكون في طليعة ثورة الذكاء الاصطناعي التي كانت تتوقعها في ذلك الوقت، لذلك أوكلت إليها تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
وقد ذكرت جوجل خلال عملية الاستحواذ أن خبرة (DeepMind) في التعلم العميق ستكون حاسمة في سباقها ضد الشركات التقنية التي تهدف جميعها إلى الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتحقيق مزايا تجارية.
وبعد الاستحواذ أصبح سليمان رئيس قسم الذكاء الاصطناعي التطبيقي في (DeepMind)، وهو دور مسؤول عن تطبيق تقنيات التعلم الآلي على مجموعة واسعة من منتجات جوجل، وخلال السنوات القليلة الأولى لشركة (DeepMind) تحت إدارة جوجل، بدأت بإدماج الذكاء الاصطناعي في منتجات جوجل وخدماتها.
وقد قال سليمان سابقًا إنه في عام 2019، أجرى فريقه نحو 50 عملية إطلاق لمشاريع الذكاء الاصطناعي عبر ست مجموعات من المنتجات الرئيسية في جوجل، وطبقت فريقه أيضًا نماذج الذكاء الاصطناعي في عمليات مراكز بيانات جوجل، مما أدى إلى خفض الطاقة اللازمة لتبريدها بنسبة قدرها 30%.
وشغل سليمان في المدة الممتدة من يناير 2020 إلى يناير 2022، منصب نائب الرئيس لقسم إدارة منتجات الذكاء الاصطناعي وسياسة الذكاء الاصطناعي في شركة جوجل، وتضمن هذا الدور مبادرات إستراتيجية رائدة في تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي وسياساتها.
2- أراد من جوجل إضافة الذكاء الاصطناعي الحواري إلى محرك البحث:
أصيب مصطفى سليمان بالإحباط بسبب تردد جوجل في إدماج الذكاء الاصطناعي الحواري (Conversational AI) في منتجاتها، بما يشمل: محرك البحث، خلال عامي 2020 و2021، وقد أدى ذلك إلى رحيله من جوجل في يناير من عام 2022.
الجدير بالذكر أن الذكاء الاصطناعي الحواري هو نوع من الذكاء الاصطناعي يسمح للحواسيب والأجهزة الذكية بفهم اللغة البشرية والاستجابة لها. ويُستخدم هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في روبوتات الدردشة، وأدوات المساعدة الرقمية، والتطبيقات الأخرى التي تستند في عملها إلى معالجة اللغات الطبيعية، وتقنيات التعلم الآلي.
3- مؤسس شركة (Inflection AI):
غادر سليمان شركة جوجل عام 2022 ليؤسس شركة جديدة تُسمى (Inflection AI)، وهي شركة متخصصة في مجال تطوير الأجهزة والبرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي.
وقد كان المنتج الأول لشركة Inflection AI، هو مساعد ذكاء اصطناعي شخصي يُدعى (Pi)، يتحدث إلى المستخدم بطريقة شخصية ومتعاطفة، ويقوم تدريجيًا ببناء المعرفة حول المستخدم، بناءً على محادثاته معه.
وجمعت الشركة 1.3 مليار دولار في يونيو من العام الماضي، وكانت مايكروسوفت المستثمر الرئيسي فيها. وانضم سليمان إلى مايكروسوفت برفقة (كارين سيمونيان) Karén Simonyan ؛المؤسس المشارك في شركة Inflection AI، الذي سيشغل منصب كبير العلماء في (Microsoft AI) تحت قيادة سليمان، بالإضافة إلى عدد من العاملين في شركة Inflection AI الناشئة.
ولكن مع رحيل المسؤولين التنفيذيين والعديد من العاملين من شركة Inflection AI، ما مصيرها؟
أعلن مصطفي سليمان في تغريدة نشرها عبر منصة إكس مواصلة شركة (Inflection AI) مهمتها تحت قيادة رئيس تنفيذي جديد، وتتطلع إلى الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص أكثر من أي وقت مضى من خلال إتاحة واجهة برمجة التطبيقات (API) الخاصة بها على نطاق واسع للمطورين والشركات في جميع أنحاء العالم.
I’m excited to announce that today I’m joining @Microsoft as CEO of Microsoft AI. I’ll be leading all consumer AI products and research, including Copilot, Bing and Edge. My friend and longtime collaborator Karén Simonyan will be Chief Scientist, and several of our amazing…
— Mustafa Suleyman (@mustafasuleyman) March 19, 2024
لذلك من الواضح أن الشركة ستغير نهجها، إذ لن تركز بعد الآن في تطوير منتجات موجهة للمستهلكين، مثل المساعد الشخصي (Pi) – الذي لن تغلقه الشركة – ولكنها ستعمل مع الشركات لإنشاء أنظمة الذكاء الاصطناعي واختبارها وضبطها، وقد أبرمت مايكروسوفت أيضًا صفقة مع Inflection AI لتقديم أحدث تقنياتها للشركات التي تستخدم خدمات مايكروسوفت السحابية.
4- نشر كتابًا يتنبأ فيه بكيفية تغيير الذكاء الاصطناعي للعالم:
نشر مصطفى سليمان في سبتمبر 2024 كتابًا بعنوان: (الموجة القادمة) The Coming Wave، وتُرجم منذ ذلك الحين إلى 32 لغة، ويُعدّ هذا الكتاب بمنزلة تحذير صريح ومقنع حول الكيفية التي يوشك بها الذكاء الاصطناعي على تغيير الحياة كما نعرفها.
يرى سليمان في الكتاب أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن فهمه حقًا من الناحية التكنولوجية أو الفلسفية البحتة، بل يجب أن يُنظر إليه على أنه صنع بشري فريد يمكن أن يؤثر بنحو عميق في البشر والأنظمة البشرية بطرق عديدة بعضها واضح، وبعضها غامض مثل الروايات.
5- يُعدّ تعيينه بمثابة فوز آخر لشركة مايكروسوفت:
استحوذت شركة مايكروسوفت على الريادة المبكرة بين عمالقة التكنولوجيا عندما اشترت حصة في شركة (OpenAI) باستثمار قدره 10 مليارات دولار في عام 2023، ووصلت مايكروسوفت إدماج نماذج OpenAI في معظم منتجاتها لتتصدر سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ثم استثمرت آخرًا مبلغ قدره 16 مليون دولار في الشركة الفرنسية الناشئة للذكاء الاصطناعي (Mistral AI)، ويُعدّ تعيين سليمان استثمارًا آخر للشركة مثيرًا للاهتمام، حيث سيقود نماذج مايكروسوفت الخاصة والنماذج التي طورتها بالتعاون مع شركائها لتشكيل منتجات استهلاكية أكثر إقناعًا.
لذلك مع تولي سليمان لهذا المنصب، من المتوقع أن تشهد مايكروسوفت تحولات كبيرة في كيفية تطويرها وتقديمها لمنتجات الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى تحسين تجربة المستخدم بنحو ملحوظ وتقديم حلول ذكية تلبي احتياجات المستهلكين والشركات على حد سواء.
ويبقى السؤال المطروح: كيف ستؤثر هذه الخطوة على مستقبل مايكروسوفت في سباق الذكاء الاصطناعي المزدحم، وكيف ستواجه التحديات المقبلة في مواجهة منافسين أقوياء مثل جوجل وآخرين في هذا المجال الواعد؟