مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة، يظهر قلق متزايد بشأن التكاليف البيئية والاقتصادية لهذه التكنولوجيا. آخر فصول هذا القلق تجسد في مطالبة تحالف يضم أكثر من 230 منظمة بيئية بوقف إنشاء مراكز البيانات الجديدة في الولايات المتحدة، وذلك بسبب استهلاكها الهائل للطاقة والمياه، وتأثيرها السلبي على أسعار الكهرباء وتفاقم أزمة المناخ. هذه الخطوة تعكس تصاعد المعارضة الشعبية والسياسية لصناعة الذكاء الاصطناعي المتنامية.
الضغط المتزايد على الحكومة الأمريكية لوقف إنشاء مراكز البيانات
المنظمات البيئية لم تكتفِ بالمطالبة الشفهية، بل وجهت رسالة مباشرة إلى أعضاء الكونغرس الأمريكي، تفصل فيها المخاوف المتعلقة بـ مراكز البيانات. الرسالة تؤكد أن هذه المراكز تستهلك كميات ضخمة من الطاقة والمياه، مما يؤدي إلى انبعاثات حرارية تهدد الأمن البيئي والمائي والاقتصادي للمواطنين. الطلب الرئيسي هو وقف إصدار الموافقات على أي مشاريع جديدة حتى يتم وضع ضوابط تنظيمية أكثر صرامة تضمن استدامة هذه المنشآت.
استهلاك الطاقة والمياه: الأرقام تتحدث
لا يتعلق الأمر بمجرد شعارات بيئية، بل بأرقام مقلقة. تشير التقديرات إلى أن استهلاك مراكز البيانات للطاقة قد يتضاعف ثلاث مرات خلال العقد القادم، وهو ما يعادل تشغيل 190 مليون منزل جديد في الولايات المتحدة. وبحلول عام 2030، قد تنتج هذه المراكز ما يصل إلى 44 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يوازي انبعاثات 10 ملايين سيارة إضافية. إضافة إلى ذلك، يثير استهلاك المياه، خاصة في المناطق الجافة، قلقًا بالغًا، حيث تعتمد العديد من هذه المراكز على تبريد المياه بكميات هائلة.
معارضة محلية تتسع وتؤثر على المشاريع
هذه المخاوف لم تقتصر على المنظمات البيئية، بل تحولت إلى حركة معارضة شعبية واسعة النطاق. شركات كبرى مثل ميتا وجوجل و OpenAI تواجه موجة من الاعتراضات على خططها لإنشاء مراكز بيانات ضخمة. وقد أدت هذه الاعتراضات بالفعل إلى تعطيل أو تأجيل 16 مشروعًا بقيمة تتجاوز 64 مليار دولار.
ارتفاع فواتير الكهرباء: الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات
السبب الرئيسي وراء هذه المعارضة هو الارتفاع الملحوظ في فواتير الكهرباء. يشكو المواطنون من أنهم يدفعون ثمن التوسع في صناعة الذكاء الاصطناعي، بينما لا يستفيدون بشكل مباشر من هذه التكنولوجيا. هذا الغضب الشعبي بدأ يتحول إلى قوة سياسية مؤثرة، حيث ساهم في تحقيق الحزب الديموقراطي انتصارات انتخابية في ولايات مثل فيرجينيا ونيوجيرسي، وذلك بفضل حملات انتخابية ركزت على خفض تكاليف الطاقة والحد من انتشار مراكز البيانات.
تحدٍ لوعود ترامب وتأثير على الاقتصاد
يشكل هذا الوضع تحديًا مباشرًا للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي وعد بخفض أسعار الطاقة إلى النصف. لكن الواقع يشير إلى أن فواتير الكهرباء المنزلية في الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 13% منذ توليه منصبه. ويعاني حوالي 80 مليون أمريكي حاليًا من صعوبة دفع فواتير الطاقة والغاز، والكثيرون يحملون مراكز البيانات الجديدة مسؤولية هذا الوضع.
الذكاء الاصطناعي وتكاليف المعيشة: معادلة صعبة
تظهر استطلاعات الرأي أن نصف الأمريكيين يرون أن تكاليف المعيشة، بما في ذلك أسعار الكهرباء والغذاء، وصلت إلى أسوأ مستوياتها. الرفض الشعبي لمراكز البيانات بات واسعًا ويضم مختلف التوجهات السياسية، حيث يشعر الكثيرون بأنهم لا يستفيدون من الذكاء الاصطناعي، بل يتحملون تكلفته. هذا الشعور بالتهميش يغذي الغضب ويزيد من الضغط على الحكومة والشركات. بالإضافة إلى ذلك، يثير البعض تساؤلات حول تأثير هذه المراكز على البنية التحتية المحلية، مثل شبكات الكهرباء والمياه، وقدرتها على استيعاب الطلب المتزايد.
مستقبل مراكز البيانات: نحو تنظيم مستدام؟
الوضع الحالي يتطلب حلولًا مستدامة توازن بين التطور التكنولوجي والحفاظ على البيئة وتلبية احتياجات المواطنين. من الضروري وضع ضوابط تنظيمية صارمة على مراكز البيانات، بما في ذلك معايير لكفاءة استخدام الطاقة والمياه، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة. كما يجب على الشركات العاملة في هذا المجال أن تكون أكثر شفافية بشأن استهلاكها للطاقة والمياه وتأثيرها على البيئة.
دور الابتكار في تقليل الأثر البيئي
لا يمكن تجاهل دور الابتكار في تطوير تقنيات تبريد أكثر كفاءة، واستخدام الذكاء الاصطناعي نفسه لتحسين إدارة الطاقة والمياه في هذه المراكز. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استكشاف إمكانية إعادة استخدام الحرارة الناتجة عن هذه المراكز في تطبيقات أخرى، مثل التدفئة الزراعية أو توفير الطاقة للمباني.
في الختام، المطالبة بوقف إنشاء مراكز البيانات الجديدة في الولايات المتحدة هي بمثابة جرس إنذار يدق بشأن التكاليف الخفية للذكاء الاصطناعي. يتطلب هذا الوضع اهتمامًا عاجلاً من جميع الأطراف المعنية، من أجل التوصل إلى حلول مستدامة تضمن استفادة الجميع من هذه التكنولوجيا، دون المساس بالبيئة أو بتحسين مستوى معيشة المواطنين. ندعوكم للمشاركة في هذه النقاشات الهامة وإبداء آرائكم حول مستقبل صناعة الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
