دخل قرار حظر بيع ساعات آبل الذكية عبر متجرها الإلكتروني حيز التطبيق يوم الخميس الموافق 21 من ديسمبر الجاري، وذلك على خلفية قرار لجنة التجارة الدولية (ITC) القضائي، في الدعوى المقامة على شركة آبل من جانب شركة (ماسيمو) Masimo للتقنيات الطبية.
وقالت شركة آبل في بداية الأسبوع الماضي إنها ستوقف مبيعات أحدث إصدارين من ساعاتها الذكية الرائدة، وهما: Apple Watch Series 9، و Apple Watch Ultra 2، عبر متجرها الإلكتروني في الولايات المتحدة الأمريكية بدءًا من يوم الخميس 21 من ديسمبر، وفي متاجر البيع بالتجزئة بدءًا من يوم الأحد الموافق 24 من ديسمبر.
وقد رفضت لجنة التجارة الدولية يوم الأربعاء الماضي طلب آبل إيقاف تنفيذ قرار الحظر إلى حين النظر في طلب الاستئناف المُقدم من الشركة بشأن الدعوى التي رفعتها شركة (Masimo)، لذلك سيظل تسليم وتسلّم الطلبات متاحًا عبر متاجر البيع بالتجزئة حتى يوم 24 من ديسمبر.
وعلى ضوء هذه التطورات؛ يقول الخبراء إنه باستثناء حدوث معجزة عشية عيد الميلاد – والمقصود هنا تدخل الرئيس الأمريكي جو بايدن لإيقاف قرار الحظر – فمن غير المرجح أن تجد شركة آبل طريقة لتفادي الحظر.
ولكن ما سبب هذا النزاع، ومتى بدأ، وما خسائر آبل المتوقعة نتيجة هذا القرار؟.. إليك القصة كاملة لما يحدث بين شركة آبل وشركة Masimo للتقنيات الطبية:
أولًا؛ ما سبب هذا النزاع، ومتى بدأ؟
يمكننا القول إن هذا النزاع بدأ منذ 10 سنوات تقريبًا، عندما تواصلت شركة آبل مع شركة (Masimo) في عام 2013 بشأن شراكة محتملة لإدماج مستشعر قياس نسبة الأكسجين في الدم في ساعاتها، وقد شملت المناقشات عملية استحواذ محتملة أيضًا، ولكن لم ينجح الأمر. وبعد مدة وجيزة، ورد أن شركة آبل وظفت العديد من مهندسي شركة ماسيمو، بالإضافة إلى الدكتور (مايكل أوريلي) كبير المسؤولين الطبيين فيها.
وقد أشارت بعض التقارير إلى أن شركة آبل دفعت لكبير المسؤولين الطبيين في شركة ماسيمو ملايين الدولارات من الأسهم، بالإضافة إلى مضاعفة راتبه، من أجل إقناعه بإحضار تقنية قياس نسبة الأكسجين في الدم الحاصلة على براءة اختراع إلى الشركة.
وبعد ذلك في خريف عام 2020، أطلقت شركة آبل إصدار (Apple Watch Series 6)، وهي أول ساعة من آبل تتميز بمستشعر (SpO2) لقياس مستويات تشبع الأكسجين في الدم.
وفي عام 2020، رفعت شركة Masimo دعوة قضائية على شركة آبل في المحكمة الفيدرالية في كاليفورنيا، متهمة إياها بسرقة الأسرار التجارية والتعدي على 10 من براءات الاختراع الخاصة بها في مستشعر قياس نسبة الأكسجين في الدم، وطالبت بتعويضات تزيد على 1.8 مليار دولار.
أخذت هذه القضية وقتًا طويلًا في المحاكم، لذا رفعت شركة Masimo بعد ذلك قضية منفصلة أمام لجنة التجارة الدولية في عام 2021، ثم في العام الماضي، رفعت شركة آبل دعوى قضائية على شركة Masimo، مدعية أن الشركة استنسخت ساعاتها الذكية (Apple Watch) عبر ساعتها الطبية (Masimo W1).
انتهت قضية Masimo التي رفعتها على آبل في المحاكم في عام 2020 ببطلان الدعوى في مايو 2023، إذ لم تتمكن هيئة المحلفين من التوصل إلى حكم بالإجماع. ولكن لجنة التجارة الدولية الأمريكية انحازت في القضية الثانية إلى شركة Masimo، وفي شهر يناير/كانون الثاني 2023، قضت بأن ساعات آبل انتهكت بالفعل براءات اختراع شركة Masimo.
ثم أصدرت لجنة التجارة الدولية في أكتوبر 2023 قرارًا بحظر واردات طرز ساعات آبل الجديدة المخالفة، إذ إن آبل تُصنع ساعتها في الصين. بالإضافة إلى ذلك أمرت اللجنة بوقف بيع المنتجات التي تنتهك براءات اختراع شركة Masimo، التي اُسْتُورِدت بالفعل.
وتقدمت آبل بطلب للاستئناف في أكتوبر الماضي، ولكن لم يُبت فيه حتى الآن، مما يجعل الأمل الوحيد لآبل الآن، هو تدخل رئاسي مباشر من الرئيس الأمريكي جو بايدن لوقف تطبيق قرار الحظر، ولا تزال الفرصة سانحة لحدوث هذا التدخل حتى يوم 24 من ديسمبر الجاري.
وقد أعلن البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي أنه يتابع مِن كثب تطورات الأوضاع المتعلقة بالحكم القضائي الذي اتخذته لجنة التجارة الدولية بشأن حظر بيع ساعات آبل الذكية.
والآن لا يفصلنا سوى ساعات قليلة على نهاية مدة المراجعة الرئاسية التي تبلغ 60 يومًا، والتي تتيح للرئيس جو بايدن فرصة استخدام حق النقض تجاه الحظر. وإذا لم يُصدر حق النقض بحلول الوقت الذي تنتهي فيه مدة المراجعة، فسيدخل الحظر حيز التنفيذ.
ثانيًا؛ ما دفاع شركة آبل؟
نفت شركة آبل ارتكابها أي مخالفات أو سرقة أي براءة اختراع من شركة (Masimo)، وقالت في تصريحات سابقة: “تعمل فرق آبل بلا كلل لتطوير منتجات وخدمات تمكّن المستخدمين من الحصول على مزايا الصحة والعافية والسلامة الرائدة في الصناعة”.
وفي بيان نقلته صحيفة وول ستريت جورنال، قال أحد ممثلي شركة آبل: “إن شركة ماسيمو كانت مجرد “واحدة من العديد من شركات التكنولوجيا الطبية” التي عقدت شركة آبل اجتماعات معها خلال تلك المدة الزمنية”. مشيرًا إلى عام 2013 وقت المناقشات مع ماسيمو. وزعمت آبل أيضًا أنها رفضت العمل مع Masimo؛ لأنها ليست شركة تركز على المستهلك.
كما كان أحد دفاعات شركة آبل عن نفسها في هذه القضية، هو أن ساعات (Apple Watch) لديها القدرة على إنقاذ الحياة من خلال مساعدة المستخدمين في اكتشاف المشكلات المحتملة المتعلقة بصحتهم.
ثالثًا؛ هل يمكن أن يستخدم الرئيس الأمريكي حق النقض لصالح آبل فعلًا؟
سيكون حصول شركة آبل على حق النقض الرئاسي هذه المرة أمرًا صعبًا للغاية – إذ إنها حصلت عليه مرة سابقة في عهد الرئيس أوباما – فمن النادر جدًا أن يقوم الرئيس الأمريكي بإلغاء قرار صادر عن لجنة التجارة الدولية، ويرى الخبراء أنه أمر غير مرجح في هذه الحالة بالذات؛ لأن للحصول على حق النقض، يتعين على الشركة عادةً إثبات أن حق النقض الذي تطلبه له أساس في المصلحة العامة، أو في سياسة الصحة العامة، وليس هذا هو الحال مع ساعات آبل.
ومع ذلك، تمكنت شركة آبل من التغلب على النظام مرة واحدة، وبالتحديد في عام 2013، عندما استخدم الرئيس باراك أوباما حق النقض تجاه حظر استيراد هواتف آيفون وأجهزة آيباد، بسبب اتهام شركة سامسونج شركة آبل بانتهاك براءات اختراع البيانات الخلوية الخاصة بها.
ولكن في هذه الحالة، تمكنت شركة آبل من تقديم الحجة القائلة بوجود مشكلات تتعلق بترخيص (FRAND) المعني بالشروط (العادلة والمعقولة وغير التمييزية) في براءات الاختراع، وعدّت براءات الاختراع المعنية معيارية وضرورية، وكانت إدارة أوباما تشعر بالقلق من أن حظر الاستيراد من شأنه أن يمنح شركة سامسونج الكورية نفوذًا لا داعي له.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أثر هذا فقط في هواتف iPhone 4 والنماذج القديمة من أجهزة آيباد، ولم تستخدم هواتف آيفون الحديثة شرائح اتصالات مخالفة، وفي حالة (Apple Watch) ليس لدى آبل أي من هذه الحجج.
رابعًا؛ ما خسائر آبل المتوقعة نتيجة هذا القرار؟
توقع محلل مالي في مؤسسة (J.P. Morgan) للاستشارات المالية، أن يقتطع قرار حظر بيع ساعات آبل من عوائد الشركة السنوية نسبة قدرها 1%، أي ما يُقدر بنحو 5 مليارات دولار، وذلك وفقًا لتقرير نشره موقع (آبل إنسايدر) خلال الأسبوع الماضي. وأشارت المؤسسة إلى أن التأثير الحقيقي للحظر على آبل سيظهر بشكل واضح من خلال طول مدة الحظر.
ووضعت مؤسسة (J.P. Morgan) تقديرها هذا على أساس أحدث إحصائيات من مؤسسة (IDC) لأبحاث السوق، التي أشارت إلى أن ساعات آبل تبيع بمتوسط سنوي نحو 43.9 مليون وحدة، بمتوسط عوائد سنوية تقرب من 20 مليار دولار.
كما أشارت المؤسسة إلى أن ساعات آبل المحظورة، تشكل نسبة قدرها 80% من طلبات ساعات آبل هذا العام، بالإضافة إلى أن آبل تستحوذ على نسبة قدرها 30% فقط من سوق الساعات الذكية العالمية.
خامسًا؛ ما خطط آبل المستقبلية؟
من غير المرجح أن يستخدم الرئيس الأمريكي حق النقض، ولكن هذا لا يعني أن شركة آبل ستقبل قرار حظر الاستيراد لشريحة من منتجاتها تبلغ قيمتها نحو 17 مليار دولار من مجمل أعمالها.
وقالت (نيكي روثبيرج) Nikki Rothberg المتحدثة باسم شركة آبل في تصريح لموقع (ذا فيرج) التقني: “إن الشركة تتبع مجموعة من الخيارات القانونية والفنية لضمان إتاحة Apple Watch للعملاء”. وهذا يعني أن الساعة ستعود للبيع بطريقة أو بأخرى، إنها مجرد مسألة المسار الذي ستتخذه شركة آبل.
وقد أشارت شركة آبل بالفعل إلى أنها تخطط للاستئناف، لكن الاستئناف عملية طويلة قد تستغرق نحو 18 شهرًا. ومن المحتمل أيضًا أن تطلب الشركة وقف حظر الاستيراد، لكن الخبراء يقولون: “إنه من غير المرجح أن تُمنح آبل ذلك؛ لأنه سيتعين عليها إثبات أنها ستتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه”.
وهذا يعني أنه يجب على آبل تقديم دليل قوي ومقنع بأنها ستخرج من السوق إذا لم تتمكن من بيع ساعاتها الذكية، وهذا أمر مستحيل؛ لأن ساعات (Apple Watch) تشكل ما يقرب من 30% من سوق الساعات الذكية العالمي فقط، كما أن آبل لن تنهار إذا لم تتمكن من بيع إصدارات ساعاتها الذكية الرائدة الجديدة في الولايات المتحدة فقط.
سيكون من الصعب على آبل خسارة مثل هذا السوق المهم، لكنها لا تزال قادرة على بيع جميع طرز (Apple Watch) الثلاثة في خارج الولايات المتحدة. وكذلك لن يؤثر حظر الاستيراد في ساعات (Apple Watch) كلها، إذ إن القرار لا يشمل طراز (Apple Watch SE)؛ لأنه لا يدعم مستشعر قياس نسبة الأكسجين في الدم.
كما يعمل مهندسو آبل حاليًا على تطوير تحديث برمجي يعمل على تعطيل مستشعر SpO2، ومن ثم يمكنها العودة مباشرة إلى استيراد ساعاتها الجديد لبيعها في الولايات المتحدة، وفقًا لتقرير من وكالة بلومبرج.
لكن جو كياني؛ الرئيس التنفيذي لشركة ماسيمو، أكد أن التحديث البرمجي لن يحل الأزمة، مشيرًا إلى أن براءات الاختراع المسجلة باسم شركته تشمل مكونات مادية وأنظمة برمجية، استغلتها آبل في تقديم مزايا قياس نسبة الأكسجين في الدم لمستخدمي ساعاتها الذكية.
كما أشار كياني خلال مقابلة مع بلومبرج إلى أن حظر بيع ساعات آبل الذكية في الولايات المتحدة لم يكن أمرًا ممكنًا إذا كانت ساعات آبل تُصنع محليًا، ولكنه أصبح واقعًا الآن نظرًا إلى أن هذه الساعات تُصنع خارج الأراضي الأمريكية.
ثم هناك الخيار السهل الذي من شأنه أن يكلف آبل بعض المال، وهو التفاوض مع شركة Masimo وإبرام صفقة ترخيص لبراءات الاختراع المنتهكة، وهذا الخيار مستعدة له شركة Masimo جدًا، وطرحه مديرها التنفيذي في أكثر من مقابلة.
ولكن صعوبة هذا الخيار تكمن في أن شركة آبل لن تستسلم بسهولة، إذ إنها تُعد واحدة من أكثر الشركات التي رُفعت دعاوى قضائية عليها في وادي السيليكون. كما أن الاحتياطيات النقدية الكبيرة لآبل تجعلها تصمد طويلًا في أي نزاع قضائي، إذ إن رفع دعوى قضائية على شركة آبل يُعد أمرًا مكلفًا، يُقال إن شركة ماسيمو، على سبيل المثال، أنفقت 60 مليون دولار في هذه القضية حتى الآن.
الخاتمة:
تمثل هذه القضية تطورًا غير مسبوق في القطاع التقني، وما زالت رؤية شركة آبل لما سيحدث في المستقبل غير واضحة. نعم تؤكد آبل أنها ستتخذ جميع التدابير لإعادة توفير ساعاتها الذكية لعملائها في الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن، ولكنها غير قادرة على تحديد الطريق الذي ستسلكه بالضبط.
وفي بيان سابق؛ أكد جو كياني؛ الرئيس التنفيذي لشركة (Masimo) أن قرار لجنة التجارة الدولية “بعث برسالة قوية مفادها أنه حتى أكبر شركة في العالم ليست فوق القانون”. لذلك فإن انتصار شركة Masimo سيمثل سابقة لتطبيق براءات الاختراع بنحو أكثر صرامة في مجال التكنولوجيا الصحية القابلة للارتداء، وهو أمر سيؤثر في آبل، والشركات المصنعة الأخرى أيضًا.
لذلك يبقى الوضع كما هو حتى الآن، ويترقب القطاع التقني بأكمله تطورات الأحداث في الساعات المقبلة.