قطر تنضم إلى سباق الذكاء الاصطناعي العالمي بإطلاق شركة “Qai” الوطنية، في خطوة تعكس رؤية طموحة لتحويل الاقتصاد وتعزيز مكانة الدولة في هذا المجال الحيوي. يأتي هذا الإعلان في وقت يشهد فيه العالم ثورة حقيقية في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتزايد الاستثمارات من جانب الدول والشركات الخاصة على حد سواء. قطر، من خلال جهاز قطر للاستثمار، تسعى إلى لعب دور ريادي في هذا التحول، وتأكيد التزامها بمستقبل يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.
إطلاق شركة “Qai”: دفعة قوية لقطاع الذكاء الاصطناعي في قطر
أعلن جهاز قطر للاستثمار، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، عن تأسيس شركة “Qai” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. تبرز هذه الخطوة كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز القدرات التنافسية في مختلف القطاعات. يمتلك جهاز قطر للاستثمار أصولاً تقدر بنحو 524 مليار دولار، مما يضع “Qai” في موقع متميز للاستفادة من التمويل اللازم لتطوير بنية قوية للذكاء الاصطناعي، سواء داخل قطر أو من خلال استثمارات خارجية.
الشركة ستركز على توفير “حوسبة عالية الأداء وحزمة أدوات مترابطة” لدعم الباحثين والمطورين والشركات في قطر. على الرغم من عدم الكشف عن حجم الاستثمارات الأولية أو التفاصيل الدقيقة للأدوات التي ستوفرها “Qai”، إلا أن الإعلان يمثل إشارة قوية إلى عزم قطر على تسريع وتيرة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي.
رؤية “Qai” تتجاوز النماذج اللغوية التقليدية
برئاسة عبد الله المسند، الخبير في مجال الاستثمار و المقرب من مكتب رئيس الوزراء القطري، تتبنى “Qai” رؤية استراتيجية تتجاوز مجرد تطوير نماذج لغوية ضخمة مثل “Gemini”. يركز المسند على أهمية تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي “موثوقة”، حيث أكد على الحاجة إلى توفير الأدوات اللازمة لتبني هذه التقنيات مع ضمان الثقة في مخرجاتها.
“Qai” ستعمل بشكل أساسي على تقييم النماذج الموجودة وتسويقها، مع التركيز بشكل خاص على الاستثمار في تقنيات متقدمة مثل “الوكلاء المستقلين”. هذه الأنظمة الحاسوبية قادرة على أداء مجموعة واسعة من المهام بشكل مستقل، مما يفتح آفاقًا جديدة للابتكار والإنتاجية. ويضيف المسند: “إننا نفكر في ما بعد العامين أو الثلاثة المقبلين، وهذا ما يحقق القيمة من الذكاء الاصطناعي.”
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي: اتجاه متزايد في دول الخليج
لا يقتصر اهتمام الذكاء الاصطناعي على قطر فحسب، بل يشهد دول الخليج العربية سباقًا محتدمًا لتبني هذه التقنيات. فقد ضخت هذه الدول استثمارات ضخمة في هذا القطاع خلال عام 2025، إدراكًا منها للدور المحوري الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في مستقبل الاقتصادات العالمية.
إلى جانب قطر، تشهد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مبادرات طموحة في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد أطلقت الإمارات شركة “G42” لتصبح رائدة في تطوير وتطبيق حلول الذكاء الاصطناعي، بينما قامت المملكة بإطلاق “Humain” بهدف مشابه.
هذه الاستثمارات لا تقتصر على الكيانات الوطنية فحسب، بل تمتد لتشمل الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. كما شهدت الشركات الخليجية مشاركة فعالة في جولات التمويل لشركات عالمية مثل أنثروبيك الأمريكية، حيث شارك جهاز قطر للاستثمار في جولة تمويلية بقيمة 13 مليار دولار في سبتمبر الماضي.
الشرق الأوسط: مركزًا جاذبًا لشركات الذكاء الاصطناعي العالمية
أصبح الشرق الأوسط وجهة جذابة للشركات التقنية الكبرى، مثل OpenAI ومايكروسوفت، نظرًا لعدة عوامل منها وفرة التمويل وتكاليف الطاقة المنخفضة اللازمة لتشغيل مراكز البيانات الضخمة. تتزايد الحاجة إلى هذه البنية التحتية مع تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانة المنطقة كمركز إقليمي للابتكار.
وفي نوفمبر الماضي، وافقت الولايات المتحدة على بيع كميات كبيرة من رقاقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى كل من “G42” و “Humain”، وهي رقاقات تخضع لقيود على الوصول إليها في العديد من البلدان. هذا يؤكد على الثقة التي توليها الشركات العالمية للمنطقة وقدرتها على الاستفادة من هذه التقنيات.
ومع ذلك، تواجه قطر، مثل غيرها من الدول في المنطقة، تحديات تتعلق بالحصول على التراخيص اللازمة لاستيراد أحدث المعالجات من شركات مثل إنفيديا و AMD. هذه القيود قد تؤثر على وتيرة تطوير البنية التحتية المتقدمة للذكاء الاصطناعي، لكنها لا تقلل من طموح الدولة في هذا المجال. الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطوير الكفاءات الوطنية في هذا المجال يعتبر جزءًا أساسيًا من رؤية قطر الوطنية.
خاتمة
يمثل إطلاق شركة “Qai” خطوة استراتيجية هامة لقطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. من خلال الاستثمار في البنية التحتية والأدوات والتقنيات المتقدمة، وكذلك من خلال التركيز على تطوير أنظمة موثوقة، تسعى قطر إلى أن تكون في طليعة الدول التي تستفيد من هذه الثورة التكنولوجية. مع استمرار دول الخليج في ضخ الاستثمارات وتوسيع نطاق التعاون، من المتوقع أن يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي في المنطقة نموًا غير مسبوق في السنوات القادمة. ندعوكم لمتابعة تطورات هذا المجال الحيوي وكيف ستساهم في تشكيل مستقبل الاقتصاد والابتكار في قطر وخارجها.
