في ختامٍ مُبهرٍ لمنافسات استقطبت اهتمام مجتمع المياه الدولي، شهدت مدينة جدة تتويج الفائزين بجائزة الابتكار العالمية في المياه في نسختها الثالثة، ضمن أعمال النسخة الرابعة من مؤتمر الابتكار في استدامة المياه (IDWS2025). هذا الحدث يمثل نقطة تحول في البحث عن حلول مبتكرة لمواجهة تحديات المياه المتزايدة حول العالم، ويؤكد على أهمية جائزة الابتكار العالمية في المياه كمنصة رئيسية لدعم وتكريم المبدعين في هذا المجال الحيوي.
جدة تحتفي بأبطال الابتكار المائي
شهدت مدينة جدة احتفالًا كبيرًا بتكريم 14 فائزًا من مختلف أنحاء العالم، نجحوا في تقديم حلول رائدة في مجال المياه، متجاوزين المعايير الصارمة التي وضعتها لجنة التحكيم الدولية. هذا الحضور الدولي اللافت يعكس الإيمان العالمي بأهمية هذه الجائزة ودورها في تسريع وتيرة الابتكار. إجمالي قيمة الجوائز التي تم تخصيصها في مختلف مراحل المسابقة بلغ 10 ملايين دولار أمريكي، مما يدل على التزام حقيقي بتحويل الأفكار البحثية الواعدة إلى تقنيات عملية قابلة للتطبيق.
الجائزة الكبرى: تقدير للأثر والاكتشاف
هذا العام، تميزت الجائزة الكبرى بتقسيمها إلى فئتين رئيسيتين: الجائزة الكبرى للأثر، والتي ذهبت إلى هان تشينج يو (HanQing Yu) من الصين، تقديرًا لابتكاره الذي يُحدث تأثيرًا كبيرًا ومباشرًا في قطاع المياه. بينما حاز جويهوا يو (Guihua Yu) من الولايات المتحدة الأمريكية على الجائزة الكبرى للاكتشاف، اعترافًا بأهمية اكتشافه في فتح آفاق جديدة لحلول المياه المستدامة.
جائزة الابتكار العالمية في المياه لا تقتصر على التكريم، بل هي بمثابة دفعة قوية لتبني هذه الابتكارات وتطبيقها على نطاق واسع. وتسعى الجائزة إلى مد جسور التعاون بين الباحثين والمؤسسات والشركات لضمان الوصول إلى المياه النظيفة للجميع.
قائمة المكرمين: تنوع عالمي في حلول المياه
لم يقتصر التكريم على الفائزين بالجائزة الكبرى فحسب، بل شمل أيضًا 12 مبتكرًا آخرين من مختلف المسارات، مما يعكس شمولية الجائزة واتساع نطاق تأثيرها. وغطت قائمة المكرمين نخبة من المبتكرين من دول مختلفة:
- المملكة المتحدة: تشارلي نورتون، بريملال بالاكريشنا بيلاي، وعمر داوود.
- الولايات المتحدة الأمريكية: جون غراديك، حميد رضا ساموئي، وأندروشيفيتس.
- إسبانيا: ألينا كامبس، وإينيس لاريّا.
- هونج كونج، الصين: جيانانان غاو.
- تركيا: وليد صوفي.
- المملكة العربية السعودية: أبرار ظافر.
هذا التنوع في الجنسيات والخلفيات يعكس أن تحديات المياه عالمية، وأن الحلول الممكنة يمكن أن تأتي من أي مكان في العالم.
ستة مسارات حيوية للابتكار في قطاع المياه
تمحورت الابتكارات الفائزة حول ستة مسارات رئيسية تعتبر حيوية لمستقبل قطاع المياه، وهي:
- التقنيات المتقدمة لإنتاج المياه: تشمل تقنيات تحلية المياه، وتجميع مياه الأمطار، وإعادة تدوير المياه.
- تحسين جودة المياه وإعادة استخدامها: تركز على تطوير طرق فعالة لإزالة الملوثات من المياه، وجعلها صالحة للشرب أو الاستخدامات الأخرى.
- حلول المعالجة الذكية: استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين كفاءة عمليات معالجة المياه.
- تقنيات الحد من الترسيب: تطوير طرق لمنع تراكم الرواسب في الأنابيب والخزانات، مما يقلل من تكاليف الصيانة ويحسن جودة المياه.
- النماذج الرقمية لتطوير وأتمتة العمليات: استخدام النماذج الرقمية لتحسين إدارة موارد المياه، وأتمتة عمليات التشغيل والصيانة.
- ابتكارات وحلول الاستدامة: تطوير حلول صديقة للبيئة تساهم في الحفاظ على موارد المياه للأجيال القادمة.
هذه المسارات الستة تعكس التحديات الرئيسية التي تواجه قطاع المياه، وتوجه جهود البحث والتطوير نحو إيجاد حلول عملية ومستدامة. الاستدامة المائية هي الهدف الأسمى الذي تسعى الجائزة إلى تحقيقه.
معايير التقييم: الجدوى الاقتصادية والتأثير البيئي
أشادت لجنة التحكيم، التي ضمت 28 خبيرًا دوليًا من 12 دولة، بالمستوى الاستثنائي للمشاركات. وأكدت اللجنة أن المعيار الأساسي للحلول الفائزة لم يقتصر على الابتكار التقني فحسب، بل امتد ليشمل الجدوى الاقتصادية والتأثير البيئي الإيجابي. لذلك تم التركيز على الحلول التي يمكن تطبيقها بسهولة وبتكلفة معقولة، والتي تساهم في حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية.
وتسعى إدارة المياه المستدامة إلى التوفيق بين الاحتياجات المتزايدة للمياه والحفاظ على البيئة، وهو التحدي الذي يركز عليه هذا الابتكار.
أهمية الجائزة في مواجهة التحديات العالمية
جائزة الابتكار العالمية في المياه ليست مجرد مسابقة أو حفل تكريم، بل هي منصة عالمية لدعم الابتكار في قطاع المياه، وتسريع وتيرة التحول نحو مستقبل أكثر استدامة. فهي تسهم في:
- مواجهة نقص المياه: من خلال تحفيز الأبحاث وتطوير تقنيات جديدة لإنتاج المياه، ومعالجتها، وإعادة استخدامها.
- التكيف مع تغير المناخ: من خلال دعم الابتكارات التي تساعد في بناء مرونة أنظمة المياه، وتحسين كفاءة استخدامها في ظل الظروف المتغيرة.
- بناء القدرات: من خلال تبادل المعرفة والخبرات بين الباحثين والمؤسسات والشركات من مختلف أنحاء العالم.
- إلهام الجيل القادم: من خلال تسليط الضوء على الأفراد والمؤسسات التي تقود التغيير، وتشجيع الشباب على الانخراط في مجال الابتكار المائي.
باختصار، تمثل هذه الجائزة استثمارًا مهمًا في مستقبل الأمن المائي العالمي، وهي بمثابة رسالة أمل للعالم، تؤكد على أن الابتكار هو السبيل الوحيد لضمان استدامة موارد المياه للأجيال القادمة. نأمل أن تلهم هذه الإنجازات المزيد من المبادرات والحلول المبتكرة لمواجهة تحديات المياه في جميع أنحاء العالم.
