شهد العام 2025 تصاعدًا ملحوظًا في حالات **انقطاع الإنترنت** واسعة النطاق، الأمر الذي لم يعد يقتصر على تجارب فردية للمستخدمين. فقد أصبح الإنترنت البنية التحتية الأساسية للاتصالات والخدمات المالية والاقتصادية عالميًا، ما يجعل أي تعطل بمثابة كارثة محتملة تتسبب بخسائر بمليارات الدولارات وتؤثر على حياة الملايين. وتعاني الخدمات الرقمية حول العالم من انقطاعات متكررة بسبب أعطال في البنية التحتية للويب.
ومنذ بداية العام، تعطلت العديد من المنصات التي يستخدمها ملايين الأشخاص نتيجة أعطال تقنية لدى مزودي خدمات الإنترنت. وتجلى ذلك بشكل واضح في حادثة أكتوبر الماضي، حين أدى انقطاع استمر 15 ساعة في مراكز بيانات أمازون إلى تعطيل مواقع وخدمات مالية وحكومية رئيسية. كما تسبب خلل حديث في شركة كلاود فلير بتعطيل خدمات واسعة النطاق، بما في ذلك ChatGPT ومنصة X، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من المواقع الأخرى التي تعتمد عليها.
أسباب تزايد حالات انقطاع الإنترنت
على الرغم من أن هذه الأعطال قد تبدو مفاجئة نظرًا لحجم الشركات المتضررة، إلا أنها نتيجة حتمية للتطور المعقد الذي وصلت إليه شبكة الإنترنت، والاتجاه المتزايد للشركات نحو حلول أقل تكلفة وأكثر كفاءة على حساب تنويع البنية التحتية. فالاعتماد المتزايد على عدد قليل من الشركات الكبرى في مجال الحوسبة السحابية يزيد من المخاطر.
كيف يصل المستخدم إلى الإنترنت؟
عند إدخال عنوان موقع إلكتروني في المتصفح، تبدأ سلسلة من العمليات المعقدة والسريعة. تعتمد جميع الأجهزة المتصلة بالإنترنت على عناوين IP ونظام أسماء النطاقات (DNS) للتواصل، بينما تتكون المواقع والتطبيقات من حزم بيانات تتضمن النصوص والصور والوظائف المختلفة. تنتقل طلبات المستخدمين عبر أجهزة التوجيه والكابلات والمراكز الإقليمية، وأحيانًا عبر الكابلات البحرية، إلى الخادم المناسب الذي يستقبل الطلب ويرسل البيانات المطلوبة.
تحدث الأعطال عندما يتعطل جزء من هذه السلسلة المترابطة. وتلعب الحوسبة السحابية دورًا رئيسيًا في توسيع نطاق هذه الانقطاعات، حيث أن تركيز الخدمات في عدد محدود من مراكز البيانات يجعلها عرضة للخطر.
الحوسبة السحابية وتأثيرها على استقرار الإنترنت
في الماضي، كانت الشركات تحتفظ ببياناتها على خوادم داخلية في مقارها. أما الآن، ومع انتشار الحوسبة السحابية التي روجت لها أمازون أولاً ثم تبعتها مايكروسوفت وجوجل، تعتمد الغالبية العظمى من الخدمات الرقمية على خوادم تقع في مراكز بيانات بعيدة، مقسمة إلى “مناطق” جغرافية. تعطل إحدى هذه المناطق يمكن أن يؤدي إلى توقف واسع النطاق للخدمات.
الخلل الذي أصاب خوادم أمازون السحابية AWS في أكتوبر الماضي كان ناتجًا عن خطأ برمجي في إحدى خدماتها الأساسية، مما تسبب في سلسلة من الأعطال امتدت إلى العديد من المواقع والخدمات. وتشمل أسباب الأعطال أيضًا أخطاء برمجية، وارتفاع درجة حرارة مراكز البيانات، وانقطاع الكابلات الرئيسية.
هيمنة الشركات الكبرى ومخاطر الاحتكار
في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تستحوذ AWS و Azure على أكثر من 70٪ من سوق الحوسبة السحابية، مع وجود قوي أيضًا لخدمات جوجل كلاود. وتكرر هذه الهيمنة نفسها في الأسواق العالمية الأخرى، ما يخلق مخاطر كبيرة. فتعطّل أحد خوادم هذه الشركات يمكن أن يؤدي إلى توقف جزء كبير من الإنترنت. الاعتماد على عدد قليل من الشركات يزيد من احتمالية حدوث تأثير مضاعف.
تتعرض هذه الشركات لانتقادات بسبب ممارسات احتكارية تجعل من الصعب على العملاء الانتقال إلى شركات أخرى، خاصة مع اختلاف البنى التقنية وارتفاع تكلفة التغيير. يزيد الأمر تعقيدًا التخصص الكبير للمهندسين في منصة واحدة، مما يرفع تكلفة التنويع والتغيير بالنسبة للعملاء.
تداعيات أعطال الخدمات السحابية
على الرغم من أن هذه الشركات توفر مستوى عالٍ من الموثوقية، إلا أن الترابط الشديد بين الخدمات الرقمية يجعل أي خطأ صغير له آثار واسعة. حادثة CrowdStrike في يوليو 2024 مثال على ذلك، حيث تسبب تحديث خاطئ بظهور “شاشة الموت الزرقاء” في ملايين أجهزة ويندوز المستخدمة في عمليات حيوية. أدى التحديث المتزامن إلى عطل واسع النطاق في المطارات والبنوك والأنظمة المصرفية والصحية وخدمات النقل والملاحة.
كيف تقلل الشركات من المخاطر؟
تحتاج الشركات إلى إعداد خطط طوارئ تشمل استخدام خدمات بديلة في مناطق أخرى، أو توفير خوادم احتياطية داخلية للمهام الحساسة. أما المستخدمون العاديون، فلا يمكنهم فعل الكثير سوى انتظار إصلاح العطل، والتوقف لحظة لتقدير مدى التعقيد الهائل للبنية الرقمية التي تدير حياتنا اليومية وهشاشتها المدهشة في الوقت ذاته.
من المتوقع أن تواصل الحكومات والهيئات التنظيمية حول العالم دراسة سبل تعزيز استقرار البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك تشجيع المنافسة في سوق الحوسبة السحابية وتنويع مصادر البيانات. وسيكون من المهم مراقبة التطورات التنظيمية والاستثمارات في البنية التحتية في الأشهر والسنوات القادمة، وتقييم مدى فعاليتها في الحد من مخاطر **انقطاع الإنترنت** المستقبلية.
