في سباق محموم نحو مستقبل مدفوع بالذكاء الاصطناعي، أطلقت جوجل مؤخرًا نموذجها الأحدث، Gemini 3 Pro، في محاولة لاستعادة ريادتها في هذا المجال الحيوي. لكن بينما تحتفل الشركة بإمكانيات هذا النموذج الجديد، يبدو أن المدير التنفيذي لوحدة الذكاء الاصطناعي في جوجل “ديب مايند”، ديميس هاسابيس، يضع نصب عينيه بالفعل الجيل التالي من الابتكار، مع تحذيرات بشأن احتمالية حدوث فقاعة في السوق وتأكيد على أن استراتيجية جوجل طويلة الأمد بدأت تؤتي ثمارها. هذا المقال يستكشف تفاصيل Gemini 3 Pro، رؤية هاسابيس للمستقبل، وتقييمه لوضع سوق الذكاء الاصطناعي.
Gemini 3 Pro: أفضل نموذج شامل حتى الآن
أكد ديميس هاسابيس أن الهدف الأساسي من تطوير Gemini 3 Pro كان إنشاء “أفضل نموذج شامل” قادر على معالجة نقاط الضعف التي كانت موجودة في الإصدارات السابقة، خاصةً في مجالات مثل البرمجة والاستدلال والرياضيات. ويُعد هذا النموذج بمثابة “مكوّن أساسي” في مسيرة جوجل نحو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو هدف طموح يسعى إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على فهم وتعلم وتنفيذ أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها.
تشير التقارير الأولية إلى أن Gemini 3 Pro يقدم أداءً قوياً ومتميزاً. أوضح جوش وودوارد، نائب رئيس جوجل، أن هذه النماذج الجديدة قادرة على الحفاظ على سياق التفكير عبر خطوات متعددة، مما يتيح لها توليد واجهات مخصصة مثل الدروس التفاعلية والآلات الحاسبة، مما يعزز من تفاعلية المستخدم وسهولة الاستخدام.
قاعدة مستخدمين ضخمة تدعم النمو
تعتمد جوجل على قاعدة مستخدمين ضخمة لدعم توسع خدماتها المبنية على الذكاء الاصطناعي. ويبلغ عدد مستخدمي تطبيق Gemini النشطين شهريًا أكثر من 650 مليون مستخدم، بينما يتفاعل مليار شخص مع ميزة “مطالعات الذكاء الاصطناعي” في محرك البحث Google. هذه الأرقام الهائلة تعزز من قدرة جوجل على جمع البيانات وتحسين نماذجها، وتوفر لها ميزة تنافسية كبيرة في سوق الذكاء الاصطناعي.
نماذج العالم: الجيل التالي من الذكاء الاصطناعي
وعلى الرغم من التركيز الحالي على إطلاق Gemini 3، فإن هاسابيس يولي اهتماماً كبيراً لما يصفه بالمجال البحثي التالي للذكاء الاصطناعي، وهو “نماذج العالم” (World Models). يستثمر هاسابيس معظم وقته في تطوير هذه الفئة من النماذج، مشيرًا إلى مشاريع مثل SIMA 2 ونموذج توليد الفيديو Genie 3.
تُستخدم هذه النماذج داخل جوجل لتدريب الروبوتات والوكلاء الأذكياء لتنفيذ المهام نيابةً عن المستخدم. يعتقد هاسابيس أن نماذج العالم ستكون حاسمة لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، ويتوقع لها أن تحدث تأثيرًا مشابهًا لإطلاق ChatGPT، على الرغم من الاعتراف بالتحديات الكبيرة التي تواجهها، مثل التكلفة العالية وصعوبة ضمان اتساق المحتوى الذي تولده. هذه النماذج تمثل نقلة نوعية في تعلم الآلة، حيث تهدف إلى فهم العالم ومحاكاته، وليس مجرد معالجة البيانات.
فهم العالم ومحاكاته
نماذج العالم هي فئة متقدمة من نماذج الذكاء الاصطناعي، تهدف إلى محاكاة العالم من حولنا، بدلًا من مجرد التنبؤ بالنصوص أو الصور. تعتمد هذه النماذج على بناء تمثيل داخلي لكيفية عمل البيئة، بما في ذلك قوانين الحركة والتفاعلات والعلاقات بين الأشياء المختلفة، مما يمكنها من التخطيط والتعلم واتخاذ القرارات بشكل مشابه للإنسان. يشارك هاسابيس هذا الرأي علماء آخرون بارزون في المجال، مثل يان لوكون وفي-في لي.
فقاعة في سوق الذكاء الاصطناعي؟
وسط الحديث المتزايد عن “فقاعة الذكاء الاصطناعي”، قدم هاسابيس رؤية حذرة. أكد وجود “فقاعة واضحة في السوق الخاصة” مشيرًا إلى أن شركات ناشئة لا تمتلك خبرة أو تقنيات جوهرية تحصل على تقييمات بمليارات الدولارات، وهو ما وصفه بأنه “غير منطقي” و”غير مستدام”.
لكنه في المقابل يرى أن وضع جوجل مختلف تمامًا. منذ انضمام “ديب مايند” إلى جوجل قبل 12 عامًا، كانت رؤيته واضحة: أن تصبح أبحاث الذكاء الاصطناعي أساسًا لمنتجات جوجل. يبدو أن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها، حيث أصبح Gemini جزءًا أساسيًا من خدمات مثل محرك البحث ويوتيوب والخدمات السحابية، مما يترجم إلى عائدات ملموسة. يعتقد هاسابيس أن جوجل مستعدة لمواجهة أي سيناريو، سواء انفجرت الفقاعة أم لا.
الطريق إلى الذكاء الاصطناعي الفائق: تحديات مستمرة
على الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق مع Gemini 3 Pro، يصر هاسابيس على أن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام (AGI) لا يزال بعيد المنال، ويتطلب ما بين 5 إلى 10 سنوات من البحث والتطوير الإضافي. ويؤكد على الحاجة إلى تحقيق “اختراقات” في مجالات مثل الموثوقية والاستدلال والذاكرة في نماذج الذكاء الاصطناعي.
يشير هاسابيس إلى أن “عوائد التوسع في حجم النماذج تتضاءل”، ولكنه يؤكد أن الاستثمار في هذا الاتجاه لا يزال مجديًا، على الرغم من أنه لم يعد ينتج قفزات كبيرة كما في السابق. الوصول إلى الذكاء العام الاصطناعي يتطلب جهدًا مستمرًا وابتكارًا دائمًا.
باختصار، بينما تحتفل جوجل بإطلاق Gemini 3 Pro، يركز ديميس هاسابيس بالفعل على المستقبل، مع رؤية واضحة لتطوير نماذج العالم والوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام، مع الحذر من احتمالية حدوث فقاعة في السوق، والثقة في أن استراتيجية جوجل طويلة الأمد ستضمن لها مكانة رائدة في هذا المجال المتطور.
