تتسارع الخطى في المملكة العربية السعودية نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030 الطموحة، التي ترتكز على تنويع الاقتصاد وقيادة دفة التحول الصناعي القائم على المعرفة والابتكار. وفي هذا السياق، يبرز قطاع السيارات الكهربائية كأحد الركائز الأساسية للمستقبل، إذ لا تقتصر الجهود على تبني هذه التقنية فحسب، بل تتجاوزها إلى توطين الصناعة وبناء منظومة متكاملة تهدف إلى جعل المملكة مركزًا عالميًا للسيارات الكهربائية. هذه التطورات المتلاحقة تعكس التزامًا راسخًا بتحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة في مجال التنقل المستدام.
رؤية 2030 والتحول نحو السيارات الكهربائية
تعتبر رؤية 2030 حافزًا رئيسيًا للنمو المتسارع في قطاع السيارات الكهربائية بالمملكة. فالهدف ليس فقط تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة البيئية، بل أيضًا خلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتنويع مصادر الدخل الوطني بعيدًا عن النفط. الاستثمار في هذا القطاع يتماشى بشكل كامل مع أهداف الرؤية الطموحة، ويضع المملكة في موقع متقدم على خريطة صناعة السيارات العالمية. كما أن الدعم الحكومي القوي والتشريعات المحفزة تلعب دورًا حاسمًا في جذب الشركات الرائدة في هذا المجال.
تدشين مركز الابتكار المشترك للسيارات الكهربائية: نقطة تحول
يمثل تدشين مركز الابتكار المشترك للسيارات الكهربائية بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) وشركة لوسيد Lucid علامة فارقة في مسيرة المملكة نحو توطين هذه الصناعة. المركز، الأول من نوعه في الشرق الأوسط، يهدف إلى تعزيز البحث والتطوير في مجال تقنيات البطاريات، وأنظمة القيادة المتقدمة، وحلول الذكاء الاصطناعي المرتبطة بالمركبات الكهربائية.
أهداف المركز وأهميته الاستراتيجية
يهدف المركز إلى:
- تطوير تقنيات البطاريات عالية الأداء والمناسبة للظروف المناخية في المنطقة.
- تصميم حلول مبتكرة لأنظمة القيادة الذاتية.
- بناء جيل جديد من الكفاءات الوطنية المتخصصة في مجال السيارات الكهربائية.
- دعم نمو الاقتصاد المعرفي وتعزيز مساهمة قطاع الصناعات المتقدمة في الناتج المحلي الإجمالي.
أكد الدكتور طلال السديري، النائب الأول للرئيس للبحث والتطوير في كاكست، أن المركز سيكون محطة محورية لتطوير تقنيات المستقبل، بينما أشار الدكتور منير الدسوقي، رئيس كاكست، إلى أنه سيعزز كفاءة السيارات الكهربائية ويساهم في إجراء الاختبارات المتقدمة داخل المملكة.
مصنع لوسيد في السعودية: نحو إنتاج عالمي
يشهد مشروع مصنع لوسيد في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية تقدمًا ملحوظًا، حيث وصلت المنشآت إلى مرحلة الجاهزية الكاملة. من المتوقع أن يبدأ الإنتاج الفعلي لأول منصة متوسطة الحجم قبل نهاية العام المقبل، بطاقة إنتاجية تبلغ 150 ألف سيارة سنويًا، معظمها مخصص للتصدير إلى الأسواق العالمية. هذا المصنع ليس مجرد وحدة تجميع، بل هو خطوة نحو التصنيع الكامل قبل عام 2030، مما يعزز المحتوى المحلي ويدعم برنامج “صُنع في السعودية”.
الاستثمار في الصناعات المغذية
لا يقتصر الدعم الحكومي على مصنع لوسيد وحده، بل يمتد ليشمل الاستثمار في الصناعات المغذية للقطاع، مثل تصنيع الإطارات، والزجاج، وقطع الغيار. يهدف هذا التوجه إلى بناء منظومة صناعية متكاملة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز الاكتفاء الذاتي. صندوق الاستثمارات العامة يلعب دورًا رئيسيًا في هذا المجال، من خلال الاستثمار في الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في هذه الصناعات.
توطين البنية التحتية للشحن: مصنع سمارت موبيلتي
إدراكًا لأهمية البنية التحتية للشحن في دعم انتشار السيارات الكهربائية، تم تدشين مصنع “سمارت موبيلتي” المتخصص في تصنيع شواحن المركبات الكهربائية في مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك). بالإضافة إلى المصنع، تم افتتاح أول محطة شحن داخل المدينة، مما يمثل خطوة مهمة نحو توفير شبكة شحن متكاملة في جميع أنحاء المملكة.
سبارك: منصة للتقنيات المتقدمة
تعتبر مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) منصة مثالية لتوطين صناعة شواحن المركبات الكهربائية، نظرًا لقربها من البنية التحتية الأساسية للطاقة، وسهولة الوصول إلى الموانئ في الخليج العربي. هذا الموقع الاستراتيجي يجعلها مركزًا مثاليًا للتصنيع والتصدير في المنطقة. كما أن رؤية المدينة تتماشى مع أهداف رؤية 2030، من خلال دعم التقنيات الصناعية والطاقة المتقدمة.
الآفاق المستقبلية لقطاع السيارات الكهربائية في السعودية
تؤكد هذه التطورات الأخيرة أن السعودية تتبنى إستراتيجية متكاملة لتصبح قوة دافعة في خريطة السيارات الكهربائية العالمية. الاستثمار في البحث والتطوير، والتصنيع، والبنية التحتية، وتنمية الكفاءات الوطنية، كلها عناصر أساسية في هذه الإستراتيجية.
باختصار، تتجاوز إستراتيجية المملكة في هذا القطاع تبني تقنية صديقة للبيئة؛ بل هي خطة متكاملة تهدف إلى بناء منظومة صناعية تقنية متكاملة تضمن الريادة الإقليمية وتؤمن مصادر دخل جديدة ومستدامة للاقتصاد الوطني. ومن ثم، يؤكد ما تشهده المملكة تحوّلها من مجرد سوق مستهلك إلى مركز ابتكار وتصنيع وتصدير للسيارات والتقنيات المتقدمة، بما يخدم المصالح الوطنية والإستراتيجيات الاقتصادية العالمية. لمزيد من المعلومات حول مبادرات الاستدامة في المملكة، يمكن زيارة موقع وزارة البيئة والمياه والزراعة.
