لقد شهد العالم والويب تغيرات كبيرة على مرّ السنين، فمنذ إطلاق شبكة الويب العالمية في عام 1993، وحتى اندلاع ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي في نهاية عام 2022، ظهرت الكثير من التقنيات التي غيّرت حياتنا، ولكن الثابت الوحيد وسط هذه التغيرات منذ عام 1998 هو محرك بحث جوجل، الذي أصبح الآن أمرًا جوهريًا في حياتنا، تخيل نفسك في يوم لم تجده في جهازك لتطرح عليه أسئلتك!
يُعدّ محرك بحث جوجل عملاقًا في مجال البحث، إذ يمتلك حصة سوقية تبلغ 92%، وأكبر منافس له وهو محرك بينج من مايكروسوفت يمتلك حصة سوقية تبلغ 3.37% فقط، وكما هو واضح فهذا الفرق الشاسع يثبت مدى هيمنة جوجل في هذا السوق، ولكن الآن يُقال إن الذكاء الاصطناعي يهدد محركات البحث التقليدية، فمع تراجع جوجل الظاهري وتحسّن أدوات مثل: ChatGPT، وGoogle Gemini، وMicrosoft Copilot باستمرار، يبدو أننا نتجه نحو طريقة جديدة للبحث عن المعلومات واستهلاكها عبر الإنترنت.
كما ظهرت آخرًا محركات بحث جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل: You.com و Perplexity، وحتى عمالقة البحث جوجل ومايكروسوفت يراهنون بنحو كبير على أن الذكاء الاصطناعي هو مستقبل البحث. لذلك يمكننا الآن القول: داعًا للروابط الزرقاء، ومرحبًا بإجابات مباشرة عن جميع أسئلتنا الغريبة.
محرك جوجل ليس أداة بحث فقط:
يجب أن نفهم حقيقة مهمة حول محركات البحث، فهي ليست مجرد وسيلة للبحث عن معلومات محددة، فبالإضافة إلى البحث عن معلومات علمية دقيقة يصعب الوصول إليها، يستخدم عدد كبير من المستخدمين جوجل للوصول إلى البريد الإلكتروني أو موقع التسوق المفضل أو خدمة الخرائط، أو موقع يوتيوب، لذلك فمحرك جوجل ليس أداة بحث فقط، ولكنه يستخدم في الواقع لأغراض لا حصر لها، مليارات المرات يوميًا.
وهنا سيكون التحدي الحقيقي الذي يواجه كل محركات البحث التي تطمح أن تحل محل جوجل ليس مدى جودة قدرتها على البحث عن المعلومات، بل مدى جودة أدائها لكافة المهام التي تقوم بها جوجل. لذلك يُعدّ من الصعب للغاية استبدال جوجل في موقعها المركزي عبر شبكة الإنترنت، سواء باستخدام الذكاء الاصطناعي أو بأي طريقة أخرى.
يقول العاملون في مجال البحث دائمًا إن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من مطالبات البحث (Queries)، النوع الأول والأكثر شيوعًا هو (البحث التصفحي) navigational query. في هذا النوع، يكتب المستخدم اسم موقع ويب محدد للوصول إليه مباشرة.
ويمثل هذا النوع الغالبية العظمى من عمليات البحث الشائعة عبر جوجل، بدءًا من الوصول إلى موقع يوتيوب أو فيسبوك وصولًا إلى (بريد ياهو)، وفي الواقع، تُعدّ هذه هي الوظيفة الأساسية لأي محرك بحث: توصيل المستخدم بالموقع الذي يريده.
وفي هذه النقطة لا يمكن مقارنة محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي بجوجل نهائيًا، فعند إجراء بحث تصفحي عبر جوجل، نادرًا ما تكون النتيجة الأولى غير ما تبحث عنه. صحيحٌ أن عرض كل تلك النتائج قد يبدو غير منطقي، وكان من المنطقي أن تأخذك جوجل مباشرة إلى موقع أمازون (amazon.com) أو أي موقع تريده، لكن عملية البحث سريعة ونادرًا ما تكون خطأ.
أما بالنسبة لروبوتات الدردشة التي تستند في عملها إلى الذكاء الاصطناعي، فهي عادةً ما تستغرق بضع ثوانٍ لمعالجة طلبك، ثم تقدم لك مجموعة من المعلومات شبه المفيدة حول الموقع بينما كل ما تريده هو رابط، بل إن بعضها لا يقدم حتى رابط للموقع الذي تبحث عنه.
في هذا النوع من البحث؛ لا تكمن مشكلة أدوات الذكاء الاصطناعي في المعلومات الإضافية بحد ذاتها، وإنما في الوقت الذي تستغرقه لتقديم ما يحتاج إليه المستخدم. إذ إن الانتظار لمدة 10 ثوانٍ لقراءة ثلاث فقرات نصية مُنشأة حول موقع أمازون في حين كل ما يريده المستخدم هو رابط للموقع، يمثل مشكلة كبيرة لأي مستخدم. وهنا ستجد محرك جوجل هو الفائز بهذا السباق دائمًا.
النوع الثاني من أنواع البحث؛ هو (البحث عن معلومات) وهي طلبات البحث التي تغطي معلومات عن موضوع معين، التي قد يكون لها آلاف النتائج ذات الصلة، وتكون أشبه بالأسئلة، مثل: نتائج الدوري الإنجليزي، أو ما حالة الطقس اليوم، هنا لا يهم من يخبرك بالنتيجة أو بدرجة الحرارة، فهي مجرد معلومات تحتاج إلى معرفتها.
ولكن بالنسبة للمعلومات اللحظية مثل: نتائج المباريات الرياضية، لا يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي، فعند تجربتنا لإجراء هذا البحث عبر محركات مثل: You.com و Perplexity قدمت لنا معلومات قديمة بنحو متكرر، في حين قدمت روبوتات الدردشة مثل: Copilot أو Gemini إجابات صحيحة، ولكن محرك جوجل لم يقدم لنا فقط الإجابة الصحيحة، بل يعرض أيضًا واجهة غنية بالمعلومات الإضافية والإحصائيات، مما يجعله الخيار الأمثل، وينطبق الأمر نفسه على أي استعلام يتطلب موقعك أو سياقك الشخصي، إذ تمتلك جوجل هذه المعلومات عنك، بينما تفتقر إليها أدوات الذكاء الاصطناعي في الغالب.
النوع الثالث من أنواع البحث؛ هو (البحث الاستكشافي) exploration query، وفي هذا النوع تُطرح أسئلة ليس لها إجابة محددة، يُستخدم هذا النوع بنحو شائع في البحث العلمي والتعلم الذاتي والبحث عن معلومات جديدة، ومن الأمثلة الشائعة على هذه الأسئلة:كيف أربط ربطة العنق؟ أو ما تيك توك؟ أو ما أفضل طريقة لتعلم لغة جديدة؟ أو ما أهم النظريات في علم النفس؟
لا تُعدّ هذه الأسئلة الاستكشافية هي الاستخدامات الأساسية لمحركات البحث، لكنها تتيح لمحركات البحث المُعتمدة على الذكاء الاصطناعي فرصةً للتألق، إذ تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي محركات البحث في فهم السياق بنحو أفضل، وتقديم محتوى مفيد ومختصر، مما يوفر لك الوقت.
الذكاء الاصطناعي هو الفكرة الصحيحة ولكن واجهة روبوتات الدردشة هي الخيار الخطأ:
في حالة النوع الثالث من البحث؛ يمكننا إدراك أن الذكاء الاصطناعي هو الفكرة الصحيحة، إذ لا يريد المستخدم في هذه الحالة كتابة بحثه والحصول على مجموعة من الروابط، بل يريد إجابة محددة عن السؤال، لكن في الوقت نفسه واجهة روبوتات الدردشة هي الحل الخطأ، لأنها بطيئة جدًا – إذ تستغرق بعض الوقت لمعالجة الطلب – بحيث لا يمكنها المنافسة.
الأمر يتطلب التركيز في المنتج وليس التكنولوجيا:
من الواضح أن أن التحدي الأكبر يكمن في تطوير المنتج أكثر من التكنولوجيا، إذ يتفق الجميع، ومنهم جوجل على قدرة الذكاء الاصطناعي على تحسين فهم محركات البحث للأسئلة ومعالجة المعلومات. وقد أصبح هذا الأمر مسلمًا به في هذا المجال الآن.
لكن هل تمتلك جوجل القدرة على إعادة ابتكار صفحات النتائج، ونموذج الأعمال، وطرق عرض المعلومات وتلخيصها بنحو أسرع مما تستطيع شركات الذكاء الاصطناعي تطوير روبوتات الدردشة لتكون أكثر تعقيدًا وتنوعًا؟ إذ لم تَعد الآن عشرة روابط هي الإجابة المثالية للبحث، كما أن مربع النص المتعدد الأغراض المستخدم في روبوتات الدردشة ليس كافيًا أيضًا.
فالبحث هو جوهر كل شيء، لذلك يتطلب الأمر منتجات أكثر تطورًا من روبوتات الدردشة للتغلب على جوجل، فالمستقبل يتطلب ابتكارات جوهرية في المنتجات لتلبية احتياجات المستخدمين المتغيرة.