في بادرة تُعدّ الأولى من نوعها، أطلقت وزارة التنمية الإدارية في الجمهورية العربية السورية رسميًا منصة واكب (WACP)، كأول منصة حكومية مخصصة لتنظيم العمل والتواصل المؤسسي بشكل رقمي متكامل.
وجاء الإطلاق خلال ورشة العمل التي عُقدت في العاصمة، دمشق، حديثًا، تحت عنوان “إستراتيجيات التغيير وأولويات التنفيذ في ضوء التحول المؤسسي الشامل”، في محاولة جادة لإرساء معالم مرحلة جديدة من العمل الحكومي، تنتقل بها من الثقافة الورقية التقليدية إلى فضاء الرقمنة الديناميكي.
وتطرح هذه الخطوة، تساؤلات حقيقية بشأن إمكانيات نجاح مثل هذه المشاريع الطموحة في بيئة تشهد تحديات استثنائية، وبشأن الدور الذي يمكن أن تؤديه التكنولوجيا في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، خاصة في بلد مثل سوريَة عانى الدمار والتأخر عن مواكبة أحدث عمليات التحول الرقمي بسبب حرب دامت نحو 14 عامًا.
منصة “واكب” المهام والآفاق المتوقعة:
وفقًا للبيانات الرسمية، تهدف المنصة إلى إحداث نقلة نوعية في العمل المؤسسي من خلال:
- إعداد الخطط والبرامج، ومتابعة مراحل تنفيذها بدقة وشفافية.
- تسهيل العمل اليومي، وإدارة المهام ضمن بيئة ديناميكية وآمنة.
- تعزيز قنوات التواصل بين موظفي الوزارة والعاملين في مجال التنمية الإدارية عبر مختلف الوزارات والجهات العامة.
وبهذا، لا تُعدّ منصة (واكب) مجرد أداة تقنية، بل هي نواة لإستراتيجية أوسع أعلنها معالي وزير التنمية الإدارية، محمد حسان السكاف، الذي قال خلال افتتاح أعمال الورشة: “إن هذا الاجتماع يشكل محطة جديدة من مسار التحول المؤسسي الشامل، للانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ، ومن الرؤية إلى العمل الميداني”.
وأضاف الوزير السكاف: “لقد أنهينا مرحلة التأسيس ووضعنا الأسس التشريعية والتنظيمية لمسار التحديث الإداري ونبدأ اليوم مرحلة التطبيق العملي عبر خريطة واضحة المعالم توحد الجهود وتحول الأهداف إلى نتائج قابلة للقياس يلمسها الموظف والمواطن على حد سواء”.
الرهان الحقيقي.. وتحدّي التحول الثقافي:
في إشارة تعكس إدراكًا للتحدي الأكبر الذي تواجهه المشاريع، أكد الوزير السكاف أن “الرهان الحقيقي” في هذه المرحلة على الإنسان، وعلى مديري التنمية الإدارية الذين يمثلون قلب التطوير المؤسسي النابض في الميدان وليس على النصوص أو الهياكل.
وما ذكره الوزير سكاف، بحسب الخبير التقني، خالد الخليل، يضع الإصبع على الجرح الحقيقي في أي عملية تحول رقمي، لا سيما في القطاعات الحكومية التقليدية، حيث يشكل التقبل الثقافي والمقاومة الداخلية للتغيير عائقًا أكبر أحيانًا من التحديات التقنية أو المالية.
خطوة في الاتجاه الصحيح:
يرى الخليل، في حديثه إلى موقع (البوابة التقنية) أن إطلاق أول منصة حكومية متكاملة في سوريَة هو خبر إيجابي ويبعث على التفاؤل، كونه يشير إلى نية جادة لتبني حلول القرن الحادي والعشرين لمعالجة إشكاليات الإدارة الحكومية، وفكرة وجود منصة موحدة لتخطيط ومتابعة الأداء وتعزيز التواصل يمكن أن تقضي على الكثير من البيروقراطية وتختصر الوقت والجهد”.
غير أن الخليل أضاف في تصريحاته : “مع ذلك، يجب أن نكون واقعيين. نجاح منصة (واكب) لن يُقاس بجودة الكود البرمجي أو واجهة المستخدم فقط، بل بقدرتها على تجاوز عدة معضلات، تشمل:
- البنية التحتية الرقمية: هل تمتلك سوريَة بنية تحتية رقمية قوية ومستقرة وكافية لضمان عمل هذه المنصة على نطاق شامل دون انقطاعات؟ هذا سؤال جوهري.
- الأمن السيبراني: الحكومة الإلكترونية هدف مغري للهجمات الإلكترونية. فما هي الإستراتيجية المتكاملة لحماية البيانات الحكومية الحساسة وبيانات الموظفين من الاختراقات؟ هذا أمر لا مجال للتساهل فيه.
- التدريب والتمكين: الرهان على القوى العاملة البشرية أمر جيد وضروري، ولكن هل هناك برنامج تدريبي مكثف ومستمر لتحويل كافة المستخدمين، خاصة كبار السن والإداريين، من الثقافة الورقية إلى الثقافة الرقمية؟ بدون ذلك، ستصبح المنصة مجرد عبء إضافي.
- الاستدامة والتطوير: يجب أن يكون هناك دائمًا خططًا واضحة لتطوير المنطة باستمرار، ودمج خدمات جديدة، والاستماع إلى ملاحظات المستخدمين، فالنظام الرقمي الذي يتجمد يصبح عتيقًا في وقت وجيز.
وتابع خالد الخليل حديثه بالقول: “إذا تمت معالجة هذه النقاط بشكل جذري، يمكن لمنصة واكب أن تكون شرارة الانطلاق لتحول رقمي حقيقي في سوريَة، يسهم في إعادة بناء الدولة ويقدم خدمات أفضل للمواطن في النهاية، ولكن إن غاب التخطيط الإستراتيجي الشامل وتم التعامل مع المنصة كمجرد (موقع إلكتروني) جديد، فإن مصيرها سيكون الإهمال والنسيان، والجميع يراقب هذه التجربة باهتمام، لأن نجاحها قد يفتح الباب أمام مبادرات مماثلة في دول عربية أخرى تواجه تحديات مشابهة”.
واختتم الخليل حديثه، بقوله إن إطلاق منصة واكب يمثل علامة فارقة في المسار الإداري السوري، وهو محاولة للالتحاق بركب التحول الرقمي العالمي، حيث يبقى التطبيق العملي على الأرض، وقدرة القائمين على المشروع على تذليل العقبات التقنية والثقافية، هو المعيار الحقيقي الذي سيحدد ما إذا كانت هذه الخطوة ستتحول إلى قصة نجاح تُحتذى، أم مجرد حلم رقمي واجه صعوبات الواقع.
