شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ليصبح رافدًا رئيسيًا في تعزيز نمو القطاعات غير النفطية، لا سيما القطاع التقني المتقدم.
وأكد معالي المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح، وزير الاستثمار السعودي، اليوم خلال خلال فعاليات مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (FII 9)، أن هذه الاستثمارات تساهم بنحو مباشر في تسريع التحول الرقمي، ودفع الابتكار في الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية، وريادة الأعمال التقنية، مؤكدًا أن المملكة تحوّلت من نموذج اقتصاد يعتمد على النفط إلى منصة عالمية للابتكار والتقنية.
القفزة الكبرى.. الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية تضاعف 4 مرات:
كشف الفالح، خلال جلسة حوارية بعنوان: (قادة التحالفات بين القطاعين العام والخاص)، ضمن فعاليات النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة تضاعف أربع مرات، متجاوزًا الأهداف المخططة، مع الإشارة إلى أن 90% من هذه الاستثمارات غير نفطية، مما يعكس نجاح المملكة في تنويع اقتصادها وتعزيز دور القطاع التقني.
والأهم أن هذا التحول كان كيفيًا وإستراتيجيًا إذ استهدف بنحو مباشر القطاعات غير النفطية الحيوية، وعلى رأسها التقنية، مثل: مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، والتصنيع المتقدم، ورؤوس الأموال الجريئة. ويؤكد هذا التركيز أن رؤية المملكة 2030 قد تجاوزت مرحلة الحلم لتصبح حقيقة اقتصادية راسخة، يعتمد نموها بنحو متزايد على الابتكار والمعرفة بدلًا من النفط.
وأشار الفالح إلى أن رؤية 2030 ليست مجرد خطة مستقبلية، بل واقع ملموس، إذ تمول المملكة نسبة تبلغ 40% من ميزانيتها من العوائد غير النفطية، في حين أن الاستثمارات الأجنبية تدعم قطاعات متقدمة تشمل: التصنيع الذكي، والتقنيات العميقة، وريادة الأعمال الرقمية، والسياحة، والذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن المملكة تجاوزت عقبات كبرى مثل: جائحة كورونا، وتقلبات أسعار النفط، والتوترات الإقليمية بفضل الاحتياطات المالية القوية والثبات الاقتصادي، مما وفر بيئة استثمارية مستقرة وجاذبة للمستثمرين الأجانب، ووفر فرصًا جديدة في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. وأكد أن المشاريع الوطنية الكبرى تواصل تنفيذ أعمالها أو تتهيأ للانطلاق، ما يعكس استمرار زخم النمو التقني في المملكة.
ومن جانب آخر، شدد الفالح على أهمية الشراكة بين القطاع الحكومي والخاص، كونها عاملًا أساسيًا لتسهيل الاستثمار الأجنبي وتذليل العقبات، بما يضمن تسريع تنفيذ المشاريع التقنية الكبرى وتحقيق عوائد عادلة ومستدامة. وأشار المشاركون في الجلسة إلى أن المرونة والعملياتية، بالإضافة إلى الأطر التنظيمية الواضحة، تعزز الفرص الاستثمارية، وتضمن التوازن بين القطاعين العام والخاص، وتفتح الباب أمام شراكات دولية في القطاعات التقنية والطاقة.
ولكن ما مدى تأثير الاستثمار الأجنبي في القطاع التقني؟
تُشكل الأرقام التي أعلنها وزير الاستثمار السعودي اليوم، خريطة طريق دقيقة للمستثمرين في القطاع التقني، وتكشف عن ملامح تحول هيكلي غير مسبوق في بنية الاقتصاد الوطني، إذ باتت المملكة تمثل وجهة عالمية جاذبة لرؤوس الأموال الباحثة عن الابتكار والتقنيات المتقدمة.
وتتجلى ملامح هذا التحول الهيكلي في جذب استثمارات نوعية ومباشرة، مثل:
- بناء عصر الحوسبة السحابية: ضخ عمالقة التقنية العالميين مثل: جوجل كلاود، ومايكروسوفت، وأمازون ويب سيرفيسز، مليارات الدولارات لإنشاء مناطق سحابية ومراكز بيانات متقدمة في المملكة، مما يشكل الأساس للبنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي.
- توطين التصنيع المتقدم: شهدت المملكة خلال المدة الماضية، استثمارات كبرى مثل خطة شنايدر إلكتريك، للتوسع في مجال التصنيع الذكي، بما يشمل: دعم مراكز البيانات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية والمباني الذكية، والتنقل الكهربائي الذكي، وإدارة المياه، والحلول الرقمية المتقدمة، وكذلك خطوات شركة لينوفو الصينية، لإنشاء مصنع جديد للحواسيب والأجهزة التقنية، مما يضمن نقل التقنية وتوطين الخبرات.
- الريادة الإقليمية في الأعمال: كشف المهندس خالد الفالح، أن عدد الشركات الأجنبية المسجلة حاليًا في المملكة يبلغ 52 ألف شركة، بعدما كانت 5 آلاف شركة في عام 2016، ووصل عدد المقرات الإقليمية للشركات العالمية في الرياض إلى 675 مقرًا. وتستهدف هذه الشركات القطاعات التقنية والمالية والاستشارية، مما يعزز توفير وظائف عالية القيمة للسعوديين.
وعلاوة على ذلك؛ تُعدّ النقطة الجوهرية التي تفتح آفاقًا جديدة أمام القطاع التقني، هي أن 90% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة أصبحت غير نفطية، وهذه إشارة بالغة الدلالة على أن مركز الجذب الاستثماري للمملكة لم يَعد النفط، لقد تحولت البوصلة بنحو حاسم لتركز على العقول، والمنصات، والتقنيات العميقة.
ويحمل هذا التحول في طياته ثلاث دلالات محورية:
- تمويل مباشر للابتكار: لم تَعد التدفقات المالية الأجنبية تُوجَّه نحو الطاقة التقليدية، بل تتدفق نحو مجالات التقنية، والتصنيع المتقدم، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات العميقة، مما يضع المملكة في صدارة سباق الاقتصاد المعرفي العالمي.
- إعادة تشكيل الاقتصاد: يعكس هذا التحول انتقال الاقتصاد السعودي من الاعتماد على الموارد إلى تمكين المعرفة، ويؤكد أن البيئة الاستثمارية المحلية باتت تراهن على القدرات التقنية والرقمية لا على الثروات الطبيعية.
- استقلال اقتصادي واستدامة التقنية: تزامن هذا التحول مع تمويل 40% من ميزانية المملكة عبر عوائد غير نفطية، مما يرسخ استدامة هذا التحول ويقلل من تأثير تقلبات أسواق الطاقة على الاستقرار المالي للمشاريع التقنية الواعدة.
وبهذا الإيقاع المتسارع، يتضح أن الاستثمار الأجنبي في السعودية لم يَعد مجرد رقم اقتصادي، بل أصبح رافعة إستراتيجية لتقنيات المستقبل، ومؤشرًا على نضوج بيئة رقمية تسابق الزمن نحو الريادة العالمية.
