على مدار ثلاثة أيام، شهدت العاصمة السورية دمشق حدثًا علميًا هامًا، وهو المؤتمر الدولي الثالث لـ تقانة الغذاء الذي نظمته الهيئة العامة للتقانة الحيوية بالتعاون مع كلية العلوم في جامعة دمشق. هذا المؤتمر، الذي جمع نخبة من الخبراء والباحثين من سوريا والعالم العربي، لم يكن مجرد منصة لتبادل المعرفة، بل خطوة فعلية نحو تحقيق الأمن الغذائي المستدام في سوريا، وتعزيز جودة وسلامة المنتجات الغذائية المحلية. تحت شعار “معًا نحو غذاء صحي مستدام”، تمكن المؤتمر من تسليط الضوء على أحدث الابتكارات والتحديات في هذا المجال الحيوي.
أهمية المؤتمر الدولي الثالث لتقانة الغذاء في سوريا
لم يقتصر المؤتمر على الجانب النظري، بل اتسم بالتطبيقية والتركيز على الأبحاث الجاهزة للاستثمار، مما يجعله نقطة تحول في تطوير صناعة الغذاء السورية. في ظل الظروف الراهنة التي تواجه البلاد، يصبح تعزيز القدرات العلمية والبحثية في مجال الغذاء أمرًا ضروريًا لضمان توفير غذاء صحي وآمن لجميع المواطنين. كما أن التركيز على الاستدامة يتماشى مع التوجهات العالمية نحو حماية البيئة والموارد الطبيعية.
محاور المؤتمر: نظرة شاملة على أحدث التطورات
ركز المؤتمر على مجموعة واسعة من المحاور العلمية والابتكارية، والتي تغطي جميع جوانب صناعة الغذاء، بدءًا من الإنتاج وصولًا إلى الاستهلاك. من أبرز هذه المحاور:
- تقنيات التخمير في صناعة الأغذية: استكشاف تطبيقات التخمير المختلفة في تحسين جودة المنتجات الغذائية وزيادة قيمتها الغذائية، وتقليل الفاقد منها.
- جودة وسلامة الأغذية: مناقشة أحدث الطرق والتقنيات لضمان سلامة الأغذية وخلوها من الملوثات والمواد الضارة.
- تحليل الأغذية وتطويرها: التركيز على أهمية التحاليل الغذائية في تحديد جودة الأغذية وتطوير منتجات جديدة تلبي احتياجات المستهلكين.
- التصنيع الغذائي الحديث: استعراض أحدث التوجهات في مجال التصنيع الغذائي، مثل استخدام التقنيات المتقدمة في التعبئة والتغليف والتخزين.
- تقنيات النانو والذكاء الاصطناعي في الغذاء: دراسة إمكانية استخدام تقنيات النانو والذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاجية وجودة الأغذية، وتقليل التكاليف.
- التغذية وصحة الإنسان: تأثير التغذية السليمة على صحة الإنسان، وأهمية التوعية بأهمية الغذاء الصحي والمتوازن.
- الأغذية الوظيفية والمكملات الغذائية: دور الأغذية الوظيفية والمكملات الغذائية في تعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض.
- استثمار مخلفات الأغذية والحفاظ على الموارد الوراثية: تحويل مخلفات الأغذية إلى منتجات ذات قيمة مضافة، والحفاظ على التنوع الوراثي لأصناف النباتات والحيوانات المستخدمة في إنتاج الغذاء.
دعم البحث العلمي وتحويله إلى تطبيقات عملية
أكد الدكتور غيث ورقوزق، معاون وزير التعليم العالي والبحث العلمي للشؤون العلمية والبحث العلمي، على أهمية الشراكات بين الجامعات والمؤسسات البحثية والصناعية في تطوير قطاع الغذاء في سوريا. وأشار إلى أن العديد من مشاريع التخرج ورسائل الماجستور والدكتوراه التي قدمها الطلاب خلال المؤتمر، تحمل في طياتها نواة لأبحاث جاهزة للاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، شدد الدكتور ورقوزق على أهمية مواصلة الأبحاث في مجال السلامة الغذائية والأمن الغذائي، ودعم الباحثين والطلاب من خلال توفير الموارد اللازمة.
الدكتور نزار عيسى، المدير العام للهيئة العامة للتقانة الحيوية ورئيس المؤتمر، أوضح أن الهيئة تعمل جاهدة على تحويل الأبحاث العلمية إلى تطبيقات عملية تخدم المجتمع. وقد تمكنت الهيئة من إنشاء بنوك حيوية متقدمة، وتقديم استشارات علمية متخصصة للشركات في القطاعات الغذائية والصحية والصناعية.
دور الجامعات والكلية في تطوير صناعة الغذاء
أشاد الدكتور عبد الناصر دركل، عميد كلية العلوم في جامعة دمشق، بالدور الريادي الذي تلعبه الكلية في تأهيل الكوادر العلمية الوطنية. وأكد على أهمية دمج التعليم مع البحث العلمي، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية والصناعية. كما أكد على أن قضايا الغذاء وجودته تمثل أولوية كبيرة في البحث العلمي، نظرًا لأثرها المباشر على صحة المواطنين.
تقانة الغذاء: من التخمير إلى النانو
الدكتورة نسرين نقشو، رئيسة قسم التخمير في الهيئة العامة للتقانة الحيوية، سلطت الضوء على دور قسمها في إنتاج مواد غذائية وصناعية وطبية تعتمد على عمليات التخمير. وأشارت إلى أن المؤتمر تناول أحدث التطورات في مجالات تقنيات النانو، والتحاليل الغذائية، والتغذية العلاجية. وقد ضم المؤتمر أكثر من 150 بحثًا علميًا من مختلف الجامعات السورية، بالإضافة إلى أبحاث من دول عربية أخرى.
معارض موازية وأبحاث تطبيقية
لم يقتصر المؤتمر على الندوات والمحاضرات، بل تضمن أيضًا معارض موازية عرضت مشاريع التخرج والملصقات العلمية من الجامعات السورية، بالإضافة إلى منتجات الشركات الغذائية. وقد أتاحت هذه المعارض للباحثين والطلاب فرصة لعرض أبحاثهم وتلقي التقييمات والملاحظات من الخبراء والمتخصصين.
مستقبل تقانة الغذاء في سوريا
إن المؤتمر الدولي الثالث لـ تقانة الغذاء يمثل خطوة هامة نحو تطوير قطاع الغذاء في سوريا، وتحقيق الاستدامة الغذائية. من خلال دعم البحث العلمي، وتشجيع الابتكار، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية والصناعية، يمكن لسوريا أن تصبح رائدة في مجال تقانة الغذاء في المنطقة. ويجب أن تستمر الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، لضمان توفير غذاء صحي وآمن لجميع المواطنين، وتحسين جودة الحياة في سوريا. للمزيد من المعلومات حول الهيئة العامة للتقانة الحيوية وأنشطتها، يمكن زيارة موقعها الرسمي.
