في ظل تصاعد الاهتمام العالمي بالعملات الرقمية والتحولات المتسارعة في التقنيات المالية، عادت الشائعات لتفرض نفسها على المشهد السوري، بعدما تداولت منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية أنباءً عن إطلاق عملة رقمية سورية رسمية. وقد أثارت هذه الأخبار موجة من التساؤلات والجدل، مما دفع مصرف سورية المركزي إلى الخروج ببيان رسمي حاسم لوضع حد لهذه الادعاءات. هذا المقال سيتناول تفاصيل الشائعة، رد فعل المصرف المركزي، والسياق الحقيقي للجهود النقدية الجارية في سوريا.
تفاصيل الشائعة وتداولها عبر منصات التواصل
انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي شائعات حول إطلاق عملة رقمية جديدة باسم “أمانة” (Amanah)، يُزعم أنها مدعومة من الرئيس السوري أحمد الشرع. وصف مروجو الشائعة هذه العملة بأنها ستكون وسيطًا ماليًا جديدًا قادرًا على منافسة الليرة التركية والدولار الأمريكي في السوق المحلية، وتقديم نوع من الاستقرار عبر خوارزمية معقدة تربطها بسلة من العملات المرجعية. تضمنت هذه الخوارزمية الدولار الأمريكي، والليرة التركية، والليرة السورية، مع آلية تصحيح فورية تهدف إلى منع التقلبات الحادة التي تشتهر بها أسواق الكريبتو.
لكن سرعان ما تبين أن هذه الشائعة لا أساس لها من الصحة. تحقيقات مستقلة كشفت أن الصورة المتداولة للرئيس السوري وهو يعلن عن إطلاق هذه العملة الرقمية تم توليدها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وليست صورة حقيقية. هذا يكشف عن نمط مقلق في تداول الأخبار والمعلومات غير المؤكدة عبر الإنترنت، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمواضيع تقنية معقدة مثل العملات المشفرة والتقنيات المالية الحديثة. الاعتماد على مصادر غير موثوقة يمكن أن يؤدي إلى انتشار معلومات مضللة وتأثير سلبي على الثقة العامة.
بيان مصرف سورية المركزي: نفي قاطع للشائعات
استجابةً لهذه الشائعات المتصاعدة، أصدر مصرف سورية المركزي بيانًا صريحًا وواضحًا ينفي صحة أي أنباء تتعلق بإطلاق عملة رقمية سورية جديدة. أكد المصرف أن جميع المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع هي معلومات غير صحيحة ومضللة.
وشدد المصرف على أن أي إصدار لأدوات نقدية أو مالية جديدة يقع حصريًا ضمن صلاحياته، ويتم الإعلان عنه بشكل رسمي من خلال قنواته المعتمدة. ودعا المصرف المركزي المواطنين ووسائل الإعلام إلى توخي الحذر والدقة في التعامل مع الأخبار والمعلومات، وعدم الانسياق وراء الشائعات أو الأخبار غير الموثوقة. كما حثهم على الاعتماد فقط على البيانات الرسمية الصادرة عن المصرف فيما يتعلق بالشأن النقدي والمالي في الجمهورية العربية السورية. يهدف هذا البيان إلى الحفاظ على الشفافية ومنع أي ارتباك أو تلاعب في السوق المالية.
السياق الحقيقي: خطة إصدار الليرة السورية الجديدة
على الرغم من نفي الشائعات المتعلقة بالعملات الرقمية، إلا أن هناك خططًا رسمية لإصدار “الليرة السورية الجديدة”. هذه الخطة ليست مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالعملات المشفرة أو تقنية البلوك تشين، بل هي جزء من عملية إصلاح نقدي شاملة تهدف إلى تحديث النظام المالي السوري.
أعلن حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية، أن الليرة السورية الجديدة ستصدر بست فئات مختلفة، وستتميز بتصميم جديد خالٍ من الصور والرموز. يهدف هذا التصميم إلى جعل العملة أكثر وضوحًا وسهولة في التحقق منها، بالإضافة إلى توافقها مع الاتجاه العالمي نحو التصميم النظيف والمبسط. هذا التوجه يهدف إلى تعزيز الثقة والشفافية في النظام النقدي.
تفاصيل الليرة السورية الجديدة
أوضح الحصرية أن الفئات الجديدة ستلبي احتياجات التداول اليومي بشكل أفضل، وستتراوح بين الفئات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. سيتم الإعلان عن تفاصيل كل فئة، بما في ذلك القيمة والحجم والتصميم، في الوقت المناسب بعد استكمال الإجراءات الفنية والأمنية اللازمة للطباعة والإصدار.
وأضاف الحصرية أن الابتعاد عن استخدام الرموز أو صور الأشخاص أو المعالم التاريخية هو توجه حديث يهدف إلى تبسيط الشكل البصري للعملة، والتركيز على هويتها الرقمية والعملية. هذا التصميم الجديد سيعكس الحداثة والاستقرار الاقتصادي، وسيرافق إطلاقه إجراءات لضبط السيولة والحفاظ على استقرار الأسعار.
تطوير منظومات الدفع الرقمي في سوريا
بالإضافة إلى خطة إصدار الليرة السورية الجديدة، تعمل الجهات الرسمية في النظام المالي السوري على تطوير منظومات الدفع الرقمي والبنية التحتية للتداول المالي. تم الإعلان عن اتفاقيات وشراكات مع شركات تقنية مالية عالمية مرموقة، مثل ماستركارد وفيزا، لإطلاق منظومات دفع رقمية حديثة في سوريا.
تهدف هذه الخطوة إلى تحديث آليات الدفع الإلكتروني وتقديم خدمات دفع متنوعة عبر الهاتف المحمول والمحافظ الرقمية. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه الجهود تختلف تمامًا عن إصدار عملة رقمية وطنية مستقلة. إنها تهدف إلى تحسين كفاءة وراحة عمليات الدفع الحالية، وليست إلى استبدال العملة التقليدية بعملة مشفرة.
تحذيرات سابقة وتأكيد على المصادر الرسمية
لم يكن هذا التحذير الأول الذي يصدره مصرف سورية المركزي بشأن العملات الرقمية. في أغسطس الماضي، أطلق المصرف تحذيرات للمواطنين بعدم التعامل أو الاستثمار في العملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين، مؤكدًا أنها غير قانونية وغير معتمدة. وأشار إلى أن أي عمليات بيع أو شراء لهذه العملات تتم خارج الإطار القانوني وقد تعرض الأفراد للمساءلة القانونية.
هذه التصريحات تعكس موقفًا واضحًا من المؤسسة النقدية تجاه العملات الرقمية، وتؤكد أن أي حديث عن عملة رقمية سورية رسمية هو مجرد شائعة لا تستند إلى أي حقائق أو بيانات رسمية. لذلك، من الضروري أن يعتمد الجمهور على المصادر الرسمية والأخبار الموثوقة، خاصةً في الموضوعات الحساسة مثل النقد والعملات، لتجنب الوقوع ضحية للمعلومات المضللة.
في الختام، يشدد مصرف سورية المركزي على عدم صحة أي أنباء عن إطلاق عملة رقمية سورية جديدة، وأن أي إعلان رسمي من هذا النوع سيتم عبر قنواته الرسمية فقط. في الوقت نفسه، تواصل سوريا جهودها لتحديث نظامها المالي من خلال إصدار الليرة السورية الجديدة وتطوير منظومات الدفع الرقمي، بهدف تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحسين الخدمات المالية للمواطنين. لذا، يجب على الجميع التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها أو الاعتماد عليها، والرجوع إلى المصادر الرسمية للحصول على الحقائق.
