Introduction
في عالمٍ تتسارع فيه التحولات الرقمية لتعيد تشكيل مفهوم المال والاقتصاد، تفتح دولة الإمارات العربية المتحدة فصلًا جديدًا في مسيرة التحول المالي العالمي بإجراء أول معاملة حكومية باستخدام الدرهم الرقمي. جاء هذا التعاون الإستراتيجي بين وزارة المالية ومالية دبي ومصرف الإمارات المركزي ليؤكد على التزام الدولة بتبني أحدث التقنيات المالية وتعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار المالي.
الدرهم الرقمي.. تتويج لبرنامج تحول البنية التحتية المالية
يأتي تنفيذ المعاملة ضمن المرحلة التجريبية من مشروع الدرهم الرقمي، الذي أطلقه مصرف الإمارات المركزي كجزء من برنامج تحول البنية التحتية المالية للدولة. يهدف هذا المشروع الطموح إلى تسريع عملية تبنّي الحلول المالية الرقمية في كافة التعاملات الحكومية والخاصة، ليُرسي مكانة الإمارات كمركز عالمي للابتكار المالي. كما يستند مشروع الدرهم الرقمي إلى رؤية القيادة الرشيدة في دولة الإمارات في بناء اقتصاد رقمي متكامل قائم على ركائز الشفافية المطلقة والثقة المعززة.
“الجسر”.. المنصة التي اختصرت زمن الدفع إلى دقيقتين
أُجريت المعاملة المالية باستخدام الدرهم الرقمي عبر منصة “الجسر” للمدفوعات الحكومية، وهي منصة متطورة للعملات الرقمية المتعددة للبنوك المركزية (CBDC)، طورها ونفذها مصرف الإمارات المركزي. تعمل المنصة كقناة موحدة تسهّل إصدار المدفوعات الحكومية واستلامها وتسويتها بطريقة رقمية آمنة وموثوقة، دون الحاجة إلى وسطاء تقليديين. وقد أكد أحمد علي مفتاح، المدير التنفيذي لقطاع الحسابات المركزية في مالية دبي، أن المعاملة المالية باستخدام الدرهم الرقمي قد تمت في أقل من دقيقتين، مما يعكس الارتقاء الكبير في الكفاءة التشغيلية وتسريع الإجراءات بين الجهات الاتحادية والمحلية.
الأهمية التقنية والإستراتيجية لهذه الخطوة
لا يتوقف تأثير المعاملة الأولى بالدرهم الرقمي عند حدود التنفيذ التقني، بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فهي لحظة اختبار حقيقية لقدرة الإمارات على تحويل رؤيتها الرقمية إلى واقع مؤسسي ملموس، يجمع بين كفاءة الأداء المالي وثقة البنية التحتية الوطنية.
اختبار الجاهزية التشغيلية والتكامل التقني
يمثل الدرهم الرقمي التزام الإمارات بتبني العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC)، وهي أداة مالية تُصدرها الدولة وتدعمها مباشرة. كما تمثل منصة “الجسر” العمود الفقري التقني لهذه المعاملة التاريخية، حيث أُنجزت المعاملة المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة دبي في أقل من دقيقتين فقط.
تعزيز الشفافية والكفاءة التشغيلية
من المتوقع أن يؤدي استخدام الدرهم الرقمي ومنصة “الجسر” إلى خفض كبير في التكاليف المرتبطة بالمعاملات الحكومية التقليدية والمعقدة. كما ستعزز طبيعة العملة الرقمية للمصرف المركزي من تتبع الأموال وتضمن دقة أعلى في السجلات المالية الحكومية، مما يدعم الشفافية في إدارة المال العام.
توسيع نطاق الاستخدام المستقبلي
تمثل هذه المعاملة خطوة تجريبية تمهّد لتوسعة نطاق استخدام العملة الرقمية الوطنية في التعاملات الحكومية والخاصة. يشير ذلك إلى أن الهدف النهائي هو إدماج الدرهم الرقمي في التعاملات اليومية للشركات والأفراد، مما يعزز المدفوعات الرقمية على مستوى الدولة بنحو شامل.
الأثر المتوقع على المنظومة المالية والاقتصادية في الإمارات
يُتوقع أن تُحدث خطوة إجراء أول معاملة حكومية بالدرهم الرقمي آثارًا تحولية على المنظومة المالية والاقتصادية في دولة الإمارات. يمكن تلخيص الأثر المتوقع في النقاط التالية:
تسريع التحول نحو اقتصاد رقمي مؤتمت بالكامل
يُمّهد الدرهم الرقمي الطريق لانتقال الدولة من مرحلة رقمنة الخدمات إلى أتمتة الاقتصاد نفسه. سيؤدي ذلك إلى اقتصاد أكثر ذكاءً واستجابة لحظيًا.
رفع كفاءة إدارة المال العام وتعزيز الشفافية
سيؤدي تنفيذ المعاملات المالية الحكومية في دقائق بدلًا من أيام إلى تحقيق وفورات كبيرة في الوقت والموارد. سينعكس ذلك في تسريع إجراءات التسوية بين الجهات الحكومية وخفض التكاليف التشغيلية والإدارية.
دعم الابتكار والاستثمار في قطاع التكنولوجيا المالية
سيؤدي النجاح في تطبيق الدرهم الرقمي إلى تحفيز الشركات الناشئة والمستثمرين على تطوير حلول مالية جديدة مبنية على العملات الرقمية للبنوك المركزية. سينعش ذلك بيئة الابتكار ويوفر فرصًا اقتصادية جديدة.
الخلاصة والآفاق المستقبلية
يعكس إنجاز أول معاملة حكومية بالدرهم الرقمي مستوى التكامل الرفيع بين الأنظمة المالية والبنية المؤسسية والرقمية الناضجة في الإمارات. تؤكد هذه المبادرة أن الإمارات تسير بخطى واثقة نحو اقتصاد رقمي متكامل، وتواصل ترسيخ ريادتها الإقليمية والعالمية في تبنّي الحلول التقنية الحديثة. تفتح العملة الرقمية الوطنية الباب أمام تطوير شامل للمدفوعات الحكومية والخاصة، معززةً الكفاءة التشغيلية والاستدامة المالية على المدى الطويل.
