تشهد العاصمة البريطانية لندن ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات سرقة الهواتف، حيث أصبحت الظاهرة تمثل تحديًا أمنيًا متزايدًا. ووفقًا لأحدث الإحصائيات، سُجلت أكثر من 80 ألف حالة سرقة هواتف ذكية في لندن خلال العام الماضي، بمعدل سرقة هاتف واحد كل ست دقائق تقريبًا. هذا الارتفاع جعل لندن في صدارة المدن الأوروبية من حيث عدد الهواتف المسروقة.
وتشير البيانات إلى أن غالبية الهواتف المسروقة، بنسبة تصل إلى 80%، هي من طراز آيفون، على الرغم من أن حصة آبل في سوق الهواتف الذكية في المملكة المتحدة لا تتجاوز 46%. هذا التفاوت يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التركيز على هواتف آبل تحديدًا.
أزمة سرقة الهواتف في لندن: ارتفاع معدلات الجريمة وتنامي شبكات التهريب
يعزو خبراء الأمن هذا الاتجاه إلى نشاط شبكات إجرامية منظمة تستغل القيمة العالية لأجهزة آيفون في أسواق إعادة البيع العالمية. وتُعرف هذه السرقات بأسلوب “التقاط التفاحة” (Apple Picking)، وهو انتزاع الهاتف بسرعة من يد صاحبه. وتؤكد شهادات عديدة أن اللصوص يستهدفون هواتف آبل بشكل خاص، متجاهلين غالبًا الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد.
الأرباح الضخمة وراء “اقتصاد السرقة”
تُظهر التحقيقات أن هواتف آيفون أصبحت هدفًا مفضلًا نظرًا لارتفاع قيمتها في السوق السوداء، حيث يمكن بيع بعض الأجهزة في الصين بما يصل إلى 4,000 جنيه إسترليني. في لندن، يحصل السارقون على حوالي 300 جنيه إسترليني مقابل الهاتف الواحد قبل تهريبه، مما يكشف عن هامش ربح كبير يشجع هذه العصابات على توسيع نطاق عملياتها.
ومع تزايد الأرباح، يشهد المشهد الإجرامي في العاصمة تغييرًا ملحوظًا. أصبحت ثلثا جرائم السرقة في لندن مرتبطة بالهواتف، كما أن هذه العمليات تؤدي إلى ارتفاع معدلات جرائم العنف، حيث تشير تقديرات الشرطة إلى أن حوالي 70% من جرائم استخدام الأسلحة البيضاء مرتبطة بسرقة الهواتف.
شبكات إجرامية تعمل باحترافية عالية
لم تعد عمليات السرقة تقتصر على مجرد خطف الهاتف من اليد، بل أصبحت تشمل عمليات مراقبة دقيقة، وسرقة من الجيوب، وخزائن الصالات الرياضية، وحقائب اليد، ودور العبادة، والمتاجر، ووسائل النقل العام. وتكشف الشرطة أن بعض العصابات تستخدم “مراقبين” لتحديد الأهداف قبل تنفيذ عملية السرقة بطريقة مخططة.
يلجأ اللصوص أيضًا إلى استخدام حيل تقنية، مثل تغليف الهواتف بورق الألومنيوم لمنع تتبعها عبر ميزة “Find My iPhone” وتقنيات التتبع الأخرى، مما يدل على وعيهم بأساليب الحماية وتطورهم لمواكبة التكنولوجيا الحديثة. سرقة الهواتف أصبحت أكثر تعقيدًا.
شبكة تهريب دولية
تشير البيانات إلى أن ما يصل إلى 75% من الهواتف المسروقة يتم تهريبها خارج بريطانيا، حيث ينتهي 28% منها في الصين وهونغ كونغ، حيث ترتفع أسعار إعادة البيع. وتُظهر التحقيقات أن إحدى الشبكات كانت تقوم بتهريب 40 ألف هاتف سنويًا، ويُعتقد أنها مسؤولة عن تصدير ما يصل إلى 40% من إجمالي الأجهزة المسروقة في لندن.
وعثرت الشرطة على عشرات الهواتف داخل سيارة واحدة، وأكثر من 2,000 جهاز في مواقع تابعة لإحدى العصابات خلال عملية تفتيش. تُظهر هذه الاكتشافات حجم شبكة التهريب المنظمة. الهواتف المسروقة تمثل سوقًا مربحة للعصابات.
سباق تسلح بين التقنية والجريمة
استجابت شركات التكنولوجيا بتحديثات أمنية واسعة، بما في ذلك استثمار آبل مئات الملايين في ميزات مثل Stolen Device Protection و Activation Lock، وتفعيل خدمة التتبع Find My من قبل 90% من مستخدمي آيفون. كما عززت جوجل حماية نظام أندرويد من خلال قدرات مثل كشف السرقة وتحسين “حماية إعادة الضبط”.
ومع ذلك، طورت عصابات السرقة أساليب جديدة للالتفاف على هذه الحماية، مثل الهجمات الاحتيالية وسرقة بيانات الدخول من الضحايا، مما يحول السرقة من جريمة تقليدية إلى هجوم هجين يجمع بين الجريمة الميدانية والهجمات الرقمية. الأمن السيبراني يلعب دورًا متزايدًا في هذه الجرائم.
تشديد الإجراءات الأمنية والقانونية
في ظل تفاقم الأزمة، أقرت الحكومة البريطانية مشروع قانون الجريمة والشرطة الذي يمنح السلطات صلاحيات تفتيش المواقع التي يتم فيها تعقب هاتف مسروق. وتهدف هذه الخطوة إلى استغلال التقنيات الحديثة لكشف شبكات الجريمة. أسفرت الحملات الأمنية عن استرداد أكثر من 2,000 جهاز وضبط 1,000 هاتف إضافي، بالإضافة إلى نشر 1,300 شرطي إضافي في مراكز المدن لمكافحة هذه الظاهرة.
على الرغم من هذه الجهود، يرى سكان لندن أن سرقة الهواتف أصبحت جزءًا من “الحياة اليومية”. وتشير التقديرات إلى أن المشكلة مستمرة، وتتطلب حلولًا شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة. مكافحة الجريمة تتطلب تعاونًا دوليًا.
تُظهر أزمة سرقة هواتف آيفون في لندن شبكة جريمة عالمية تتغذى على الفجوات الاقتصادية والتقنية والقانونية. ومع استمرار تطور مزايا الحماية، يظل الدافع المالي الضخم هو المحرك الرئيسي لهذا “الاقتصاد الإجرامي”. من المتوقع أن تواصل السلطات البريطانية جهودها لتفكيك هذه الشبكات، مع التركيز على التعاون الدولي لتقييد حركة الهواتف المسروقة عبر الحدود. سيتم مراقبة تأثير قانون الجريمة والشرطة الجديد عن كثب لتقييم فعاليته في مكافحة هذه الظاهرة المتنامية.
