ربما تكون آفة البعوض أسوأ مما كنا نعتقد. أظهر بحث حديث أن ذكور البعوض، بالإضافة إلى الإناث، قد يكونون قادرين على التغذية على الدم، وهو اكتشاف قد يغير فهمنا لهذه الحشرات الناقلة للأمراض وكيفية مكافحتها. وقد أثارت هذه النتائج الجديدة تساؤلات حول دور الذكور في انتشار الأمراض التي ينقلها البعوض.
قام علماء من جامعة ولاية بنسلفانيا ومؤسسات بحثية أخرى بنشر نتائجهم الأولية على موقع bioRxiv الأسبوع الماضي. تشير الدراسة إلى أن بعض ذكور البعوض يتغذى على الدم بشكل موثوق، خاصة في ظل ظروف معينة، مما يتحدى الاعتقاد السائد بأن الذكور يعتمدون فقط على الرحيق والمصادر السكرية الأخرى.
اكتشاف غير متوقع حول تغذية البعوض بالدم
لطالما كان من المسلّم به أن ذكور البعوض البالغ يتغذى على السكر، بينما تعتمد الإناث على الدم لتطوير البيض. بدأ هذا البحث بشكل غير متوقع عندما لاحظت طالبة دراسات عليا في مختبر جيسون راسجون، عالم الحشرات، أن بعض الذكور يتغذى على الدم أثناء التجارب المعملية. لم يتم تجاهل هذه الملاحظة الغريبة، بل أثارت فضول الفريق العلمي.
أظهرت التجارب الأولية أن الذكور الذين تغذوا على الدم لم يعانوا من انخفاض في متوسط العمر المتوقع مقارنة بالذكور الذين تغذوا على السكر. هذا كان مفاجئًا، حيث أظهرت دراسة سابقة أن تغذية ذكور نوع Culex quinquefasciatus بالدم أدت إلى وفاتهم السريعة. قرر الفريق متابعة هذا الأمر لمعرفة ما إذا كان هذا السلوك يظهر في أنواع أخرى من البعوض.
العطش والجفاف كمحفزات للتغذية الدموية
أظهرت التجارب اللاحقة أن الجفاف يمكن أن يحفز ذكور البعوض على التغذية على الدم. عندما تم حرمان الذكور من الماء، أصبحوا أكثر عرضة للبحث عن مصدر للدم. لتعزيز هذه الفرضية، قام الباحثون بتعديل وراثيًا بعض البعوض باستخدام تقنية كريسبر لإزالة قدرته على استشعار الرطوبة. كما هو متوقع، لم يتغذى هذا البعوض المعدل على الدم.
بالإضافة إلى ذلك، قام الفريق بجمع عينات من ذكور البعوض من البرية في ولاية تكساس الأمريكية ومايوركا الإسبانية. أظهر تحليل الحمض النووي لهذه العينات أنها تغذت بالفعل على دم الحيوانات، بما في ذلك الكلاب والبشر. وهذا يؤكد أن هذا السلوك ليس مجرد ظاهرة معملية.
نقل الأمراض المحتمل بواسطة ذكور البعوض
الأكثر إثارة للقلق هو أن الدراسة أظهرت أن ذكور البعوض يمكن أن يصابوا بفيروس غرب النيل من خلال الدم. والأهم من ذلك، أن الفيروس يمكن أن يتكاثر داخل الذكور، مما يجعلهم قادرين على نقل العدوى إلى مضيفين آخرين. هذا يثير تساؤلات حول الدور الذي قد يلعبه الذكور في انتشار الأمراض التي ينقلها البعوض.
في تجربة مثيرة للاهتمام، استخدم راسجون نفسه كهدف للتغذية. بعد تعرضه لخدش من قطته، سمح لـ 20 ذكرًا من البعوض المجفف بالوصول إلى الجرح. نجح أحد الذكور في التغذية على دمه، مما أثبت أن الذكور قادرون على اختراق جلد الإنسان والتغذية عليه.
أظهرت الدراسة أن خمسة أنواع على الأقل من ذكور البعوض (Cx. tarsalis, Cx. quinquefasciatus, Ae. aegypti, Ae. notoscriptus, و. stevensi) يمكن أن تتغذى على الدم. توسع نطاق البحث من دراسة صغيرة إلى مشروع تعاوني يضم 17 باحثًا من عدة دول.
الآثار المترتبة على مكافحة ناقلات الأمراض
على الرغم من هذه النتائج المثيرة، يؤكد الباحثون أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم هذه الظاهرة بشكل كامل. هل تغذية ذكور البعوض بالدم شائعة في البرية؟ وما هو الدور الذي يلعبه الذكور في انتشار الأمراض؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات.
تشير الدراسة إلى أن الجفاف قد يكون عاملاً رئيسيًا في تحفيز تغذية الذكور بالدم. ومع ذلك، قد يكون العديد من الذكور في البرية يعانون من العطش بدرجة كافية لتجربة التغذية على الدم. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الأنواع التي تمت دراستها هي ناقلات معروفة للأمراض التي تصيب الإنسان، مما يجعل هذا الاكتشاف ذا أهمية خاصة.
تثير هذه النتائج تساؤلات حول فعالية استراتيجيات مكافحة الأمراض التي تعتمد على إطلاق ذكور البعوض المعقمة. إذا كان الذكور قادرين على نقل الأمراض، فقد تكون هذه الاستراتيجية أكثر خطورة مما كان يعتقد سابقًا.
يقوم الفريق حاليًا بمراجعة أبحاثهم للنشر في مجلة علمية محكمة. ويأملون في الحصول على تمويل إضافي لإجراء المزيد من الدراسات الميدانية لفهم سلوك تغذية البعوض بشكل أفضل. من المتوقع أن يتم اتخاذ خطوات لتقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بتغذية ذكور البعوض بالدم في الأشهر القادمة.
