يواجه مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، تحديًا حاسمًا في إعادة توجيه شركته نحو الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد فترة من التراجع النسبي في هذا القطاع. وتسعى ميتا إلى منافسة الشركات الرائدة مثل OpenAI وجوجل من خلال استثمارات ضخمة، وتوظيف الكفاءات المتميزة، وإجراء تغييرات هيكلية واسعة النطاق. هذا التحول يأتي في وقت بالغ الأهمية لمستقبل الشركة، خاصةً بعد التحديات التي واجهها مشروع الميتافيرس.
وقد بدأت هذه الجهود تتجسد خلال الأشهر الأخيرة، حيث كثفت ميتا من أنشطتها في مجال البحث والتطوير، مع التركيز بشكل خاص على تطوير نماذج لغوية كبيرة وقدرات التعلم الآلي المتقدمة. وتأتي هذه الخطوة في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها قطاع التكنولوجيا، وتزايد أهمية الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.
استثمارات ضخمة وتنافس محموم في الذكاء الاصطناعي
تستثمر ميتا مبالغ طائلة في البنية التحتية اللازمة لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك بناء مراكز بيانات متطورة وشراء رقاقات عالية الأداء. وتشير التقديرات إلى أن النفقات الإجمالية للشركة في هذا المجال قد تصل إلى 70 مليار دولار في عام 2025، وقد تتجاوز 100 مليار دولار بحلول عام 2026، وفقًا لتقارير مالية حديثة. هذا الإنفاق الكبير يعكس مدى جدية زوكربيرج في هذا الرهان.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى ميتا إلى استقطاب أفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي من الشركات المنافسة، من خلال تقديم عروض مالية مغرية وحوافز توظيف استثنائية. وقد وصلت قيمة بعض هذه العروض إلى 100 مليون دولار للباحثين البارزين، مما يدل على المنافسة الشديدة على الكفاءات في هذا المجال. وتشمل الشركات التي تستهدفها ميتا في عمليات التوظيف OpenAI وجوجل وآبل ومايكروسوفت.
تحديات داخلية وإعادة هيكلة
لم يخلُ هذا التحول الاستراتيجي من التحديات الداخلية. فقد شهدت ميتا عمليات تسريح واسعة النطاق وإعادة هيكلة متكررة، بهدف تبسيط العمليات وزيادة الكفاءة. كما شهدت الشركة تغييرات كبيرة في المناصب التنفيذية، مما أدى إلى بعض الاضطرابات في سير العمل.
ومع ذلك، تواصل ميتا جهودها لتجاوز هذه التحديات، من خلال التركيز على تطوير تقنيات جديدة وتعزيز التعاون بين الفرق المختلفة. وتعتمد الشركة على فريق بحثي قوي، بقيادة ألكسندر وانغ، مؤسس Scale AI، الذي تم تعيينه على رأس “مختبر الذكاء الفائق” الجديد.
تقارب سياسي وتأثيره على الاستراتيجية
في محاولة لتهدئة المخاوف التنظيمية، كثف زوكربيرج من تقاربه العلني مع شخصيات سياسية بارزة، بما في ذلك الرئيس السابق دونالد ترامب. وقد أشاد زوكربيرج بترامب في أكثر من مناسبة، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها محاولة لاسترضاء التيار السياسي المحافظ.
بالإضافة إلى ذلك، قامت ميتا بتخفيف بعض سياسات الإشراف على المحتوى، مما أثار جدلاً واسعًا حول مسؤولية الشركة تجاه حماية المستخدمين من المعلومات المضللة والمحتوى الضار. هذه التغييرات في السياسات قد تؤثر على صورة الشركة وثقة المستخدمين بها.
النموذج اللغوي “أفوكادو” وآفاق المستقبل
تعتمد ميتا بشكل كبير على نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد الذي يتم تطويره في مختبرها البحثي، والذي يحمل الاسم الرمزي “أفوكادو”. تهدف الشركة إلى أن يضاهي أداء هذا النموذج أداء نموذج Gemini 2.5 من جوجل عند إطلاقه في الربع الأول من عام 2026، وأن يتفوق عليه بحلول الصيف.
ويعتبر نموذج “أفوكادو” بمثابة نقطة تحول حاسمة لميتا في سباق الذكاء الاصطناعي. فالنجاح في تطوير هذا النموذج سيمنح الشركة ميزة تنافسية كبيرة، وسيعزز مكانتها كشركة رائدة في مجال التكنولوجيا. في المقابل، فإن الفشل في تحقيق هذا الهدف قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين والمستخدمين.
وتستثمر ميتا أيضًا في تقنيات أخرى ذات صلة بالذكاء الاصطناعي، مثل الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغة الطبيعية. وتسعى الشركة إلى دمج هذه التقنيات في منتجاتها وخدماتها المختلفة، بهدف تحسين تجربة المستخدم وتقديم حلول مبتكرة.
في الختام، يمثل رهان ميتا على الذكاء الاصطناعي خطوة جريئة ومحفوفة بالمخاطر. وتعتمد فرص نجاح الشركة على قدرتها على الاستثمار بفعالية في البنية التحتية والبحث والتطوير، واستقطاب أفضل المواهب، وبناء الثقة مع المستخدمين والمشرّعين. من المتوقع أن يشهد الربع الأول من عام 2026 إطلاق نموذج “أفوكادو”، وهو ما سيحدد إلى حد كبير مستقبل ميتا في هذا المجال التنافسي. وسيكون من المهم مراقبة أداء النموذج وتأثيره على سوق الذكاء الاصطناعي بشكل عام.
