إذا كنت قد عشت مع قطة منزلية، فأنت تعلم أنها غالبًا ما تكون لغزًا. لكن أحدث الأبحاث العلمية قد تقدم إجابات جديدة حول أصول هذه الحيوانات المحبوبة، وتحديدًا متى بدأت رحلتها للانضمام إلى حياة البشر. فريق دولي من الباحثين قام بتحليل الحمض النووي القديم لقطط من مواقع أثرية متعددة، وكشف عن رؤى جديدة حول تاريخ استئناس القطط، والتي تختلف عن النظريات السائدة.
الدراسة، التي نشرت نتائجها مؤخرًا، أظهرت أن أصول القطط المنزلية قد تكون أقدم وأكثر تعقيدًا مما كنا نعتقد. تحليل الحمض النووي يشير إلى أن انتشار القطط في أوروبا لم يحدث إلا في وقت متأخر نسبيًا، وأن هناك تاريخًا طويلًا من التفاعل بين القطط البرية والبشر قبل أن تصبح القطط حيوانات أليفة حقيقية. النتائج تثير تساؤلات حول كيفية تدجين القطط وتطورها إلى الرفيق المفضل للكثيرين.
الأصول المحيرة للقطة المنزلية
لطالما كان أصل القطط المنزلية (Felis catus) موضوع نقاش بين العلماء. تعود جذورها إلى القط البري الأفريقي (Felis lybica)، لكن تحديد نقطة التحول الدقيقة من القط البري إلى القط المستأنس يمثل تحديًا كبيرًا. السبب في ذلك يعود إلى التشابه الكبير بين القطط الحديثة وأسلافها البرية، على عكس تطور الكلاب الأكثر وضوحًا.
نظريات متنافسة حول الاستئناس
هناك عدة نظريات حول متى وأين بدأ استئناس القطط. إحدى النظريات الرئيسية تشير إلى أن العملية بدأت في منطقة بلاد الشام منذ حوالي 10,000 عام، بناءً على اكتشاف عظام قطط مدفونة مع البشر في مواقع أثرية في قبرص. تشير نظرية أخرى إلى أن مصر القديمة كانت مركزًا رئيسيًا لاستئناس القطط منذ حوالي 4,000 عام، حيث كانت القطط تحظى بتقدير كبير في الثقافة المصرية.
في الماضي، كان يُعتقد أن مزارعي العصر الحجري الحديث في الأناضول (تركيا الحديثة) لعبوا دورًا في إدخال القطط إلى أوروبا منذ حوالي 6,000 عام. ومع ذلك، يبدو أن هذه النظرية قد تم تعديلها الآن بفضل الأبحاث الجديدة.
التنقيب الجيني يكشف عن حقائق جديدة
لحل هذا الجدل، استخدم الباحثون تقنيات التسلسل الجيني الحديثة لتحليل الحمض النووي القديم لـ 70 قطة تم جمعها من مواقع أثرية في شمال إفريقيا وأوروبا والأناضول. يعود تاريخ هذه العينات إلى فترة زمنية تمتد من القرن التاسع قبل الميلاد إلى القرن التاسع عشر الميلادي.
أظهرت النتائج أن القطط الحديثة مرتبطة بشكل وثيق بالقطط البرية من شمال إفريقيا أكثر من ارتباطها بالقطط البرية من بلاد الشام. الأهم من ذلك، أن أقدم عينات القطط التي تم العثور عليها في أوروبا تعود إلى حوالي 2000 عام فقط. وعينات القطط الأقدم في أوروبا وتركيا كانت من نوع القط البري الأوروبي (Felis silvestris)، وليس من سلالة القطط المنزلية كما نعرفها. هذا يشير إلى أن القطط الأفريقية والقطط الأوروبية ربما تزاوجت، ولكن ذلك حدث بعد وصول القطط المستأنسة إلى أوروبا.
يؤكد الباحثون أن هذا لا يعني أن البشر لم يكن لديهم أي تفاعل مع القطط البرية في الماضي، بل يشير إلى أن عملية الاستئناس الحقيقية لم تبدأ في أوروبا إلا في وقت لاحق مما كان يعتقد سابقًا. الدراسة تدعم فكرة أن القطط “استأنست نفسها” إلى حد كبير، مما يعني أنها اقتربت من المستوطنات البشرية بشكل طبيعي لجذب القوارض والحصول على الطعام، ثم تطورت تدريجيًا لتصبح أكثر قابلية للتكيف مع الحياة مع البشر.
غموض القطط السردينية
ألقى هذا البحث الضوء أيضًا على أصل القطط التي تعيش في جزيرة سردينيا الإيطالية. وجد العلماء أن القطط السردينية القديمة والحديثة مرتبطة بشكل وثيق بالقطط البرية من شمال إفريقيا، مما يشير إلى أن البشر جلبوا مجموعة متميزة من القطط البرية إلى الجزيرة منذ حوالي 2200 عام، بشكل منفصل عن إدخال القطط المستأنسة إلى أوروبا. هذا يعني أن القطط السردينية ليست أحفادًا مباشرة للقطط المستأنسة، بل تحتفظ بصلة وراثية أقوى بأسلافها البرية.
خطوات مستقبلية في فهم أصول القطط
على الرغم من أن هذه الدراسة تقدم أدلة قوية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج وتعميق فهمنا لتاريخ استئناس القطط المنزلية. يشير العلماء إلى أن هناك حاجة إلى تحليل الحمض النووي القديم من مواقع أثرية إضافية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وتركيا، وخاصةً عينات أقدم من 2000 عام.
يخطط فريق البحث لمواصلة عملهم من خلال تحليل عينات من المومياوات المصرية القديمة، والتي قد توفر رؤى قيمة حول المراحل المبكرة من استئناس القطط. من المتوقع أن يتم نشر نتائج هذه الأبحاث في المستقبل القريب، مما قد يؤدي إلى تغيير فهمنا لتاريخ هذه الحيوانات الرائعة.
