تحتوي الصخور في قاع المحيط الأطلسي على العديد من الأسرار التي قد تساعد العلماء على فهم كوكبنا وكيف نشأت الحياة عليه. ولهذا السبب، قامت مجموعة من الباحثين بمهمة صعبة: حفر حفرة يبلغ عمقها أكثر من ثلاثة أرباع الميل واستخراج نواة صخرية قياسية من وشاح الأرض.
يستخرج العلماء بانتظام عينات من باطن الأرض ـ عينات أسطوانية من المواد من أعماق سطح الأرض ـ لفحص تركيب الطبقات المختلفة. ويمكن أن تعمل هذه البيانات كنافذة على ماضي الكوكب، وتوفر معلومات عن التحولات المناخية والبيئية، أو عن تشكل الأرض نفسها. ويواجه الحفر في أعماق البحار تحديات فريدة من نوعها، لذلك اضطر الباحثون في كثير من الأحيان إلى استخراج الصخور من قاع المحيط. ويمكن أن يكشف تحليل تركيب هذه الصخور عن معلومات قيمة، ولكن هذه الصخور يمكن أن تتغير بفعل ضغط البحر والتعرض لمياه البحر المالحة.
جرت الرحلة الاستكشافية بين أبريل ويونيو 2023 في منطقة شمال الأطلسي المعروفة باسم كتلة أتلانتس، وهي جبل تحت الماء يرتفع 14000 قدم (4267 مترًا) عن قاع البحر. تم اختيار الموقع لأن النشاط التكتوني في المنطقة يدفع الصخور التي تكون عادةً عميقة في وشاح الأرض أقرب بكثير إلى قاع المحيط، مما يسهل استعادتها. لا يزال هذا يتطلب بعض الحفر العميق للحصول على قلب شبه مستمر بطول 4160 قدمًا (1268 مترًا) من البريدوتيت، وهو نوع من الصخور النارية.
إن هذا العمق الشديد أعظم بكثير من أي محاولات سابقة لحفر الصخور الوشاحية المحيطية. ووفقًا للدراسة التي شارك في تأليفها سي يوهان ليسنبيرج من جامعة كارديف، فقد تمكن العلماء من استعادة 71% من المواد المحفورة، مع استعادة كاملة تقريبًا لأجزاء طويلة من الصخور السربنتينية جزئيًا (أي الصخور المتغيرة جزئيًا بالماء).
كما هو موضح في الورقة البحثية المنشورة في المجلة علومقام الباحثون بتحليل تركيب المعادن داخل الصخور ووجدوا أدلة تدعم نظرية حول كيفية ارتفاع الصخور المولودة في أعماق الوشاح إلى السطح. في هذه النظرية، يؤدي الضغط إلى ذوبان الصخور التي يتم ضغطها بعد ذلك إلى الأعلى، وتختلط مع الصهارة في القشرة قبل أن تنفجر في قاع المحيط.
كما اكتشف الباحثون وجود صخور بلورية تسمى الجابرو، والتي تتكون نتيجة للتبريد البطيء للماغما. ويعتقد الباحثون أن الجابرو يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم المعادن والغازات الموجودة في فتحات أعماق البحار، والتي يعتقد بعض العلماء أنها موطن مثالي لتكوين الحياة البدائية. وقد يؤدي التعرف على المزيد عن الفتحات إلى ظهور نظريات جديدة حول كيفية نشوء الحياة على الأرض، وكيف يمكن أن تتشكل نظريًا على كواكب أخرى.
وفي الدراسة، أقر الباحثون بضرورة إجراء المزيد من التحليلات حول ما قاموا بحفره. وقالوا: “إن السجل الصخري الشامل الذي تم الحصول عليه خلال البعثة 399 يوفر ثروة من الفرص لإحراز تقدم أساسي في فهمنا للوشاح العلوي للمحيط”.
وفي مقال مصاحب، قال إيريك هيليبراند، أستاذ جامعة أوتريخت، إن “العمق يتجاوز بكثير ما تم تسجيله في جهود الحفر السابقة ويخلق فرصًا لتمييز السمات الهيكلية والمعدنية للوشاح وكيف يتفاعل مع الغلاف المائي والحيوي”.
وأعرب أيضا عن أمله في أن تتمكن بعثة الحفر من رفع مستوى دراسة كيفية تشكل الأرض.
“لقد رسمت عقود من أخذ العينات من قاع المحيطات عن طريق التجريف صورة معدنية تقريبية للوشاح”، كما كتب. “ومع ذلك، تكشف كل مهمة حفر جديدة عن وجهات نظر مدهشة للوشاح وتكوين القشرة المحيطية. وسوف تكشف مشاريع الحفر الأكثر طموحًا عن قطع مهمة لفهم التأثيرات البيوكيميائية للوشاح المحيطي”.